صدر في العاصمة الشيلية سانتياغو كتاب من تأليف المحلل السياسي والخبير الشيلي في العلاقات الدولية استيبان سيلفا كوادرا، حول تاريخ العلاقات المتجذرة بين الجزائر والشيلي تحت عنوان: «الشيلي-الجزائر: تاريخ تضامن متبادل صمد أمام السنين».
يتطرق الكتاب إلى الأحداث البارزة في تاريخ العلاقات بين البلدين وتجلياتها القديمة والمعاصرة، ومنها دعم المجتمع المدني في الشيلي لثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وتأسيسه لجنة مساندة لهذه الثورة، وهي اللجنة التي حظيت بدورها بدعم البرلمان في هذا البلد الواقع في أمريكا اللاتينية.
ويسلط هذا العمل البحثي، الأول من نوعه الذي يغوص في تاريخ العلاقات الجزائرية-الشيلية عبر السنين، الضوء على السياق التاريخي لنشأة وتعزيز روابط التضامن بين شعبي البلدين خلال فترة الكفاح التحريري ضد الاستعمار الفرنسي، مرورا بالمرحلة الذهبية للعلاقات الثنائية بين البلدين في سبعينات القرن الماضي.
ويقول استيبان سيلفا كوادرا الذي يشغل أيضا منصب الرئيس التنفيذي «للحركة الاشتراكية» الشيلية أن العلاقات بين البلدين «بلغت أوجها» في السبعينات، خلال فترة رئاسة الراحلين هواري بومدين وسلفادور أليندي، حيث شهدت التحركات الدبلوماسية الجزائرية الشيلية «درجة عالية من التنسيق والتكامل في مختلف المحافل الدولية، قصد إحداث تغييرات هيكلية من أجل ترقية مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير وعدم الانحياز، وإرساء أسس نظام اقتصادي دولي جديد مجرد من التبعية الاقتصادية والاستغلال المجحف للثروات الطبيعية لدول الجنوب».
وذكر الكاتب أنه عندما أصبح سلفادور أليندي رئيسا للشيلي عام 1970، سعى إلى «ترسيخ العلاقات التي كانت تربطه بالجزائر في السابق حول القضايا الرئيسية ذات الهدف المشترك»، كسياسة للدولة، علما أن سلفادور أليندي يعد أول رئيس (وحتى الآن الرئيس الوحيد) للشيلي الذي يزور الجزائر.
وفي السياسة الدولية للشيلي ولا سيما في بعدها الثنائي، شارك أليندي الرئيس هواري بومدين نفس الرؤية الإستراتيجية بشأن تأميم الموارد الطبيعية، لضمان التنمية والسيادة الاقتصادية، مما أسفر عن تأميم الشيلي قطاعي المناجم والنحاس وتأميم الجزائر لقطاع المحروقات.
الى ذلك تضمن الكتاب صورا موثقة للتضامن التلقائي والدعم القوي الذي أبدته الجزائر قيادة وشعبا مع اللاجئين السياسيين الشيليين، حيث استقبلت العشرات منهم الذين اختاروا الجزائر وجهة آمنة له، غداة انقلاب 11 سبتمبر 1973 الذي أطاح فيه الجيش بحكومة «الوحدة الشعبية» المنتخبة ديمقراطيا بقيادة الرئيس سلفادور أليندي.
«كما عملت الدبلوماسية الجزائرية على حشد التأييد الدولي ضد سياسة القمع التي انتهجها نظام الديكتاتور بينوشي ضد الشعب الشيلي»، يقول المحلل السياسي والخبير الشيلي في العلاقات الدولية.
وخصص الكاتب الفصل الأخير من الكتاب للحديث عن استئناف العلاقات الدبلوماسية المجمدة، منذ عام 1973 بين الجزائر والشيلي بعدما تهيأت الظروف إثر سقوط نظام بينوشي في 1990، حيث شهدت الشيلي بداية مرحلة انتقال ديمقراطي والعودة إلى الشرعية الشعبية، ما سمح بإعادة فتح الممثليات الدبلوماسية للبلدين.
وعن آفاق العلاقات بين البلدين، توقع سفير الجزائر لدى الشيلي محمد سفيان براح في تصريح له مؤخرا أن «تبرز أشكال جديدة من التعاون بينهما»، وكان استيبان سيلفا كوادرا كشف في دراسة سابقة له عن «الدور المركزي» الذي لعبته الجزائر في تطور السياسة الخارجية للشيلي وتقاربها مع افريقيا.
ويعد الكتاب بمثابة مرجع للباحثين والمختصين في العلاقات الدولية.