مالك حداد يرفض لغة فولتير بعدما كانت منفاه
كاتب ياسين طلّق لغة «فافا» لأنّها غنيمة حرب
أكّدت الباحثة راضية جراد أنّ مظاهرات 8 ماي 1945 كانت الشرارة التي ألهبت الكتابة الجزائرية، لأنها أسقطت القناع عن وجه فرنسا الاستعمارية، التي أوهمت العالم أنها حملت متاع الحضارة في حقائبها للجزائريين سنة 1830، واقتنع الشعب أن الكفاح وحده من يسترجع لهم حريتهم، فزادت النخبة من وتيرة نضالها وأصبح كل جزائري يكافح بطريقته الخاصة، وأدرك الكتاب أهميتهم في قلب موازين القوى الفكرية في الخارج فكان القلم رصاصا هو الآخر.
أوضحت الدكتورة راضية جراد في تصريح لـ «الشعب»، أنّ روايات الخمسينيات غيّرت رؤيا الآخر للوجود الفرنسي في الجزائر، وأدرجت الكتابة الجزائرية في خانة الكتابة العالمية لتصبح نموذجا يدرس به في كبريات الجامعات، ومصدر إلهام للأدب الافريقي الذي كان شعبه هو الآخر يعيش تحت وطأة الاستعمار.
كشفت الناقدة جراد، رئيسة فرع اتحاد الكتاب الجزائريين لولاية ميلة، أن الادب الجزائري أرّخ لمرحلة مهمة من تاريخ الجزائر الثقافي عن طريق روايات كل من «ابن الفقير» للكاتب مولود فرعون و»الهضبة المنسية» لمولود معمري و»الدار الكبيرة» للكاتب محمد ديب ونفوس ثائرة «لعبد الله ركيبي»، وغيرها من الأعمال الأدبية الأخرى، التي رسمت لوحات فنية عكست الواقع المعيش للجزائريين، عكس ما روّج له المحتل في المحافل الدولية فبدأ المثقفون الغربيون يتساءلون، هل فعلا هدف فرنسا نقل الحضارة للشعب الجزائري؟ فإذا كذلك فكيف له أن يعيش في منازل مصنوعة من بقايا البقر مثلما صور في رواية «ابن الفقير»؟ كيف لأغلبية الشعب أن يمتهن رعي الأغنام؟ أين الحضارة في حياة تقليدية بدائية بأكواخ دون كهرباء وجوع وجهل كما وصف في «الهضبة المنسية» و»الدار الكبيرة»؟
«نجمة» رسمت الوطن الضّائع في نهر الدم والجهل
عرجت الدكتورة راضية جراد في حديثها عن الأدب الجزائري إلى رواية «نجمة» التي كتبت سنة 1956 لكاتب ياسين، حيث وصف كاتبها بشاعة المستعمر ووحشيته التي فاقت كل حدود الانسانية والمدانة من الأديان السماوية.
قالت ذات المتحدثة إنّ مجازر 8 ماي 1945 كانت سببا رئيسيا في بلورة الكفاح الثقافي، ففي رواية «نجمة» صوّرت كل تفاصيل المجازر والاستعمار، وأحيت الذاكرة الجماعية من خلال تطرق الروائي لبطولات قبيلة «كبلوت»، وناقشت الحب بأبعاده فكانت الشخصية الرئيسة نجمة هي الوطن الضائع في نهر الدم والجهل، الأم والحبيبة وهو ما جعلها من روائع الأدب العالمي، كما أنّها خطت بأسلوب شبيه بكتابات الكلاسيكيين الأمريكيين كوليام فولكنر، ليقود هذا العمل الأدبي إلى تساؤلات أخرى طرحت من قبل نخبة العالم عامة وفرنسا على وجه الخصوص، فكيف لبلد يتباهى بشعار الإنسانية والمساواة والإخوة في عالمه ودستوره، أن يقتل بوحشية شعب أعزل ذنبه الوحيد أنه صدق أنه سينال استقلاله بعدما يساعد قوة الحلفاء في اخراج النازيين من أراضيها؟
انشقاقات في النّخب الفرنسية وتأييد من مفكّرين عالميّين
كما تساءلت الباحثة في التاريخ الثقافي، كيف يعقل لشعب له نخبة تكتب ببراعة وتناقش بعمق أن يكون جاهلا ولا يستطيع أن يسير أمور بلده وحده؟ حيث أكّدت في ذات الصدد أنّ هناك انشقاقات وقعت في صفوف النخبة الفرنسية، وطالب الكتاب والمثقفون عبر مظاهرات ومقالات بضرورة استقلال الشعب الجزائري، ولعل أشهر تلك الانشقاقات ما حدثت بين المفكر والفيلسوف جون بول سارتر والكاتب الفرنسي ألبير كامو صاحب رواية «الغريب»، فبعد سنوات من الصداقة، افترقا لأن جون بول سارتر كان مع حق الشعب الجزائري في استقلاله، في حين كان كاموا مع الوجود الفرنسي لأنه وببساطة فرنسا أمه.
في الأخير قالت الأستاذة جراد إنّ الثورة الجزائرية استمرت في مختلف الميادين، وكان القلم رصاصا هو الآخر، اخترق قلب النخبة المثقفة في فرنسا وزاد من ضغط المفكرين العالمين عليها، وبعد 132 سنة من الحرب واغتصاب الأرض والإنسانية، نال الشعب الجزائري حريته واستنشق عبقها، وأنزل مالك حداد سلاحه باعتزاله الكتابة باللغة الفرنسية، بعدما كانت قلم رصاص حارب به المستعمر، ولطالما كانت منفاه، بينما أنشأ صاحب رائعة «نجمة» فرقة مسرحية باللهجة المحلية، لأنه وببساطة كانت اللغة الفرنسية له غنيمة حرب تخلى عنها بخروج المستعمر من الجزائر.