سلط المشاركون في الندوة العلمية، «تقنيات حفظ ومعالجة المخطوطات»، التي نظمتها المكتبة الوطنية الجزائرية بقاعة محمد الأخضر السائحي، الضوء على ضرورة الحفاظ على المخطوط من الضياع، إلى جانب استعراض تقنيات وطرق بادرت بها مكتبة الحامة في مسألة الحفظ، وذلك وفق تجربة رائدة في مجال الصيانة والترميم التي يعكف عليها إطارات مصالح الوثائق والمؤلفات النادرة، الرامية إلى حفظ المخطوطات وفهرستها وتثمينها إلى جانب إرساء قوانين تعنى بحمايتها كتراث وطني لا يقبل المساس به.
أدى الاهتمام بالمخطوطات الذي يعد واجب وطني وحضاري، كونه يحمل تراث وثقافة الأمة، بجموع الباحثين والمهتمين بالمصادر ومضامين الوثائق والمخطوطات إلى اتخاذ إجراءات فعالة في إعادة إحياءه من جديد، وفق طرق ومراحل من شأنها أن تهتم بالشكل الأصلي للوثائق وفي نفس الوقت أن تستند عليه وتستشهد بنصوصه في العديد من المسائل التاريخية والدينية والاجتماعية والثقافية.
وفي ذات الصدد أولى مدير المكتبة الوطنية الجزائرية منير بهادي، عناية تامة بمسألة الحفاظ على المخطوط الذي يتضمن العشرات من المقالات المنسوخة والمكتوبة، موضحا في نفس الوقت تجربة الباحثين والدكاترة العاملين بالمكتبة في مصلحة حفظ المخطوطات الجبارة، ومساهمتهم في حفظ ذاكرة الأمة، وذلك عن طريق استعمالهم تقنيات ووسائل حديثة كفيلة بجعل المادة المدروسة «المخطوطات» في مأمن من التلف والضياع.
حفظ التراث الوطني المخطوط .. مساعي آفاق
عرفت الندوة 07 مداخلات قدمها المشاركون عن طريق جهاز عرض البيانات على الحائط، حيث فصلوا بدقة حيثيات العمل الميداني الذي تعكف عليه المكتبة الوطنية الجزائرية في مجال حماية حفظ المخطوطات، واستنادا إلى ذلك أشار الدكتور قريق أحسن أحمد في مداخلته الموسومة بـ»ماذا نخسر بضياع الوثيقة»، إلى مخاطر تلفها وضياعها الذي يتنج عنه إعدام الحقيقة التي تصنع الواقع، وانقطاع التواصل بين الأجيال، مؤكدا أن ضياع المخطوط يؤدي إلى التأخر في البناء الحضاري، ناهيك عن العرقلة التي ستعرفها كل محاولة تأسيس جديدة لما يتضمنه البحث عن محتوى المادة في حد ذاتها.
في نفس السياق، وقف الدكتور عبد الرحمان بن يطو في مداخلته «المخطوطات بين ضرورة الحفظ ومخاطر الضياع والتلف» على أهمية المادة باعتبارها حفظ لذاكرة الأمة وبيان تاريخ تقدم الأمم، ومن خلالها يتم التطرق إلى معرفة رصيد عدة أنواع من الفنون والعلوم، إلى جانب إيراد السرد الحقيقي والواقعي لكثير من الأحداث.
تجربة مكتبة القاسمية بزاوية الهامل
في تجربة للحفاظ على الموروث المادي من المخطوط استعرض الأستاذ عبد المنعم القاسمي في مداخلته «جهود المكتبة القاسمية في الحفاظ على المخطوطات.. نشرا وفهرسة وتحقيقا» بلغة الأرقام والعناوين التي تربض بذات المكتبة بنحو 800 عنوان من بينها 300 تعنى بمسائل الفقه، كما صرّح بأن مجموع المخطوطات التي تعنى بالمحافظة على المرجعية الدينية وحده يقدر بحوالي 30 في المائة، تتضمن مراسلات ووثائق وإجازات، والتي حظيت بالوقوف عليها وتصفحها عدة شخصيات وطنية وعالمية، وذلك أثناء زيارتهم إلى مكتبة القاسمية بزاوية الهامل بورقلة.
أما عن حماية وحفظ المخطوطات بالمكتبة الوطنية الجزائرية، أكدت الاستاذة حلاوة عديلة بأن جهود المكتبة تبرز من خلال دخولها معترك التطور العلمي، من أجل المساهمة في إبقاء الموروث من المخطوطات محتفظا بقيمته العلمية، مشيرة في نفس الوقت إلى طرق المحافظة التي لخصتها في الصيانة، العلاج والترميم التي تتكفل بها مصلحة الترميم، وذلك وفق اجراءات وتقنيات جد دقيقة، والتي تستلزم تجنيد فرق مهيكلة تتناوب على مراحل الحفظ، لاسيما مرحلة الوقاية التي تعتبر أساس العمل من بدايته.
ومن جهتها، تطرقت الأستاذة فطومة بن يحيى في مداخلتها «تجربة مصلحة المخطوطات والمؤلفات النادرة في حفظ المخطوطات وتثمينها بالمكتبة الوطنية الجزائرية»إلى نتائج مساعي ذات المصلحة في مرحلة الوقاية والمعالجة، مضيفة إلى سعي المصلحة في تحويل المخطوطات من الورقي إلى الرقمي، ومن الميكرو فيلم إلى الرقمي، وذلك من خلال مراقبة يومية لبيئة المخطوط، إضافة إلى ما تستوجبه مرحلة الصيانة من إزالة الغبار والتنظيف والتجهيز، وحسب ما صرحت به في وثائق العرض بأن مجموع المخطوطات المجلدة حاليا يقدر بـ1400علبة، بينما المخطوطات غير المجلدة هي في حدود 1000حافظة ورقية.
فهرسة المخطوطات
في سياق متصل، نوه الأستاذ عبد الرحمان دويب في مداخلته» تاريخ فهرسة المخطوطات في المكتبة الوطنية الجزائرية ..أهميتها وضرورتها»‘ إلى رعاية المكتبة الوطنية لعنصر فهرسة الوثائق والمخطوطات، معتبرا البطاقة الفهرسية المعتمدة هي مبادرة المكتبة لتوحيد حقول الفهرسة عام 2010، حيث من خلالها تم إبرام اتفاقية لفهرسة 2500 مخطوط، مضيفا بأن عنصر التكشيف والذي يقصد به المصطلحات الخاصة بالمخطوط والمتعارف عليها عند الباحثين، يعتبر مكنز رؤوس الموضوعات للمخطوطات العربية، وذلك وفق رؤية الاستاذ الباحث محمد فتحي عبد الهادي صاحب مؤلفات تعنى بالإنتاج الفكري في علم الفهرسة.
ووقف الأستاذ عبد الرحمان حمادو في مداخلته على جهود وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في حفظ المخطوطات، التي نالت حظا واسعا في مجال الفقه، من بينها ما تم استرجاعه من فهرسة ورقمنة مخطوطات تومبكتو وبرد الموشى للشيخ سيدي المختار الكنتي، إضافة إلى مخطوطات حول تاريخ المغيلي، التي مازالت مساعي استدراكها في الغرب الافريقي كنيجيريا وموريطانيا حثيثة.
للإشارة، اقترح المشاركون على مدير المكتبة الوطنية جملة من الخطط العلمية تمحورت حول طرق حفظ والعناية بالمخطوط، من بينها إنشاء مجلة تعنى بالمخطوطات والوثائق، ندوات شهرية يتم فيها مناقشة الأفكار والخروج بتوصيات بناءة يمكنها أن تساهم في صون كل مادة نادرة منسوخة أو مسجلة أو مصورة، كما أعلن ممثل وزارة الشؤون الدينية والأوفاق الأستاذ عبد الرحمان حمادو عن الجائزة الدولية لإحياء حفظ التراث الإسلامي المخطوط الجزائري .. دراسة وتحقيق» حيث سيكون يوم 23 جويلية 2023 كآخر أجل لاستلام المشاركات