ناقش الباحث بكلية اللغة العربية وآدابها - جامعة الجزائر 2 - محمد مزليني أطروحة الدكتوراه الموسومة بـ»حجاجية السخرية في شعر أحمد مطر - دراسة تداولية»، بحضور عدد بارز من الدكاترة والباحثين والمهتمين بالأدب والثقافة..
جرت المناقشة تحت إشراف الدكتورة نعيمة زواخ - أستاذة بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، وتكونت لجنة المناقشة من الدكتورة نسيبة العرفي- رئيسا (جامعة الجزائر 2)، وكل من الأعضاء الدكتورة انشراح سعدي (جامعة الجزائر 2)، الدكتورة ليلى قاسحي (جامعة الجزائر 2) والدكتورة نصيرة غماري (المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة)، إلى جانب الدكتورة سليمة مدلفاف (جامعة البليدة).
حصل الباحث محمد مزليني بعد المناقشة التي استمرت زهاء أربع ساعات على درجة الدكتوراه الطور الثالث تخصص أدب حديث ومعاصر بتقدير مشرف جدا مع تهنئة اللجنة.
وقد أكد الباحث، أنه اختار المدونة لما تعجّ به من سخرية هادفة، ومن ثمّ ارتأى أن يتخذ لافتاته موضوعا حجاجيا وفق مقاربة تداولية، نظرا لتشبعها بالأسلوب الساخر المصوغ في طابع حجاجي يسعى الشاعر من خلاله إلى اكتساب دعم المتلقي وإقناعه بصحة دعواه أو بسداد حكمه الذي أطلقه على المسخور منه، متوسّلا لتحقيق ذلك آليات حجاجية تستند أساسا إلى فنّ السخرية بلغة شعرية تزاوج بين الجد والهزل، والواقع والخيال، والمرارة والأسى، والطموح والأمل.. لغة تسترعي كثافتها الدلالية انتباه القارئ وتدعوه إلى الاطّلاع على بعض المجالات المعرفية لفك شفرتها، بغض النظر عمّا تحمله في طياتها من وعي جمعيّ.
وأشار الباحث إلى أنه حاول الإجابة في متن الأطروحة عن مجموعة من الأسئلة منها: كيف وظّف أحمد مطر الحجاج الساخر في أشعاره السياسية؟ وما مدى تأثيرها على المتلقي؟ وقد تفرّعت عنها جملة من الإشكاليات وهي كالآتي: ممن سخر؟ لماذا سخر، متى سخر؟
ولفت صاحب الأطروحة، إلى أن طبيعة البحث قد اقتضت الوقوف عند جميع أركان العملية التواصلية من مرسل ومتلقٍ ورسالة التوسّل بأدوات النظرية التداولية، تقديرا منه بأنّها الأدوات المناسبة التي تتيح له التحكم في سير مراحل البحث، مستعينا بالمنهج الوصفي التحليلي في مختلف مراحل البحث، قصد الكشف عن مضمرات الخطاب الساخر في شعر أحمد مطر، ومحاولة تأويل المقاصد البعيدة والقريبة ومدى تأثيرها في المتلقي.
وذكر مزليني أن بحثه يقوم على فصل نظري بمبحثين وثلاثة فصول تطبيقية يضمّ كلّ فصل بدوره مبحثين، حيث تطرق في المبحث الأول من الفصل النظريّ إلى مفاهيم عامّة حول السخرية، اتبعها بتحديدات اصطلاحية ذيّلتها ببعض القضايا وجعلت المبحث الثاني للحديث عن تاريخ السخرية في الأدب العربي، وعنوانه «السخرية في الأدب العربي بين القديم والحديث» عالجت فيه موضوع السخرية عند شعراء النقائض، لاسيما عند جرير والفرزدق، ثم اختار عبد الله البردّوني ومظفر النّواب نموذجين للأدب الساخر الحديث.
ليأتي بعد ذلك الفصل التطبيقي الأول الموسوم: «حجاجية المفارقة في نصوص أحمد مطر»، حاول فيه مقاربة المفارقات الأسلوبية والدلالية التي انطوى عليها الخطاب الشعريّ المدروس مقاربة حجاجية، فيما تمّ إنجاز الفصل التطبيقيّ الثاني بالتركيز على: الآليات اللغوية للخطاب الحجاجيّ الساخر لدى أحمد مطر، أمّا الفصل التطبيقي الثالث فقد اشتغل فيه محمد مزليني على تحليل الآليات البلاغية للخطاب الحجاجي الساخر لدى أحمد مطر، ذيل كل فصل من الفصول الثلاثة بخاتمة تحوصل أهم القضايا المتطرق إليها.
وخلص في الأخير إلى مجموعة من النتائج أهمها: اتسام قصائد أحمدَ مطر ببساطة الألفاظ والتراكيب، بساطة كانت سمة بارزة كست روح الشاعر وعاشت معه حتى وهو في رحاب المملكة البريطانية، التي لم يتخل في أثناء إقامته الجبرية فيها عن مبادئه وخصاله واعتزازه بوطنيته وصدق مشاعره تجاه العراق والأمّة العربية، فراح يدافع عن المقومات والحريات ويندد بالساسة والسياسات، التي ما فتئت تعصف بحضارة الشرق ونضال الأجداد.
كما أن أحمد مطر أحسن في توظيف آلية المفارقة التي أضافت إلى أسلوبه الساخر نوعا من الحدّة في عرضِ وجهة نظره، بداية من العناوين التي تميّزت بمفارقة التضاد ومفارقة قلب الحقائق، مرورا بالمتن الذي تجلت فيه مفارقة الشخصيات بطبائعها وازدواجية تصرفاتها وانفصام شخصياتها، وبكشف حقائقَ مريرة عنها أظهرت الاختلالات الحاصلةَ في المجتمع، ووضعت اللثام عن تجاوزات خطيرة وأحداث مرعبة عصفت بكثير من البلدان العربية، دون أن ننسى ما أحدثته هذه المفارقات في النهايات من صدمات خرقت أفق انتظار المتلقي..
وحمل أسلوب التكرار في هذه اللافتات على الصعيدين الإفرادي والتركيبي شحناتٍ حجاجية قوّية، ساعدت على ترسيخ المعنى في ذهن الطرف الآخر قصد استمالته. واستحدث الشاعر تقنية جديدة في لافتاته تمثلت في التداخل اللغوي من خلال المزج بين لغتين أو أكثر في القصيدة الواحدة، استطاع من خلالها تبيين حجم الاستلاب الثقافي الذي يعاني منه المجتمع العربي، وذلك بمحاولة إيجاد مكامنَ الضعف والسعي إلى معالجتها، وقد أحدث إدخال الشاعر لهذه التقنية طفرة نوعية تجاوز بها القوالب الكلاسيكية الجاهزة والبعيدة عن الواقع المعيش في بعض الأحيان.
كما أن الشاعر استعان بالصور البيانية (استعارة، تشبيه، كناية...) والمحسنات البديعية (جناس، طباق، مقابلة...) باعتبارها وسائلَ حجاجية، إضافة إلى كونها عناصرَ جمالية، إذ عمل على التأليف بين الوظيفتين (الحجاجية والجمالية)، ليُكسب خطابه القوة والجمال اللذين من شأنهما زيادة مساحة القَبول، حتى يكون أسرع إلى النفاذ، وأنجع في المحاجة.