عن كتابه “القبيلـة والطريقـة في الجزائـر العثمانيـة”

البروفيسور مكحلي: الجوانب الروحية ضرورة في دراسة أي مجتمع

حوار: أسامة إفراح

بعد إصدارات منها “ثورات رجال الزوايا والطرقية في الجزائر خلال العهد العثماني”، و«الأولياء والصلحاء: الظاهرة والجذور”، يعود أ.د.محمد مكحلي، رئيس مخبر الفكر الإسلامي بجامعة سيدي بلعباس، بكتابه الجديد “القبيلة والطريقة في الجزائر العثمانية، توزيع السلطة وتقسيم المجال”، الصادر عن دار القدس العربي، والحاضر في معرض الكتاب الدولي.. ويتطرق الكتاب إلى العلاقة الوطيدة بين الظاهرتين الروحية (الطريقة) والاجتماعية (القبيلة)، وهو ما يلخصه مكحلي في هذا الحوار..

- «الشعب”: لنبدأ بعنوان كتابك الجديد “القبيلة والطريقة في الجزائر العثمانية، توزيع السلطة وتقسيم المجال” الصادر عن دار القدس العربي.. ما المقصود بـ«توزيع السلطة وتقسيم المجال”؟
 أ.د.محمد مكحلي: توزيع السلطة وتقسيم المجال له علاقة بدور الطريقة /القبيلة في علاقتها بالسلطة المحلية وهي سلطة العثمانيين، بحيث خضعت العلاقة لميزان القوى الاجتماعية والروحية، فكان تعامل السلطة الحاكمة مع الطريقة /القبيلة هو الاعتراف بمجالها الجغرافي ومعاملتها على أساس كيانات تنعم بنوع من الحكم الذاتي أو الاستقلالية.
تتحدث عن وجود علاقة وطيدة بين الظاهرة الروحية (الطريقة والزاوية) والظاهرة الاجتماعية (القبيلة والعشيرة) في المنطقة المغاربية.. كيف ذلك؟ وما هي تجليات هذه العلاقة؟
نظير نظرة السلطة في تعاملها مع الظاهرة، ظهرت عوامل جديدة تشكلت فكان الانتماء للقبيلة والطريقة مكسبا سادته ثنائية الرمزية والمادة، فما كان من السلطة، إلا أن تكيفت وتأقلمت مع التغيرات التي عرفتها الجزائر العثمانية سياسيا اجتماعيا ثقافيا واقتصاديا، من خلال محاولات التقرب من الطريقة والقبيلة تارة، أو محاولة اختراقها تارة أخرى، أو الدخول معها في صدام كما حدث مع التيجانيين والدرقاويين في أواخر الحكم العثماني.
تتجاوز في مؤلفك التصنيف الثنائي المعتمد عادة بين “قبائل متمردة وأخرى موالية” بحيث تضيف صنفا آخر.. كيف ذلك؟
يذكر التصنيف المتداول ما عرف تاريخيا بوجود القبائل الموالية أو الأحلاف، والتي تعاونت مع السلطة العثمانية، ووجود قبائل متمردة دخلت في صدام وحروب مع العثمانيين، وما كان لها ذلك لولا تحالفها واستنادها على طرق دينية، الأمر الذي كان له عميق الأثر على النسيج الاجتماعي للبلاد.. بالمقابل، وعلى مجال البحث، ظهرت قبائل أخرى مستقلة عن السلطة الحاكمة، وكانت تشبه بدويلة داخل دولة كما كان الشأن بالنسبة للشيخية، التي كانت تتعامل الند للند مع السلطة الحاكمة، ولم تدخل معها في صراع وبقيت تتمتع بالاستقلالية.
- إلى أي مدى يمكن إسقاط هذه الخصائص التي تميزت بها الجزائر العثمانية على الجزائر المعاصرة. مثلا أيّ دور يمكن أن تلعبه الطريقة أو القبيلة في عصر الدولة الأمة؟
يعالج الكتاب ظاهرة اجتماعية ثقافية سياسية لا زالت رواسبها موجودة حتى عصرنا هذا، بحيث أنها تعرضت للقمع والتنكيل ومحاولة الاجتثاث من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، إلا أنها لم تستطع أن تقضي عليها بالرغم من محاولات التفكيك والتقسيم، يمكن ملاحظة تمدد الطريقة القبيلة في وقتنا الحاضر، وفي جزائر الاستقلال، على الرغم مما وضعته الدولة الوطنية من محاولات التحديث والتنمية، إلا أن مجال تواجد القبيلة والطريقة نجده في الانتخابات وفي الولاءات وفي تشكيل العروشية، عبر مظاهر التلاحم وترسيخ الهوية كالوعدة والمواسم وظاهرة زيارة الأضرحة، فيشكل التصاهر والاندماج لحمة قوية في دعم أسس الدولة الوطنية.
- هل يمكن دراسة مجتمع ما دراسة رصينة دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات والمكونات الروحية والاجتماعية الخاصة بهذا المجتمع؟
عند القيام بدراسة أي مجتمع، لا يمكن أن نغفل دراسة الجوانب الروحية لما تمثله من هالة قدسية وروحية، تعتبر المحرك الأساس في دراسة المجتمع، فوجود القبيلة والطريقة في أي دراسة يحيلنا إلى فهم الانتماء داخل الفضاء الطرقي والقبلي، ويحيلنا لفهم ماهية الانتماء للمجال، والذي يحافظ على كينونة الدولة وصيرورتها.
- يُلاحظ “تجرّؤ” البعض على الخوض، وأحيانا الكتابة، في التاريخ السياسي والثقافي، دون الاستئناس بالضوابط العلمية والأدوات البحثية اللازمة.. هل يمكن أو يجوز لأي كان أن يصير مؤرخا؟
خوض الكتابة في التاريخ الاجتماعي والثقافي، ومعه السياسي والاقتصادي، لا يستوي دون الإلمام أولا بمهنة المؤرخ الضالع في البحث، والمتمكن من العلوم المساعدة كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والاقتصاد والأدب الشعبي، مع ما يتطلبه ذلك من مناهج علمية تنير دربه وتساعده في عمليات البحث والتنقيب والاستقصاء، فدون ذلك لا يمكن أن تكون النتائج أكاديمية رصينة يستعان بها في بحوث مستقبلية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19793

العدد 19793

الثلاثاء 10 جوان 2025
العدد 19792

العدد 19792

الإثنين 09 جوان 2025
العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025