صدر مؤخرا عن المحافظة السامية للأمازيغية “معجم شاوي - شاوي” من إعداد الباحثة عائشة حضراني، المتخصصة في اللسانيات بجامعة الحاج لخضر بباتنة. يمتد هذا العمل على نحو 900 صفحة ويُعد ثمرة سنوات من البحث والتوثيق، يهدف إلى جمع وتفسير مفردات المتغير الشاوي، كما يُتداول في منطقة الأوراس، مع ما يرافقها من مكونات ثقافية وتراثية مرتبطة بالهوية المحلية.
تعتمد الباحثة في بناء معجمها على رؤية ترى أن اللغة لا يمكن فصلها عن السياق الثقافي الذي تنتجه وتعبّر عنه. لذلك، لا يقتصر المعجم على عرض المفردات وتفسيرها، بل يدمج داخل بنيته مجموعة من التعابير الاصطلاحية، الأمثال الشعبية، الأحاجي والحكايات القصيرة، مما يُثري محتواه ويوفر قاعدة شاملة لفهم اللسان الشاوي في أبعاده التداولية والتعبيرية.
واستلهمت حضراني في مقاربتها من التجربة المعجمية للأستاذ كمال بوامرا، صاحب أول معجم أمازيغي أحادي اللغة، حيث تبنت منهجية تعتمد على التصنيف الجذري للكلمات، وهو ما يتناسب مع الخصائص البنيوية للغة الأمازيغية ذات النظام الجذري الاشتقاقي. كما اعتمدت ترتيبا أبجديا واضحا يُسهم في سهولة التصفح، ويجعل المعجم متاحا للباحثين، الطلبة، والمهتمين باللغة من داخل المنطقة وخارجها.
وتظهر بنية المعجم اهتماما دقيقا بالمستويات الصرفية والدلالية، إذ يتضمن كل مدخل لغوي تحليلا نحويا يحدد طبيعته (اسم، فعل، صفة..)، إلى جانب تحديد أشكاله الحرة والمرتبطة عند الحاجة، مع تعريف دلالي موجز وواضح. وترفق المفردات بأمثلة واقعية تستقى من السياق الاجتماعي الشفهي، ما يضفي على العمل طابعا عمليا وتواصليا، ويعكس طبيعة الاستخدام الفعلي للغة في محيطها الأصلي.
كما اعتمدت الباحثة في توثيق النطق على استخدام الأبجدية الصوتية الدولية (API)، وهو ما يعد خيارا دقيقا لتقريب النطق الصحيح للمهتمين غير الناطقين بالشاوية أو الباحثين من خلفيات لغوية مختلفة. ويشمل المعجم أيضا معلومات حول تصريف الأفعال في أزمنتها المختلفة (الماضي، المضارع، الأمر، الحاضر..)، إضافة إلى المشتقات الإسمية واللفظية، ما يعزز من قيمته كمرجع تعليمي ولغوي شامل.
وتعتبر المحافظة السامية للأمازيغية هذا العمل مساهمة مهمة في مشروعها الوطني لترقية اللغة الأمازيغية وتثبيت حضورها في مختلف الفضاءات التعليمية والثقافية. كما ترى أن هذا المعجم يمكن أن يوظف مستقبلا في إعداد المناهج الدراسية أو الموارد الرقمية الخاصة بتعليم المتغير الشاوي، لا سيما بعد الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة وطنية ثم رسمية.
من جهتها، ترى عائشة حضراني أن اللغة الشاوية ليست مجرد أداة تواصل، بل وعاء للذاكرة الجماعية ومخزون للرموز والقيم المحلية. ومن هذا المنطلق، تسعى إلى الحفاظ على هذا الإرث اللغوي عبر توثيق مفرداته واستعمالاته المختلفة في الحياة اليومية. وتشير إلى أن المعجم قد يسهم في تمكين الأجيال الجديدة من إعادة الارتباط بلغتهم الأم، وتعلّمها ضمن قواعد موثقة ومدروسة.
وقد حاز هذا العمل على الجائزة الثانية ضمن الدورة الرابعة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية، تقديرًا لجهوده العلمية ومنهجيته الدقيقة، غير أن القيمة الرمزية والفكرية التي يحملها تتجاوز بكثير التتويج الرسمي، لما يتضمنه من جهد للحفاظ على مكوّن لغوي وثقافي مهدد بالانحسار.
ويمثل هذا المعجم إضافة نوعية في سياق الجهود الوطنية الرامية إلى إعادة الاعتبار للتنوع اللساني في الجزائر، ويفتح آفاقا جديدة أمام البحث اللغوي الأمازيغي، سواء من حيث التوثيق، أو من حيث تدريس المتغيرات المحلية في المؤسسات الأكاديمية والتربوية.