«جيل الخلد من الجزائر العاصمة»

ليديا هداق تحكي عن تطوّر الحياة الثّقافية

أمينة جابالله

ارتأت الكاتبة الشابة ليديا هداق أن تتطرق في أول إصدار لها «جيل الخلد من الجزائر العاصمة» إلى الحياة الثقافية لأبرز الشخصيات التي ارتبطت أسماؤها بمنطقة الجزائر العاصمة، على غرار الفنانين التشكيليين والمسرحيين والأدباء والشعراء، إلى جانب أبرز السباحين والنشطاء السياسيين، الذين عانقت أسماؤهم أهم الأعمال الإبداعية في صفحات التاريخ الثقافي والرياضي والسياسي الجزائري، كما أشارت في الكتاب عبر مادة دسمة إلى أهم الأماكن والصروح الفنية التي ما زالت تحتفظ بين جدرانها أجمل صور لإنتاج إبداعي، بات اليوم يُدَرَّس كمناهج تعليمية لطلاب مدارس الفنون الجميلة أو في خشبات المسارح وغيرها من الملحقات الثقافية.

 كتاب «جيل الخلد من الجزائر العاصمة»، والذي جاء في طابع تاريخي ثقافي هو من إصدارات دار القصبة للنشر في 220 صفحة باللغة الفرنسية، تناولت فيه صاحبته أسماء الفنانين والمبدعين والنشطاء السياسيين الجزائريين، الذين قدموا أروع اللوحات والأعمال وكتبوا أفضل المقالات، وتحدوا الظروف بأقوى القرارات التي عرفتها البشرية، وأسماء لمختلف الأماكن التي شهدت مخاض الإبداع الوطني، وأهمها ما تمّ تشييده في الحياة الثقافية للجزائر العاصمة.
وفي ذات الصدد، اختارت الكاتبة أن يتصدر غلاف الكتاب المنطقة البحرية مع الاميرالية ورصيف خير الدين، أما المضمون وثقته العديد من الصور، والتي تمثل مجموعة من الرسامين والكتاب وأعظم السباحين والنشطاء السياسيين، على سبيل المثال صور لسوفور غاليبي جان سيناك ، حمود الإبراهيمي، محمد إسياخم، كوروري ميستي، محمد ديب، مصطفى كاتب، والذين شكّلوا معًا جيل الخلد من الجزائر العاصمة، بين ثورة فنية ونضالية، كما سلطت في الكتاب الذي سلط بشكل ثري الضوء على مجموعة غير معروفة لدى الكثير من الشعوب في العالم، التي استطاعت بصماتهم أن تشكل ملامح عوالم الفن الجزائري في القرن العشرين.

الإصدار نهج عابر للحدود
 صرّحت الكاتبة ليديا هداق لـ «الشعب»، بأنّها بحكم دراستها خارج الديار، إلاّ أنّها متشبّعة بالتراث الجزائري الضارب في أصالتها، كما أنّها من خلال ما تناولته في باكورة أعمالها «جيل الخلد من الجزائر العاصمة» أن تقدم أجمل تعريف للجزائر الزاخرة بأعظم موروث شعبي، والذي كان صامدا في وجه الاستعمار الفرنسي، وسيظل أقوى من أي استغلال، وعليه فإن «جيل  الخلد من الجزائر العاصمة»، الذي مرّ من معادلات تاريخية مختلفة من بداية الحرب العالمية الثانية إلى فترة فيشي، ومن التحرير إلى الجزائر المتمردة، يجعل من الممكن تجميع القضايا السياسية والاجتماعية التي تتخطى هذا في ظل الشعر أو مجال التصوير في الجزائر الاستعمارية.
الكتاب هو بمثابة ذلك النهج العابر للحدود الكفيل بمراقبة تناقضات الفترة الاستعمارية عن كثب من حيث الاستقطاب والتعاون والاستقلالية للفنانين، ومن خلال محاولة بعض المقارنات في الجزائر العاصمة وغيرها، والذين سمحت لهم فترة ما بعد الحرب حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بتطوير مشاريع جماعية مثل المراجعات الثقافية.
وفي ذات السياق، أضافت المتحدّثة، بأنّ السبب الذي جعلها تركز على الجانب الفني وتغوص فيه بعمق، هو حبها الشديد للإبداع وامتنانها لعمالقة الفن الجزائري، الذين ناضلوا بفكرهم رغم لغة السلاح والنار التي كانت اللغة الوحيدة التي يفقهها المستعمر الفرنسي، أو كما قالت: «ترتبط فكرة الفن الجزائري الحديث ارتباطًا وثيقًا بتاريخ البلاد الاستعماري، شهد الفتح الإقليمي لعام 1830 نهاية وصاية الجزائر ورافقه غزو استورد الممارسات الفنية التي تعتبر خارجة عن المنطقة المغاربية، هذه هي حالة الرسم على الحامل، الذي قاده المستشرقون الأجانب ثم روّجت له سياسات الاستيعاب الثقافي في ظل الجمهورية الثالثة».

عودة إلى تاريخ الجزائر
  كما أشارت ليديا هداق بأنّه من خلال الكتاب يمكن للقارئ أن يعود إلى التاريخ في الجزائر، بالضبط لهيكل الإدارة العقلية الفرنسية في عام 1848، التي كانت رمزًا لسياسة إمبريالية فرنسية ستتخذ أشكالًا أخرى في تونس والمغرب، كما سيتوغّل في القراءة إلى المراكز الحضرية الكبيرة التي نتجت بسبب الضرورة الديموغرافية، هي أول ما تم تشكيله من خلال التدخلات الاستعمارية التي تحولت تدريجياً ثقافة بصرية لمدينة ساحلية مثل الجزائر العاصمة، كما سيقف القارئ ـ تقول ـ أيضا على اللحظات التي تم فيها تدمير القصبة السفلى، والتي كانت تضم مراكز صنع القرار التابعة للإدارة التركية والتي نزلت منازلها إلى البحر، حيث جرت عملية مصادرة واستملاك البنى التحتية منذ السنوات الأولى للاحتلال الفرنسي في عام 1832 كتحويل مسجد كتشاوة إلى أول مكان للعبادة المسيحية، وأصبح كاتدرائية سانت فيليب في عام 1907، إلى جانب تجديد قصر ديلي القديم ليشكّل فيلا عبد اللطيف، وهو سكن فني يعادل فيلا ميديشي في روما، ويهدف إلى استيعاب الرسامين الشباب في العاصمة، وهكذا، بينما تم إنشاء مستوطنة مع الوصول المنتظم للمهاجرين الأوروبيين، وظهر الرسم الأكاديمي والأدب الإقليمي بين هؤلاء السكان الجدد، ومن ثم بروز المرافق الثقافية الناشئة خصيصا لهم، لكن الرسم يظل ممارسة اجتماعية نخبوية تنجذب حول الخيال والواقع، وتقتصر على أوامر مستمدّة من عمق الأحاسيس.
ليديا هداق من مواليد عام 1995 في الجزائر العاصمة، وهي باحثة في تاريخ الفن، تخرجت من كلية
Science Po Paris وFEHESS، حصلت على منحة الدكتوراه من مؤسسة Martine Aublet لإنهاء أطروحتها المكرسة لعالم الفن المغاربي في القرن العشرين. انضمت هذا العام إلى مختبر
InVisu (CNRS-INHA)  
 ومدرسة الدكتوراه في جامعة بانثيون سوربون، وهي مهتمة بشكل خاص بالسياسات الثقافية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والروابط بين الفنون البصرية والشعر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024