ترى الأستاذة الجامعية وردة لواتي، أنّ المتتبع للحركة الأدبية والنّقدية في الجزائر يلتمس بوضوح وجود معالمه الواضحة التي لا غبار عليها، ولا يمكن لجاحد أن ينكرها على الرغم من وجود بعض التحفّظات للمقبلين على الممارسة النّقدية الذين يفتقدون - في معظمهم - للتخصّص في المجال، وهذا ما يفرز بعض الفهم الخاطئ لبعض النصوص، وخاصّة مع الفهم غير الصحيح لوظيفة النّقد، وافتقار الممارسين للعملية النّقدية للمنهج المناسب.
دعت أستاذة الأدب العربي بجامعة الحاج موسى أخاموك بتمنغست، الدكتورة وردة لواتي في حديث لـ«الشعب”، النّاقد الجزائري إلى مواكبة الحركة النّقدية العالمية، في إطار ما يعرف بـ«نقد النّقد” الأمر الذي يحدث في رأيها نوعا من التفاعل الفكري الواعي، انطلاقا من مرجعيّته الفكرية والثقافية وخصوصيته الاصطلاحية.
يحدث هذا - تقول المتحدّثة - بعد مرور النّقد بعدّة مراحل منذ ظهوره، حيث يجمع الباحثون في مجال الأدب والنّقد أنّ هذا الأخير كانت انطلاقته في الجزائر محتشمة، كما تؤكّد الدراسات والبحوث على أنّ الخطاب النّقدي في الجزائر لم يرق للمستوى الذي يؤهّلنا لاعتباره خطابا نقديا قائما بذاته، فهو لا ينفكّ أن يكون عبارة عن محاولات بسيطة حوتها بعد الصحف والمجلات، فالحركة النّقدية الأدبية في فترة ما قبل الاستقلال - تقول لواتي - كانت بمثابة الإرهاص، وانعكست الظروف السياسية والاجتماعية على الساحة الأدبية والنّقدية بما لم يدع المجال لأيّ انفتاح على الآخر، أين ركّزت هذه الفترة على إحياء التراث والعودة إلى كلّ ما هو أصيل كردّ فعل على ما تفرضه الفترة الاستعمارية، فجاء النّقد الأدبي في الجزائر متأخّرا نسبيا واستمر الوضع على ما هو عليه لفترة من الزمن في ظلّ ظروف سادتها البساطة في الإبداع الأدبي.
هذه المرحلة رغم ضعفها – تضيف محدّثتنا - كانت بمثابة القاعدة التي أسّست لظهور نمط آخر من الأعمال الإبداعية والنّقدية تزامنت وحصول الجزائر على حريتها وسيادتها، حيث ظهرت أعمال أكاديمية تؤسّس للنّقد وتدعمه، وكانت انطلاقته مع أبي القاسم سعد الله، مخلوف عامر، عمار بن زايد، عبد الله الركيبي.. وغيرهم ممّن قدّموا إسهاماتهم الأكاديمية التي عالجت إشكالية النّقد، المنهجية الاصطلاحية، والعديد من الدراسات التي وضعت النّقد الجزائري على السكّة الصحيحة، وبدأت خطوة الألف ميل محاكية الحركة النّقدية المشرقية ونهضتها التجديدية.
تقول لواتي: “مع تطوّر الصحافة واتساع المقروئية وبصدور بعضها باللغة العربية، فتح المجال لتطوّر الحركة الإبداعية والنّقدية، وأسهمت بشكل مباشر في تطوّر النّقد الأدبي الذي عرف حركية واسعة على الصعيد العربي والعالمي، حيث ظهرت اتجاهات جديدة تنبنّي على مفاهيم نقدية حديثة، فكانت الانطلاقة الحقيقية للنّقد في الجزائر على يد ثلّة من الرواد أدركوا القيمة الحقيقية لدور النّقد في دفع حركة الإبداع الأدبي، وهذا لا يجعلنا ننكر جهود الرواد الأوائل الذين صبغوا النّقد بصبغة الأصالة.
وترى محدّثتنا بأنّ فترة الثمانينات من القرن المنصرم تعدّ المرحلة الفيصل في التأسيس الحقيقي للنّقد الجزائري، من خلال تجربة عبد الله الركيبي بكتابه “الشعر الجزائري الحديث”، وتجربة “الكتابة الواقعية لدى الطاهر وطار” لواسيني الأعرج.. والتجربة النّقدية للنّاقد محمد ساري (البحث على النّقد الأدبي الجديد)، وغيرهم كثير، حيث توالت الأعمال النّقدية تباعا مع ثلّة من النقّاد الجزائريين، وهنا يكون النّاقد الجزائري - تؤكّد لواتي - قد قطع شوطا كبيرا في الممارسة النّقدية التي وظّف فيها جملة من المناهج النّقدية الحديثة، دون إهمال الجانب المفاهيمي الذي ألقى عليه الضوء في محاولة منه للتعريف بها، وإزاحة اللّبس للباحث والدارس معاً..