كـتـاب .. وضـــــبــاب

أسامة إفراح

تختلف معايير الحكم على نجاح هذه الرواية أو تلك، والتي من بينها المعيار التجاري وعدد المبيعات، الذي يسمح بمعرفة مدى إقبال الجمهور على الرواية أو الكتاب، والرواجُ ـــ في نظر كثيرين ـــ مرادف النجاح.

لطالما سمعنا عبارة «بيست سيلير» (الأكثر مبيعا) تتكرر حين ذكر كتاب في تخصص من التخصصات، وحينما يتعلق الأمر بالـ»بيست سيلير»، فالأرقام قد تفوق الأحلام: سنة 2005، نشرت النيويورك تايمز ما مفاده أن «شيفرة دافنتشي» لدان براون خسرت الصدارة بعد أكثر من سنتين على رأس قائمة الصحيفة للكتب الأكثر مبيعا.. بالمقابل، واصلت الرواية نجاحها «التجاري» حيث بيع منها، إلى غاية 2010، أزيد من 86 مليون نسخة.
مع ذلك، لا نجد رواية دان براون ضمن الكتب العشرة الأكثر مبيعا في العالم.. بالمقابل، يعد «دون كيشوت دي لا مانتشا» لميغال سيرفانتس (الذي استلهم القصة من سنوات أسره بالجزائر) من بين الأكثر مبيعا في العالم بأزيد من 500 مليون نسخة.
أما مجموع الأجزاء السبعة من سلسلة هاري بوتر، للكاتبة البريطانية جوان رولينغ، بيعت بأكثر من 450 مليون نسخة عبر العالم (تقديرات تصل 500 مليون نسخة)، وعلى سبيل المثال، بالولايات المتحدة، بلغت الطبعة الأولى لآخر أجزاء السلسلة 12 مليون نسخة. نفس الشيء بالنسبة لثلاثية «سيد الخواتم» (150 مليون نسخة عبر العالم)، وهي الحال أيضا مع «أليس ببلاد العجائب» للويس كارول بما يفوق 100 مليون نسخة.
يحدث هذا في عوالم أخرى.. أما نحن، فنبقى نردد، مع كلّ طبعة للصالون الدولي للكتاب، أن الأرقام أهمّ ما يغيب عن هذه التظاهرة: لا الأرقام المتعلقة بالزوار، بل تلك المتعلقة بالزبائن، وما أكبر الفرق بين الزائر والزبون.
وقد سبق لنا رؤية هذا الكاتب أو ذاك يعلن نفسه صاحب أكثر الكتب مبيعا، إعلان من جانب واحد وسط إحجام الناشرين (في معظمهم) عن الكشف عن مبيعاتهم.. كما قد يفاخر هذا الكاتب أو ذاك بنفاذ نسخ الطبعة الأولى من كتابه، مع العلم أن نسخ الطبعة لا تزيد عن الألف، أو نصف هذا العدد في عديد الأحيان، ومع اللجوء إلى الطبع الرقمي، الذي فرضته الظروف الاقتصادية لـ»سوق الكتاب»، فإن ما يطبع قد لا يتعدى العشر نسخ، على دفعات، فعن أي نفاذ نتحدث؟ وعن أي طبعات؟
مرّة أخرى، قد لا يكون حجم المبيعات المعيار الوحيد للحكم على هذا الإصدار أو ذاك، ولكنه واحد منها، إن لم نقل إنه من أهمها، خاصة حينما نعلم أن الكثير من العناوين الفائزة بالجوائز (العربية في أغلب الأحيان) تبقى نسخها مكدسة في مخازن الناشرين.
وفي انتظار أن تتحوّل سياستنا الثقافية من التقييم بالكلام، إلى التقويم بالأرقام، لينقشع الضباب المحيط بالعمل الثقافي، فإننا نبقى نشدّ على يد المبدع الجزائري، عملا بمقولة: «من يشعل شمعة»، وإن كانت الشمعة قد تنفع في الظلام، لا في الضباب.. كما أننا قد لا نطالب كاتبنا بأن يكون «دان براون» عصره، ويبيع النسخ بالملايين، ونفس الكلام موجه للناشر.. ولكن، هل يبلغ المليون من لا يعدّ إلى الألف؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19793

العدد 19793

الثلاثاء 10 جوان 2025
العدد 19792

العدد 19792

الإثنين 09 جوان 2025
العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025