أكدت الدكتورة والشاعرة خديجة باللودمو في حديث لـ«الشعب”، أن ما بين الثقافة المقاولاتية والمقاولاتية الثقافية تظهر جهود حثيثة للدولة الجزائرية، ترمي إلى تعزيز الجهود من أجل دعم الاقتصاد الوطني، ففي حين تظهر الثقافة المقاولاتية في جملة المهارات والنشاطات الرامية لابتكار أفكار جديدة في مختلف القطاعات من طرف أشخاص مقاولين أو مؤسسات، تتمركز المقاولاتية الثقافية على قطاع الثقافة إذ تسعى للتأكيد على دور الثقافة في دفع عجلة الاقتصاد الوطني وأحقيتها في إبداع مشاريع ثقافية تنعش التنمية الاقتصادية وتعزّزها.
تقول الدكتورة باللودمو إن الدولة الجزائرية، لم تتوان عن تأسيس أرضية صلبة بهذا المجال، فسخّرت لها إمكانات هائلة لإرسائها وبلورتها، ولا يمكن إنكار إسهام الجامعة الجزائرية في هذا الباب من خلال ما وُسم بدار المقاولاتية بالجامعات في إطار الشراكة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، والتي سُطّرت أهدافها الرئيسة في تطوير الفكر المقاولاتي لدى الطلاب الجامعيين وتدريبهم عليه، وتحفيز روح المقاولاتية لدى الباحثين من خلال إنجاز بحوث ومذكرات وتنظيم أيام دراسية وملتقيات في هذا الموضوع.
في هذا الصدد، تضيف أستاذة النقد الأدبي الحديث والمعاصر بجامعة الحاج موسى أخاموك بعاصمة الأهقار، إن الدولة الجزائرية سعت لتفعيل دور الثقافة في المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، والاستثمار في مجال السمعي البصري ومختلف الفنون التي لم يكن الاحتفاء بها سوى مناسباتيًّا.
وتؤكد المتحدثة أن المقاولاتية الثقافية تُعنى بالمشاريع الثقافية التي من خلالها يمكن نيل مكاسب وأرباح مادية تشكل تنمية مستدامة تسهم في الاقتصاد الوطني، فمن خلال الصناعة الثقافية يمكن استنهاض المشتغلين في هذه الفنون لتحقيق أرباح محلية ووطنية، وتمثل لأصاحبها دخلا فرديا يساهم من خلاله في توفير مناصب عمل لأفراد آخرين ليؤطر نفسه بعدئذ في هيئة شركة مصغّرة لها مداخيلها وعائداتها، وبين الرأسمالي الاقتصادي والرأسمالي الثقافي تتحقق التنمية المحلية المستدامة، وبالتالي يزدهر الاقتصاد الوطني بتظافر كل هذه الإنجازات الفردية والمؤسساتية، فهي – تقول باللودومو - تسعى إلى تحقيق وجودها رغم حداثتها، من خلال الدعم الذي تحظى به من طرف الدولة الجزائرية من خلال وزارة الثقافة التي تشجّع المقاولين المشتغلين في قطاع الثقافة، وتذليل الصعوبات أمام المبادرات والمقترحات التي تصل إليها، ومن آليات دعم المقاولاتية الثقافية ببلادنا تلك الهيئات التي أسستها الجزائر لمرافقة هذه المشاريع وإتاحة الفرص لأصحابها لتحقيقها مثل: الوكالة الوطنية لإدارة المشاريع الثقافية الكبرى، والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، والصندوق الوطني لترقية نشاطات الصناعة التقليدية والصندوق الوطني للتراث... وغيرها من الهيئات التي وفّرت فرصا حقيقية للمقاولين الثقافيين لتحقيق مشاريعهم الثقافية.
وختمت محدثتنا بالقول إن المقاولاتية الثقافية أنتجت مقاولين من نوع جديد ومنحت المقاولاتية بُعدا آخر لم تعرفه من قبل، فهؤلاء المقاولون يتأرجحون بين المثقفين الواعين بهذا المجال الخاص، ومبدعين يريدون تأطير أنفسهم وجعل هواياتهم ومواهبهم مصدر دخل لهم، وبالتالي سيكون اشتغالهم في هذا المجال الثقافي حثيثاً، ولن تثبط عزائمهم المطبات الأولى التي تتمثل أساساً في عزوف المستثمرين عن هذا النوع من المقاولات، مما يسبّب تأخر عقد صفقات وشراكات فيتعثر تحقيق الربح المادي، خاصة وأن الجزائر لم تتأخر في الانخراط بهذا النوع من المقاولاتية واستطاعت أن تغرسه في طلابها الذين يمثلون إطارات مستقبلية في هذا المجال، إذ يطلع الطالب على هذا المجال في إطار تكوينه ويحقق رغباته الأولى في شكل مؤسسة ناشئة بدار المقاولاتية، ليتخذ منه مصدر دخل فردي له بعد تخرجه من خلال تحقيق مشروعه الاقتصادي أو الثقافي.