تؤكد الجزائر، في كل مرة، حرصها على إسناد الدول العربية بما يتعدى الموقف الدبلوماسي المعروف إلى الفعل الملموس والمساهمة في حل عديد المشكلات، ومثال ذلك إيفاد فريق من الخبراء والتقنيين التابعين لمجمع سونلغاز إلى سوريا لدعم قطاع الكهرباء.
في نهاية السنة الماضية وخلال ندوة صحفية عرض فيها حصيلة الدبلوماسية، أكد وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، أن الجزائر دائمًا ما تُعلي مبدأ الاعتراف بالدول بدل الحكومات.
وكان حينها يتحدث عن التحولات الجذرية التي يشهدها هذا البلد العربي، بعد أزمة أمنية وسياسية معقدة منذ 2011. مذكّرًا بأن الجزائر وقفت دائمًا مع دولة سوريا، بغض النظر عن الظروف الداخلية التي يحددها السوريون أنفسهم.
ووفق هذا المبدأ، تواصلت الجزائر مع القيادة السورية الجديدة، مؤكدة استعدادها على المساعدة وإسناد الشعب السوري حتى يتجاوز محنته ويستعيد الهدوء والاستقرار في بلاده الواحدة الموحدة.
وضمن هذا الموقف المنسجم، قررت وزارة الطاقة والمناجم، الأسبوع الماضي، إيفاد فريق من الخبراء والتقنيين التابعين لمجمع سونلغاز إلى سوريا لدعم قطاع الكهرباء، حيث اقترح الوزير عرقاب في اتصال مع نظيره السوري خطة عمل «لدعم قدرات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء وصيانة الشبكات والمعدات الكهربائية الحيوية».
تحادث وزير الدولة، وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، الأربعاء المنصرم، هاتفيا، مع وزير الطاقة السوري محمد البشير، حول سبل تعزيز التعاون الثنائي وتطويره في المجال الطاقوي، بحسب ما أفاد بيان للوزارة.
ويأتي هذا الاتصال في إطار متابعة مخرجات الزيارة التي قام بها وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، إلى دمشق بتاريخ 8 فيفري الماضي، كمبعوث خاص لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
وتمحورت المحادثات حول «بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي وتطويره في قطاع الطاقة، لاسيما في مجال إنتاج، نقل وتوزيع الكهرباء وصيانة الشبكات والتجهيزات الكهربائية، حيث تم التأكيد على الطابع الاستراتيجي لهذا التعاون، في سياق التضامن الأخوي والتاريخي الذي يربط البلدين الشقيقين، بحيث أشاد الطرفان بالعلاقات الأخوية والتاريخية المتميزة التي تجمع الجزائر وسوريا»، وفق ما ورد في البيان.
في هذا الإطار، «وتنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تقرر إيفاد فريق من الإطارات والخبراء والتقنيين التابعين لمجمع سونلغاز إلى سوريا، بهدف الوقوف ميدانيا على وضعية قطاع الكهرباء السوري، وتشخيص التحديات المطروحة واقتراح خطة عمل مفصلة لدعم قدرات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء وكذا صيانة الشبكات والمعدات الكهربائية الحيوية».
كما عبر الوزير عرقاب عن استعداد الجزائر لاحتضان فريق من التقنيين السوريين، ضمن برنامج تكويني وتدريبي متخصص تنظمه معاهد مجمع سونلغاز في مجالي الكهرباء والغاز، وذلك في إطار تبادل الخبرات وبناء القدرات التقنية المحلية.
ومنذ سنوات، ظل قطاع الكهرباء في سوريا يعاني من مشكلات عديدة أدت إلى صعوبة تزويد السوريين في عديد المحافظات بنظام متقطع، ومن شأن الخبرة التقنية الجزائرية أن تُساهم في إعادة تشغيل المحطات المتوقفة وتقديم مشاريع ناجعة لإنعاش شبكة التوزيع.
وتحوز الجزائر، عبر مجمع سونلغاز، على مكانة مرموقة في إنتاج الكهرباء عبر مختلف مصادر التوليد، إلى جانب تحوّلها إلى رائد إقليمي في صناعة وحدات التوربينات بمختلف الأنواع، إلى جانب تقديم خدمات الصيانة والتكنولوجيات الرقمية.
وسبق للدولة الجزائرية أن أنقذت قطاع الكهرباء في لبنان، السنة الماضية، من الانهيار، حين أرسلت سفينة محمّلة بكميات معتبرة من مادة الفيول اللازمة لتشغيل محطات توليد الكهرباء. كما تُعد دولة العراق جهة مستوردة للعتاد الكهربائي الذي ينتجه مصنع سونلغاز، خاصة التوربينات، وكان الفضل قبل 5 سنوات لفريق متخصص من سونلغاز في إصلاح أعطاب ضربت محطات الإنتاج في العاصمة الليبية طرابلس.
ويمثل إيفاد فريق سونلغاز إلى سوريا إسنادًا فعليًا للشعب السوري في لحظة يتطلع فيها إلى إعادة الإعمار وتجاوز أثر العقوبات الاقتصادية القاسية التي تعرّض لها طيلة سنوات مضت، وتأكيدًا على أن الجزائر دولة قادرة على ترجمة المواقف الدبلوماسية إلى أفعال فارقة، لما تحوزه من رصيد تضامني معروف وأيضًا من إمكانات اقتصادية تستطيع من خلالها دعم جهود البناء في أي مجال من المجالات.
ودائمًا ما أثبتت الدبلوماسية الجزائرية صواب مواقفها تجاه الأزمات التي تقع في المحيط العربي، إذ تتوخى بشكل صارم الحياد الإيجابي ودعم الحوار والحلول السلمية، باعتبارها السبيل الأمثل لتجاوز الصعاب بأقل الأضرار.
هذه المواقف السليمة تجعل منها بلدًا متميزًا في الحرص على إعلاء قيم التضامن العربي بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو المعادلات الجيوسياسية والمخططات التي تُحاك في منطقة المشرق العربي والشرق الأوسط عمومًا.
ومن خلال مقعدها في مجلس الأمن الدولي، أكدت الجزائر مرارًا دعمها لوحدة سوريا، وإدانة الانتهاكات الصهيونية لأراضيها. كما شددت على رفض كل التدخلات الأجنبية التي من شأنها تعطيل عملية تعافي الشعب السوري من محنته.
وسواء تعلق الأمر بدول إفريقية أو عربية، تبدي الجزائر دائمًا استعدادها لدعم المشاريع التنموية لكل من طلب خبرتها ومساعدتها دون أي تأخير، وأكدت ذلك مع بلدان جوارها الجنوبي، مثل النيجر، بوركينا فاسو وتشاد. هذه الدول بلغت مراحل متقدمة في بحث سبل التعاون مع سونلغاز في إنتاج الكهرباء.
وتملك الجزائر مؤهلات اقتصادية معتبرة في إنتاج المواد الأولية واستغلال الموارد الطبيعية، وضعتها في موقع متقدم لمساعدة عديد البلدان، في مختلف عملياتها التنموية واستعادة السيطرة على مواردها الطبيعية واستغلالها.
وباتت الجزائر من أهم منتجي مادتي الإسمنت والحديد والصلب، ولديها زبائن في القارات الخمس، وباستطاعتها أن تكون موردًا رئيسيًا، خاصة بالنسبة للدول التي تسير في طريق الخروج من الأزمات وتتطلع إلى دعم قواعد التنمية.