سيّدة من سيّدات الشّاشة وظاهرة فنية مميّزة بتواضعها
انطفأت، أول أمس، شمعة أخرى من شموع الفن الجزائري، وأيقونة من أيقونات الدراما الجزائرية، والتي أبدعت في إقناع جمهورها داخل الوطن وخارجه في كل شخصية أدتها، صاحبة الحضور القوي والمتميز للمرأة الجزائرية المكافحة، الفنانة والممثلة السنيمائية والمسرحية شافية بوذراع الملقّبة بـ «أمّ الجزائريّين».
عند الحديث عن المشوار الفني للسيدة شافية بوذراع التي ولدت في مدينة قسنطينة يوم 22 أفريل 1930، وتوفيت يوم 22 ماي 2022 بالجزائر العاصمة، فإن ذلك يقودنا إلى سرد سيرة بلد بأكمله، فهي الفنانة التي عايشت جميع رؤساء الجزائر، وعاصرت فترة الاحتلال الفرنسي، وكتب لها القدر أن تكون شاهدة على ما اقترفه المستعمر ضد الشعب الجزائري، وبالتالي استطاعت أن تجسد ببراعة صورة تلك المعاناة في بعض أعمالها السينمائية والمسرحية.
يجمع عدد من الفنانين الجزائريين على شجاعة الفنانة شافية بوذراع المعروفة بتفانيها والتزامها في عملها طيلة مشوارها الفني، الذي غادرته إلى دار القرار أول أمس عن عمر يناهز 92 عاما بعد صراعها مع المرض، حيث كان أول عمل للمجاهدة «عضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني» والقائمة على خدمة الأيتام، من خلال شخصية «حورية» للمخرج مهداوي في الستينيات أيضا، أما انطلاقتها على المسرح فكانت على يد المخرج مصطفى كاتب في عدة أدوار من بينها مسرحية «دائرة الطباشير القوقازي» و»المرأة المتمردة»، إلى جانب شهادات أخرى أبى البعض منهم إلا أن يشاطروا جمهورهم هذا المصاب الجلل من خلال منبر «الشعب» بكلمات عرفان وامتنان في حق الفنانة الراحلة.
بهية راشدي:
شافية أيقونة شرّفت الجزائر
قالت الفنانة القديرة بهية راشدي «ضاعت منّا قامة فنية باسقة، ورائدة من روّاد السينما الجزائرية، التي كانت تُعرف نفسها دائما بأنّها جزائرية ثم تردفها بكلمة «فنانة»، الراحلة شافية بوذراع التي تشرفت بالعمل معها في مسلسل الامتحان الصعب، ستترك لنا فراغا رهيبا على الساحة الفنية، فهي أيقونة حقا شرّفتنا داخل الجزائر وخارجها، كانت إنسانة قوية وفي نفس الوقت ذات حنان طاغي لا يعكس أبدا القوة التي يراها بها الجمهور، هي فنانة قدّمت الكثير في وقت كان الجمهور محروما من العطاء الفني، هي سيدة من سيدات الشاشة وظاهرة فنية مميّزة بتواضعها، استطاعت أن تبدع وتمتع عشاقها بتلقائيتها وبحضورها، وبوطنيتها الأكثر من قوية بكل ما هو جديد، هي من طينة العظماء الذين يتركون أثرهم الطيب وعطرهم الفواح وإن قل أينما حلوا، فالراحلة حتى وإن شاركت بدور صغير في أي فيلم، إلا أن بصمتها ستطغى على سائر العمل وستبقى في الذاكرة للأبد، كانت تؤمن بشدة بالطاقات الإبداعية الجديدة، فالكل يشهد لها بأنها نادت تكرارا ومرارا، وفي كل مناسبة وبحماس بفسح المجال للشباب، لكي يبرز موهبته في التمثيل الذي كانت تعتبره واجبا فنيا، ورغم تقدمها في السن إلا أنها لم تستسلم للمرض والتعب، حيث كانت تُلجمه في كل مرة بتحديها ونصائحها التي كانت تدوي بها في قاعات العرض والتدريبات، كانت مستعدة لمرافقة الشباب ودعمهم وإعطائهم كل ما في جعبتها من خبرة وحنكة، وتسليمهم بكل إخلاص ووفاء مشعل المسير في الأعمال الدرامية، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما، لقد عاشت رحمها الله قوية وماتت قوية، وها هي تترك تاريخا عطاءه مغلف بحب الوطن للأجيال».
جمال بوناب..
أبدعت في تجسيد دور الأم فأحبّها الجمهور
أعرب الفنان جمال بوناب عن تأثره العميق بوفاة الراحلة، قائلا: «والله إن المصاب جلل ويعجز اللسان عن التعبير، فعلى غرار الآونة الأخيرة التي فقدنا فيها قامات من الفن الجزائري، يعد رحيل سيدة الشاشة شافية بوذراع المعروفة محليا وعالميا محزنا وبشدة، فهي التي شرفتنا بتمثيل الفن الجزائري على المنابر العالمية وبالتعريف بالمرأة الجزائرية ذلك الكيان الذي لا يُقهر، فشهادتنا مجروحة في شافية بوذراع الفنانة العظيمة القديرة، فهي امرأة متكاملة بمعنى الكلمة..كانت تستقبلنا في بيتها ونتجاذب معها الحديث في كل المواضيع، لقد تركت رصيدا فنيا كبير جدا، وذلك من خلال تعاملها مع كبار المخرجين، فكل الأفلام التي شاركت فيها وبدون استثناء تمتاز بصبغة عالمية، والذي بدوره أعطى انطباعا جيدا لجمهورها الذي أحبها وكأنه يشاهد والدته لا ممثلة في عمل درامي ما، وذلك من خلال كل أدوارها الرائعة، على غرار شخصية لالة عيني التي أبدعت في آدائها في «دار السبيطار» المقتبس عن رواية محمد ديب وأخرجه مصطفى بديع.
فما عسانا أن نقول في قضاء الله إلا إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى أعتاب الفنانة الراحلة أتمنى الشفاء لكل الفنانين والفنانات اللواتي قدّمن حياتهن من أجل خدمة الفن الجزائري، وعلى رأسهن الفنانة فريدة صابونجي التي ما زالت أنفاسها بيننا وتنتظر التفاتة في حقها».
مراد خان:
من أقوى الفنّانات على السّاحة العربية والعالمية
بدوره صرّح الفنان مراد خان: «تعتبر الفنانة شافية بوذراع رحمة الله عليها الرائدة في تمثيل الأدوار الفنية اللامعة، والتي لقبها الجمهور بأمّ الجزائريين، واحدة من أقوى الفنانات على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، وهذا بعد تألقها واشتهارها بأدائها أدوارا جدية، على غرار فيلم «الخارجون عن القانون» الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة، حيث شارك في مهرجان «كان» وكان مرشّحا لنيل جائزة الأوسكار.
في رصيد الفنانة العديد من الأفلام والمسلسلات، ومن بين أشهر أعمالها السينمائية فيلم «كحلة وبيضاء» للمخرج عبد الرحمن بوقمروح عام 1981، «مال وطني» للمخرجة فاطمة بلحاج، «شاي بالنعناع» لعبد الكريم بهلول، وكان آخر أعمال الفنانة الراحلة فيلم «تماماً مثل امرأة»، تأليف وإخراج رشيد بوشارب».
سعاد سبكي:
أمّنا شافية بوذراع أسطورة السينما الجزائرية
وصفت سعاد سبكي الفنانة الراحلة بأسطورة السينما الجزائرية قائلة إنّها «عاصرت أيضا كبار الفنانين والمخرجين الجزائريين الذين صنعت معهم مجد السينما الجزائرية، فهي أسطورة السينما الجزائرية، بحيث من خلال شهادات العارفين بمسارها الفني، أكدوا بأن الفنانة الراحلة شافية بوذراع شقت طريق نجوميتها بصعوبة كبيرة جدا، وكانت الممثلة الوحيدة بين جميع الطاقم التمثيلي، كون بقية الممثلين تم اختيارهم من قبل المخرج من الهواة، فعلى مدار 47 عاماً تقمّصت الراحلة الكثير من الأدوار، حيث تنقلت من خلالها بين السينما والتلفزيون والمسرح، والذي بدأته من المسرح الجهوي لمحافظة قسنطينة، كما قدّمت بإذاعة قسنطينة مسلسلا إذاعياً بعوان «الهزي» في ستينيات القرن الماضي، فرحم الله أمّنا الغالية أمّ كل الجزائريين، وأسكنها فسيح جناته إنّا لله وإنّا إليه راجعون».
آمال حيمر:
وداعا يا هرم الفن في الجزائر
من جهتها أشادت الفنانة أمال حيمر بمسيرة فقيدة الجزائر: «فقدنا عملاقين من عمالقة الفن في الجزائر في وقت واحد أحمد بن عيسى وشافية بوذراع رحمهما الله.. الفاجعة يوم الجمعة كانت أليمة، وازدادت أول أمس الأحد ألما بوفاة السيدة شافية بوذراع، فكل الكلمات لن توفيهما حقهما في هذا المقام..ماذا عساها أحرفنا المتواضعة أن تقوله أمام مسيرتهما الفنية الحافلة بالنجاحات، وهذا بمعية كل أهرام الفن الجزائري الذين جعلوا للفن الجزائري مكانا من الاعراب وسط هذا الزخم الفني الذي تعيشه المعمورة بشتى تطورات العصر الحديث، وبمختلف المهارات وصور الابداع المتجلية في الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية.. فبكل اعتزاز وإيمان بقضاء الله عز وجل أقف لروحمها الطاهرة وقفة احترام وإكبار، وأسأل الله أن يتغمّدهما بواسع مغفرته ورحمته ورضاه».