شهر التّراث ببومرداس والمكاسب المحقّقة

هيمنة المنتجات الاستهلاكية على حساب الموروث الأصيل

بومرداس: ز - كمال

أسدل الستار على فعاليات شهر التراث بولاية بومرداس، الذي أخذ هذه السنة شعار «تراثنا اللاّمادي، هويّة وأصالة» بتنظيم أنشطة ثقافية وفنية من قبل الجمعيات ومنشّطي التظاهرة، حيث خصّص آخر نشاط لتنظيم ندوة تاريخية ومعرض حول «قصبة دلس وواقعها اليوم» وسط كل التحديات التي تواجهها بعد تأخر مشروع تهيئة المعلم المهدد بالزوال التدريجي، مقابل تساؤلات عن النتائج المحققة فعليا لحماية وإنعاش الموروث التاريخي والمجتمعي الذي تحامل عليه الإنسان والزمان..

 شهدت التظاهرة الثقافية لشهر التراث الذي انطلق يوم 18 فيفري الماضي، واستمر لشهر كامل تنظيم جملة من النشاطات والمعارض التي أغلبها لعارضين اعتاد عليهم الجمهور في بهو دار الثقافة وباقي المراكز الأخرى، دون الغوص في عمق المناطق الداخلية التي لا تزال تحتفظ بإبداعات وصناعة تقليدية محلية بحاجة إلى دعم وتثمين في المجال الاقتصادي، وانتشالها من خطر الاندثار لأن بعض المنتجات التي يتفنّن في صناعتها في العادة كبار السن والعجائز لدى بعض العائلات، بدأت تتقلص لغياب الاستمرارية وعزوف الشباب عن حمل المشعل.
إلى جانب التراث المادي الزاخر بولاية بومرداس الذي يفتقد للتأطير وعملية الجمع والدعم المتواصل، يشكل التراث اللامادي الذي اختير هذه السنة كموضوع للنقاش والمتابعة، تحديا آخر أمام المختصين والقائمين على المؤسسات الثقافية والفكرية، وحتى الاكاديمية المطالبة بالتحرك لتقييم واقع هذا الموروث الذي بدأ بريقه ينطفئ، وبالتالي محاولة الجرد وتسجيل الإبداعات الشفهية من حكاية وقصص شعبية، عادات وتقاليد بدأت تتقلص وينحصر حضورها في الممارسات اليومية للمواطن داخل المجتمع.
إنّ العبرة من تظاهرة بضخامة شهر كامل من الأنشطة المبرمجة عن التراث المحلي لولاية بومرداس هي النتائج بحسب المتابعين، وبالتالي التساؤل عما تحقق طيلة هذه المدة وخلال كل سنة يتكرر فيها الموعد بعيدا عن الحصيلة، التي اعتادت تقديمها نهاية السنة مختلف المؤسسات والمراكز الثقافية لتبرير النشاط السنوي بغض النظر عن المكاسب المحققة في الميدان.

التويزة والوزيعة..عادات تهدّدها العصرنة

إذا كان موضوع شهر التراث هو دراسة وحماية الموروث المادي واللامادي بالخصوص، يحق للمتابعين التساؤل عن مدى إدراج بعض العادات التقليدية الضاربة في عمق المجتمع المحلي والجزائري، ضمن قائمة الاهتمامات من حيث الدراسة والمتابعة من قبل المختصين في مجال الأبحاث الاجتماعية، لعل من أبرزها ظاهرة «التويزة» كعادة اجتماعية متوارثة بين الأجيال بالقرى والأرياف، وهو نشاط يتعاون فيه الأفراد لإنجاز عمل ما، وكان يزدهر في بعض الفترات من السنة، خاصة مع انطلاق حملة الحصاد والدرس وجمع مختلف المحاصيل الزراعية من حبوب وأعلاف الحيوانات كالحشائش اليابسة كشكل من أشكال التضامن والتماسك الاجتماعي، وتخفيف معاناة الأشخاص نتيجة قلة إمكانيات العمل وصعوبة النشاط.
كما ساهمت هذه العادة أيضا المصحوبة بالمدائح والقصائد حتى لدى النسوة وهن مجتمعات على رحى طحن وتحضير القمح والحبوب في التعاون أيضا لإنجاز البيوت، فتح وتهيئة الطرقات، منابع المياه وغيرها من الخدمات الأساسية الأخرى، إضافة إلى ظاهرة «الوزيعة» التي لا تزال موجودة في بعض القرى لكنها تقلصت بشكل كبير، وهي عادة اجتماعية تظهر عادة في المناسبات الدينية كالأعياد، حيث تجتمع جهود المواطنين لشراء الأضحية وتتمثل في رؤوس الأغنام أو العجول ليتم ذبحها وتوزيع لحومها على الجميع بما فيهم الفقراء والمساكين الذين يعفون من الاشتراك، وهو دليل على العمق الاجتماعي والإنساني لهذه العادة التي انصهرت وذابت تحت أقدام العصرنة والتمدن.
لكنها وكغيرها من العادات الأخرى، بإمكانها العودة مجددا في حالة وجود اهتمام من قبل الفاعلين والباحثين، وبالأخص جمعيات القرى والجمعيات الدينية التي حاولت في السنوات الأخيرة إعادة تفعيل هذه التظاهرة الاجتماعية تحت داعي التضامن، لكنها فشلت أمام أزمة ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للعائلات التي عزفت عن الاشتراك في المبادرة حسب ما جمعته «الشعب» من تصريحات وردود حول أسباب انحصار عملية الوزيعة، وعدة عادات وأنماط حياة ساهمت في تماسك المجتمع واستمراره حتى في أحلك الظروف الاستعمارية، لكنها قوبلت اليوم بالنكران والتهميش والاكتفاء بسطحيات ما يقدم من جمعيات همها الوحيد هو تحقيق الربح السريع لمنتوج استهلاكي مدمج في إطار ثقافة عالمية لا يعبر بفعل عن العمق الحضاري والتاريخي للمجتمع الجزائري وأصالته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024