التزم بتحقيق نهضـة ثقافية شاملة وبعث الصناعـة السينمائية

رئيس الجمهورية.. وعـــد فأوفى

أسامة إفراح

«إن دور السينما مهم ومحدد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل».. بهذه العبارة أكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على أهمية الفن السابع ودوره في تشكيل إدراك الفرد، خاصة في عصر الصورة الذي نعيشه. وقد أمر رئيس الجمهورية بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، وبجعل 2024 «عام انطلاق الإنتاج السينمائي». وليس هذا الاهتمام وليد اللحظة، بل نجده متواصلا طيلة العهدة الرئاسية، حرصٌ تكلّل بقوانين ومشاريع عززت القطاع، وأرست قواعده المتينة.

منذ انتخابه على رأس الدولة الجزائرية، أبدى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اهتماما بالغا بالثقافة عموما، وقطاع السينما بشكل خاص، اهتمام تجسّد في نصوص تشريعية وتنظيمية، ومشاريع ميدانية. وهو حرص لم ينقطع منذ البداية، لذلك أمكن اعتبار القوانين والتدابير الميدانية التي تكرسه ثمرة عملية متواصلة وجزءًا من رؤية وبرنامج متكامل.

قانون الصناعة السينماتوغرافية

لعلّ من أهم المكاسب التي تدعّم بها قطاع السينما مؤخرا، وجسد حرص رئيس الجمهورية على نهضة حقيقية في هذا المجال، القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية (القانون رقم 24-07 المؤرخ في 20 شوال عام 1445 الموافق 29 أبريل سنة 2024) الذي صدر في العدد 31 لسنة 2024 من الجريدة الرسمية.
يهدف هذا القانون إلى تحديد الأحكام المطبقة على الصناعة السينماتوغرافية، ولا سيما منها تلك المتعلقة بإنتاج وتوزيع واستغلال الأفلام السينمائية والترويج لها عبر مختلف الدعائم، وكذا تنظيم النشاطات المتصلة بها (المادة 1).
وأوكل هذا القانون (المادة 3) إلى الوزير المكلف بالثقافة، وبالتنسيق مع القطاعات والهيئات المعنية، مهمة القيام بإعداد السياسة الوطنية في مجال الصناعة السينماتوغرافية، والسهر على تنفيذها.
تهدف السياسة الوطنية في مجال الصناعة السينماتوغرافية خصوصا إلى: التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للصناعة السينماتوغرافية، وتكييف الصناعة السينماتوغرافية مع التطورات والابتكارات التكنولوجية، وتطوير وترقية الاستثمار في الصناعة السينماتوغرافية، والرفع من القدرات التنافسية للسينما الجزائرية وتنوّع الإنتاج السينمائي الوطني، وترقية الذوق الفني والثقافة السينمائية للمواطن الراسخة في القيم الوطنية والمتفتحة على العالم، والحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز اللحمة الوطنية، وتثمين الأحداث التاريخية ومآثر المقاومة الوطنية والثورة التحريرية، والتعريف بالتاريخ وتثمين الذاكرة الوطنية، وولوج المواطنين لمحتويات سينمائية متنوعة وذات جودة، وحماية وحفظ وتثمين التراث والأرشيف السينمائيين، والترويج للوجهة السياحية للجزائر، وحماية وتثمين حقوق الملكية الفكرية للمصنفات السينمائية، ورفع الوعي البيئي والتحسيس بقضايا حماية البيئة والتنمية المستدامة.
وتضمن هذا القانون، الذي جاء لتأطير ممارسة مختلف النشاطات المتعلقة بالصناعة السينماتوغرافية، جملة من الإجراءات والتدابير لدعم الصناعة السينماتوغرافية، من خلال تشجيع وترقية الاستثمار والشراكة في الصناعة السينماتوغرافية، على غرار إمكانية استفادة المستثمرين في هذا المجال من الأملاك الخاصة للدولة وأملاك الجماعات المحلية من أجل إنجاز مدن سينمائية ومركبات العرض السينمائي.
أما على الصعيد المهني، فقد تمّ ــ لأول مرة ــ وضع إطار قانوني لمهني السينما، حيث يخضع هذا القانون مهني السينما لقانون أساسي خاص بهم، كما نصّ على إنشاء هيئة للوساطة وآداب وأخلاقيات النشاط السينماتوغرافي، تتولى إعداد ميثاق آداب وأخلاقيات النشاط السينماتوغرافي والسهر على احترامها وإجراء الوساطة بين مهنيي الصناعة السينماتوغرافية فيما يتعلق بخلافاتهم الناجمة عن ممارسة نشاطاتهم السينمائية.
كما قدّم القانون أحكاما تتعلق بترقية وتطوير قدرات مهنيي السينما من خلال التكوين، والتكوين المتخصص، والتكوين المستمر، وتحسين المستوى في المجالات السينمائية، حيث تسهم مؤسسات القطاع الخاص في تحسين مؤهلاتهم الفنية والتقنية، وهذا بالتشجيع على إنشاء مؤسسات خاصة للتكوين في المهن السينمائية وترقية الشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة.
لم يأتِ قانون الصناعة السينماتوغرافية من فراغ، مثله مثل التدابير الأخرى المتعلقة بالنهوض بالسينما خصوصا، والثقافة الجزائرية عموما، وعلى رأسها قانون الفنان.. ولعلنا نغتنم هذه السانحة، لنستعرض كرونولوجيا أهمّ القرارات والتعليمات والتوجيهات التي أسداها السيد رئيس الجمهورية.

التزامات الرئيس

كانت الثقافة، منذ البداية، من المحاور الرئيسية في الالتزامات الـ54 التي قدمها رئيس الجمهورية حين ترشحه سنة 2019، بداية بالالتزام 20 «الإنتاج الفكري والثقافي والفني لخدمة النمو الاقتصادي»، الذي أكد على «تطوير الصناعة السينمائية والثقافية من خلال حوافز وتدابير جذابة لصالح المنتجين لأول مرة»، و»تشجيع الخبرة الوطنية في مجال الصناعات الثقافية والفنية للحدّ من تقديم الخدمات المستوردة»، و»تشجيع إنشاء استوديوهات الصناعة السينمائية واستوديوهات التسجيل وقاعات المسرح والعروض من خلال الحوافز الضريبية والمصرفية (مع إمكانية اللجوء إلى الشراكة)»، و»خلق بيئة مواتية لظهور ونمو المواهب الفنية لاسيما من خلال تشجيع مسارات تكوين دراسية وجامعية فنية وخلق شهادة بكالوريا فنية»، و»إحصاء مفصل وحقيقي للإنتاج الصناعي والثقافي والفني الوطني ووضع دليل يتمّ تحديثه سنويا للإنتاج الصناعي والحرفي الوطني».
كما نصّ الالتزام 46 «تعزيز الثقافة والأنشطة الثقافية» على نقاط منها دعم ومرافقة الإبداع الفني والأعمال الثقافية، وتحسـيـن شبكة الهياكل القاعديــة ومنها المســارح ودور الســينما، ودعم ومرافقة المبادرات التي يطلقها الفنانون الشباب من خلال وضع آليات الدعم وتشجيع الإبداع، وتثمين مهنة الفنان وكل الفاعلين في مجال الثقافة وترقية دورهم الاجتماعي ووضعهم القانوني. أما الالتزام 50، فنص على تجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر.

جهود متواصلة.. وفق رؤية واضحة

وبُعيد انتخابه على رأس البلاد (وبالضبط في 02 جانفي 2020) عيّن رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة الجديدة، واستحدثت حينذاك حقيبة «كاتب للدولة لدى وزيرة الثقافة مكلف بالصناعة السينماتوغرافية» (استمرت الحقيبة إلى غاية 21 فيفري 2021).
وخلال ترؤسه لأول اجتماع لمجلس الوزراء (05 جانفي 2020)، ألحّ السيد رئيس الجمهورية على العنصر الثقافي، وأكد على ضرورة تخصيص فضاءات للفنانين كفيلة بتثمين المهنة وترقية دورها، «مع السهر على تطوير الصناعة السينمائية التي من شأنها تمكينهم من إبراز مهاراتهم». كما أكد على «وجوب التفكير في إمكانية ترقية التكوين الفني والثقافي بغية تشجيع المواهب وتجديد النخب الفنية ومنح امتيازات ضريبية لتطوير الإنتاج الثقافي والسينمائي والفكري والاهتمام بالوضع الاجتماعي للفنان».
وتوالت المناسبات التي جدّد فيها السيد الرئيس تأكيده على ضرورة النهوض بالسينما الجزائرية، حيث تضمّن جدول أعمال مجلس الوزراء (23 فيفري 2020) ملفات تخصّ العديد من القطاعات، منها «آفاق بعث وتطوير نشاطات الثقافة والإنتاج الثقافي والصناعة السينماتوغرافية».
وفي 03 جانفي 2021، ألحّ رئيس الجمهورية على «ضرورة التدارك الفوري للضعف المسجل في مجال الصناعة السينماتوغرافية التي لم تصل بعد إلى مورد اقتصادي قادر على خلق آلاف مناصب الشغل يمكّنه المساهمة بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد الوطني».
وفي أفريل 2021، عين رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، المخرج السينمائي أحمد راشدي مستشارا لديه مكلفا بالثقافة والسمعي البصري (استمر في منصبه إلى غاية أكتوبر 2023). وفي اجتماع 30 ماي 2021، وبخصوص العرض الذي قدمته وزيرة الثقافة والفنون حول مخطّط العمل لبعث الصناعة السينماتوغرافية والإنتاج السمعي البصري، كلف رئيس الجمهورية الحكومة بمواصلة دراسة مختلف الجوانب المتعلقة ببعث هذا القطاع، عبر تحديد عدد من المشاريع الرئيسية لهيكلة هذا النشاط، مشددا على ضرورة إدماج الوسائط الحديثة لتوزيع واستهلاك المنتوج السينمائي والسمعي البصري.
وكان من مخرجات اجتماع مجلس الوزراء (22 أوت 2021) ضرورة إرساء صناعة سينماتوغرافية خلاقة لمناصب الشغل والثروة عن طريق الإنتاج السينمائي الهادف ذي المعايير الدولية، وأيضا إعادة بعث مشروع إنتاج فيلم «الأمير عبد القادر» باعتباره مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وكونه رمزا عالميا. يضاف إلى ذلك، إدماج المتخرجين من المعاهد الفنية والدراما وحملة البكالوريا الفنية مستقبلا.
كما شهد 30 أوت 2021، اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء، خُصّص للدراسة والمصادقة على مخطط عمل الحكومة، وارتكز هذا الأخير، لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ضمن التزاماته الـ 54، على خمسة محاور وفق مقاربة تشاركية: حمل المحور الثاني منها عنوان «من أجل إنعاش وتجديد اقتصاديين»، وكان من بين النقاط الرئيسية بهذا المحور «تهيئة الظروف لانطلاق صناعة سينمائية حقيقية». وشدّد رئيس الجمهورية على أهمية هذا المخطط في تجسيد الالتزامات التي قطعها على نفسه أمام الشعب الجزائري.
وفي 8 جانفي 2023، أكد رئيس الجمهورية أن الهدف من إنشاء الثانوية النموذجية للفنون هو سدّ للفراغ الثقافي والفني، لدى الجيل الناشئ، لتقوية أسسنا الثقافية والفنية من أجل مواجهة التحديات، التي تنطلق من مرجعياتنا الثقافية، على غرار الفن السينمائي، والمسرحي والموسيقي. (للإشارة، فقد حقّقت هذه الثانوية «علي معاشي» في أول دورة بكالوريا لها، هذه السنة 2024، نسبة نجاح إجمالية بلغت 79.45 بالمائة، وبلغت نسبة نجاح شعبة السينما 81.25 بالمائة).
وبذات المناسبة، شدّد رئيس الجمهورية على أن «دور السينما مُهم ومحدّد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل، وليس للتسلية فقط».
أما في 20 فيفري 2023، وبخصوص مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، أمر رئيس الجمهورية بتأجيل مشروع القانون لإثرائه، وعقد جلسات خاصة بقطاع السينما، بإشراك الفاعلين ومهنيي القطاع الجزائريين، داخل الوطن وخارجه. كما أكد رئيس الجمهورية حرصه على أن يتضمّن القانون الجديد الخاص بالفنان آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين، على اختلاف فنونهم، عرفانا بما قدموه ويقدمونه من صور جميلة عن الجزائر.
ومن توجيهات الرئيس أيضا، أن يكون القانون محفّزا، ومشجّعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة على الإنتاج السينمائي، وفق نظرة إبداعية، تعيد للجزائر بريقها، بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع. وأن يراعي القانون مختلف التحولات والتطورات، في مجال العمل السينمائي، بما يتجاوب مع تطلعات الشباب الراغبين، في التخصص بهذا المجال. مع ضرورة ضبط آليات واضحة لتمويل المشاريع السينمائية، بما يتوافق وقوانين الجمهورية.
وفي 10 ديسمبر 2023، وبخصوص «مشروع الصناعة السينماتوغرافية»، كلّف السيد رئيس الجمهورية وزيرة الثقافة باستحداث هيئة وطنية، توكل مهامها إلى أهل القطاع، للإشراف على العمل السينمائي، وتشجيع النهوض به في هذا المجال الحيوي، خاصة مع بروز بعض الأعمال الدرامية الراقية والمواهب الشبانية، في التمثيل والإخراج، خلال السنوات الأخيرة.
كما أمر السيد الرئيس بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، داخل الجزائر، واستقطاب الكفاءات من أبناء الجالية الوطنية، بفسح المجال أمامهم لتقديم أعمالهم وإسهاماتهم، وذلك بجعل 2024 «عام انطلاق الإنتاج السينمائي». وأكدت الدولة التزامها بتمويل الأعمال السينمائية إلى غاية 70 في المائة، من خلال قروض بنكية، مع مساعدة أهل القطاع على بناء استوديوهات تصوير ومدن سينمائية، تعيد للجزائر مجدها وبريقها السينمائي.

وعود.. تتحقّق

لم تبقَ تعليمات رئيس الجمهورية بالنهوض بالثقافة عامة، والسينما خاصة، مجرد وعود، بل تجسدت ميدانيا، إن من خلال نصوص قانونية وتنظيمية كما رأينا، أو في إعادة بعث التظاهرات والمهرجانات التي كانت متوقفة، أو في شكل مشاريع على أرض الواقع، على غرار الثانوية الفنية «علي معاشي»، والمعهد الوطني العالي للسينما «محمد لخضر حمينة» (قيد الإنجاز).
ومن الأمثلة عن سياسة مرافقة أصحاب المشاريع الفنية، ولا سيما السينمائية منها، عن طريق الاعتمادات المخصصة لإعانة الدولة لترقية الفنون والآداب وطبع ونشر الكتاب والسينما، عرفت هذه الصائفة انتقاء مجموعة من المشاريع السينمائية. ويتعلق الأمر بـ16 فيلما طويلا، استفادت من إعانة إجمالية قدرها 497 مليون دج، و8 أفلام قصيرة استفادت من أكثر من 60 مليون دج، وفيما يتعلّق بالإعانة الخاصة بالكتابة، تمّ انتقاء 6 أفلام بإعانة إجمالية فاقت 14 مليون دج، فيما استفادت 4 أفلام وثائقية من إعانة بلغت مجموعها 34 مليون دج، مع تحديد رزنامة استقبال المشاريع المتعلقة بسنة 2025.
ولا ننسى الإشارة إلى أن انتعاش القطاع السينمائي لا يرتبط فقط بالمشاريع المتعلقة حصرا بالسينما، بل بكل الإنجازات في قطاع الثقافة عامة (التي قد نعود إليها لاحقا)، أولا لأن السينمائي، قبل كل شيء، مثقف وفنان، وثانيا لأن السينما تنهل من جميع الفنون الأخرى، وتستفيد من كل أشكال الإبداع.
في الأخير، نذكّر بضرورة أن يحترم الإبداع السينمائي، وغيره، ثوابت ومقومات الأمة، وهو ما أكده رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، مشدّدا على أهمية الإبداع الفني عامة، والسينما خاصة، في تخليد نضالات الجزائريين، حينما دعا «المنتجين والمخرجين والمؤرخين وكتاب السيناريو، إلى التعاون والتدوين الفني للتاريخ، تاريخ الثورة ونسائها ورجالها».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024