استمتع الجهور المتعطش للفن الرابع بتيزي وزو بالعرض الشرفي للإنتاج الجديد لمسرحية «روزة حنيني» في نسختها العربية، من اقتباس وإخراج خودي احمد، إنتاج المسرح الجهوي كاتب ياسين تيزي وزو 2022، والتي كانت تكريما لفقيد الفن الجزائري الراحل أحمد بن عيسى.
مسرحية «روزة حنيني» المقتبسة من كتاب «مفتش يطلبكم» للكاتب الانجليزي «ج، ب بريستلي» المعروف بنضاله ودفاعه على حقوق المضطهدين، الذين يتعرضون لمختلف أنواع الاستبداد والظلم، من طرف العائلات الثرية التي تطغى على حياتها المصالح وحب المال، لتكون هذه المسرحية بنسختها العربية بمثابة تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها المستضعفون في مختلف المجتمعات.
مسرحية «روزة حنيني» بدأت برفع الستار عن ركح مسرح كاتب ياسين، أين اجتمعت عائلة بولعقاب رجل الأعمال الثري على مأدبة عشاء ترحيبا بخطيب بشرى في جو من السعادة والاحتفال، ليدخل عليهم مفتش شرطة غامض فتنقلب أحوالهم، حيث يخبرهم المفتش أنه جاء ليحقق في قضية انتحار فتاة لفظت أنفاسها الاخيرة في المستشفى.
تحقيق المفتش شمل كل أفراد العائلة، حيث كانت الفتاة تعمل بمصنع العائلة ليتم طردها من المكان بعد مطالبتها بحقوقها وحقوق العاملات، لتجد نفسها في الشارع دون أي إعانة، وتبدأ في رحلة البحث عن عمل آخر، والذي طردت منه أيضا بسبب ابنة العائلة التي طالبت صاحب المحل بطردها، لتجد نفسها في الشارع مجددا..ويتوالى أذى العائلة لها ما دفع بها إلى تغيير اسمها إلى «روزة حنيني» هربا من ظلم وبطش تلك العائلة، إلا أنها وقعت فريسة لأهواء ابن العائلة، وبعد أن حملت منه استنجدت بوالدته التي طردتها ورفضت أن تقدم لها يد المساعدة، لتجد كل الابواب مغلقة في وجهها، وتقرّر وضع حد لحياتها وتنتحر هربا من الظلم الذي تعرضت له.
المسرحية تفاعل معها الجمهور الحاضر بالقاعة، خاصة طريقة تمثيل مفتش الشرطة التي اجتمعت فيه الجدية والهزل، حيث كانت شخصيته غامضة وقد وجّه أصابع الاتهام لكل افراد العائلة، الذين اعترفوا بظلمهم للفتاة ودفعها للانتحار، ليغادر بعدها دون أن يعثروا له على أثر، ليبقى لغز محير دفعهم للاعتراف وتغيير طريقة تفكيرهم، قبل أن يرن جرس الباب ليدخل رجال الشرطة الحقيقيين للتحقيق في تلك الجريمة ومعاقبة الفاعلين، ويسدل بعدها ستار الركح تاركين النهاية للجمهور، من خلال الاجابة عن هوية المفتش الغامض، وشخصية «روزة حنيني» التي لم تظهر على ركح المسرح.
أحمد خودي: «روزة حنيني» أوّل عمل مسرحي أكتبه
صرّح مخرج مسرحية «روزة حنيني» على هامش إسدال الستار على العرض الشرفي، أن هذا العمل يعتبر الأول له في ما يتعلق بالاقتباس والكتابة، بعدما اقتصرت أعماله على الاخراج المسرحي فقط، وفكرة هذا العمل ـ حسبه ـ تعود إلى سنوات عندما اكتشف موضوعها، وقد تمنّى دائما تحويلها إلى عمل مسرحي يجسّد على خشبة المسرح الجهوي كاتب ياسين بتيزي وزو، وقد جاءته فرصة تحقيق هذا المشروع.
المخرج أحمد خودي أشار إلى أن تحويل أحداث المسرحية في إطار سياق المجتمع الجزائري تحت عنوان «روزة حنيني» أملته عليه نوعية البناء، أكثر من المشاكل التي تحاكيها تحت ستار مسرحية بوليسية، قائلا إنّ «روزة حنيني» ليست الوحيدة، ولكن كانت بمثابة هجاء وتهكم اجتماعي انتقد أعراف الاثرياء ومعاملتهم المستبدة مع الفقراء.
بوعسيلة سامية: المسرحية لا تمثّل مجتمعا معيّنا
أشارت الممثلة بوعسيلة سامية التي لعبت دور بشرى، إلى أن المسرحية اجتماعية تتحدث عن المجتمعات بصفة عامة، وليس مجتمع معين وطريقة عيش العائلات الثرية وتصرفاتهم ونظرتهم للمجتمع، مشيرة إلى أنّ روزة ضحية مجتمع، وقد وقعت بين ايدي أفراد العائلة الذين ظلموها كل بطريقته، أما مفتش الشرطة الغامض فهو الضمير الذي يسكن في كل واحد منا.
بشرى أكّدت أنّ شخصية «روزة حنيني» غيرت الكثير في شخصيتها، حيث أحسّت وهي وراء الستار أنها قد ظلمتها لتعيد التفكير في طريقة عيشها وتفكيرها.
يزيد صحراوي: شخصية المفتّش ليست موجودة في النص
عاد يزيد صحراوي الذي تقمص دور المحقق إلى شخصيته في المسرحية، حيث صرح أنها غامضة وتصرفاته غير مفهومة خاصة أثناء تحقيقه في مقتل الفتاة، مشيرا إلى أن المسرحية ليست «روزة حنيني» في حد ذاتها وإنما قضية مجتمع بأكمله.
في النص لا وجود للمفتش الذي يمكن أن يكون الضمير شخصية غامضة بتصرفاته، وهوية تبقى علامة استفهام لم تحدد هويته، حيث غادر المكان بعد انتهاء مهمته واختفي عن الانظار، لتبقى النهاية مفتوحة وترك التقدير للجمهور.
بن عطية ليلى: أحببت «روزة حنيني» دون أن أراها
عادت الممثلة بن عطية ليلى التي لعبت دور الأم، إلى أحداث مسرحية «روزة حنيني» التي صرحت بشأنها أنها أحبتها دون أن تراها كونها شخصية وهمية، إلا أنها كانت حاضرة في قلبها أولا وعلى الركح ثانيا، ثم في مخيلتها وستأخذها معها إلى المنزل، فهي تمثل الضمير والانا الأعلى، هي المجتمع، الجريمة والعقاب، مشيرة إلى أنها تركت الحكم للجمهور ليقرر هل هي الفاعل أو المفعول به.
دور حليمة هي أمّ تحاول الدفاع عن عائلتها بطلب من زوجها الذي أخبرها بوجود مفتش شرطة، وعليها الخروج من أجل ايجاد حل للمشكلة، ويجب أن تتحلى بالقوة ولكنها في الأخير أحسّت بالضعف لأنها كانت مخطئة في طريقة تفكيرها.
الممثلة صرّحت أنّ دور حليمة لا يشبهها اطلاقا في حياتها اليومية، قائلة «ولكن أحيانا أحبها، وأحيانا أكرهها وأحيانا أخرى أعطيها الأعذار، وفي الأخير استمتعت بها على الركح».
الجمهور الحاضر استمتع كثيرا بالعرض الشرفي للمسرحية، وقد تفاعل طويلا مع أحداثها، فقد نجح العمل المسرحي من كل النواحي تمثيلا، اخراجا، سينوغرافيا والديكور وحتى الموسيقى التي خدمت هذا العمل الفني، الذي سيقدم خلال أيام في نسخته باللغة الامازيغية مع ذات الممثلين مع تبادل بعض الأدوار، حيث سيكون الجمهور مع فرصة ثانية لمشاهدة هذا العمل المسرحي الذي لقي نجاحا كبيرا.