ودعت، أول أمس، الساحة الثقافية الجزائرية موسوعة الفنّ الجزائري، الفنانة القديرة «سـلوى»، بعد مسيرة عطاء فنية لأكثر من 60 سنة، تغنّت خلالها بصوتها الصادح المميّز عبر الأثير وأمام الجمهور بحب الوطن وبأعمال راقية ستبقى محفورة في ذاكرة الفنّ الجزائري الخالد، وبشهادة مجروحة نعاها عدد من الفنانين عبر حسابهم في صفحات التواصل الاجتماعي، إلى جانب تغريدات ومنشورات يرثي فيها جمهورها رحيلها وهو الذي آمن بفنّها وبصدق رسالتها.
بكلمات رثائية ودّع، أمس، الجمهور الوفيّ ورفاق الدرب من فنانين وشخصيات أدبية وثقافية وإعلامية الفنانة سلوى من مبنى قصر الثقافة مفدي زكرياء لإلقاء النظرة الأخيرة عليها، ولسان حالهم يقول: هل يا ترى نرثيك بتراب نهيله على جُثمانك الطاهر الذي سيتوارى عن الورى تحت الثرى، أم نرثيك ببوح صامد صابر محتسب لله وكفى؟
نشأتها ومسيرتها الفنّية
ولدت فطومة لميتي المعروفة في الوسط الفني بالفنانة سلوى، سنة 1935 بمدينة البليدة، بدأت مسيرتها الفنية في 1952 مقدّمة برامج في الإذاعة الوطنية، ثم انتقلت إلى فرنسا من أجل العمل في مجالها، فقدّمت حصصا للأطفال إلى أن تألقت في أول برنامج نسائي موجه للعالم العربي بعد اكتشافها من طرف «رضا فلكي»، كونها كانت تحسن اللغة العربية، وفي سنة 1960 تعرّفت على الفنان والملحن عمراوي ميسوم المعروف بـ»الميسوم» الذي أراد أن يستحدث أسلوبا جديدا للأغنية الجزائرية، حينها كان يبحث عن مترجم ليتسنى له الاستفاضة في الإبداع الفني. اكتشف فيها موهبة الغناء ونجحت معه بأغنية «كيف رايي يهملني» و»أنت كنت تظن»، وبعدها تألقت بأغاني محبوب باتي منها «ما تحلفليش»، حيث تحصّلت في 1966على الجائزة الأولى في مهرجان الأغنية بوهران، ثم زواجها بالموسيقار بوجمية مرزاق، الذي زاد من تألقها. لتنتقل بعد ذلك إلى التنشيط وتقديم برنامج «ألحان وشباب» بعد ذلك، كما دخلت عالم السينما وشاركت في أفلام منها «حسان طاكسي» و»حسان نية» مع المرحوم رويشد.
في 1964 سافرت سلوى في دورة حول العالم، زارت من خلالها معظم البلدان العربية، التي كانت تستقبلها دوما كسفيرة للأغنية الجزائرية.
حنجرة قويّة أكسبتها جماهير كبيرة
دخلت سلوى تجربة الغناء بكل ثقلها وإطلالتها الجميلة، فأعادت أداء بعض أغاني المطربة ليلى الجزائرية، منها أغنية «يا حليوة»، «بان الفجر وغنى الليل»، و»يا بنت بلادي»، كما أدت رائعة «لا لا أميئة» التي سجلت أكبر المبيعات في فرنسا، من كلمات الحبيب حشلاف وتلحين عمراوي ميسوم، الذين تألقت أيضا بأغنيتهما «يا أولاد الحومة» وكذا «كيف رايي هملني» التي تجاوز عدد مبيعاتها 100 ألف نسخة، ولازالت محل طلب الجميع عبر الأثير الإذاعي، كما أنّ الفنانة تعاملت مع الراحل معطي بشير وأدت له بعض الأغاني، منها «أنا غزالي» وغيرها، كما مثلت الجزائر في العديد من التظاهرات الثقافية والفنية بدول المشرق العربي.
سلوى تخلّد مسيرتها
عام 2011 أوكلت الفنانة سلوى مهمة كتابة مذكراتها للفنان القدير والباحث في أغنية الشعبي عبد القادر بن دعماش المعروف بإنتاجاته، واهتماماته بكتابة سير الشخصيات الفنية الجزائرية، على غرار السيرة الذاتية الكاملة للحاج عبد الكريم دالي، والبودالي سفير الصحفي المختص في الموسيقى، كما أصدر كتابا مماثلا عن الراحل محبوب باتي، إلى جانب عدد من المؤلفات ويتعلق الأمر بفنانين غير مشهورين لدى الجيل الحالي، من أمثال أحمد وهبي، الحسناوي، نورة، خليفي أحمد، سليمان عازم ذات الكاتب جمع شهادات الفنانة التي تروي مسيرتها التي تمتد إلى الوقت الحالي، أيّ منذ ولادتها إلى غاية اليوم مع التركيز على فترة دخولها عالم الغناء من بوابة الإذاعة الوطنية، واشتراكها مع الراحل محي الدين بشطارزي في المسرح الوطني الجزائري.
مع العلم سبق للعديد من الفنانات الجزائريات أن أعدن أغاني الراحلة الفنانة سلوى، وذلك في حفل نظمته جمعية نجوم الشباب سنة2011 على شرف فقيدة الفنّ الجزائري، على غرار أسماء جرمون، حسيبة عبد الرؤوف، والراحلة نعيمة عبابسة، حسيبة عمروش، والفنان ماسي.