امرأة من صحراء الجزائر، تحدّت كل ظروف الطبيعة والمجتمع، وذللت كل العقبات، لتشق طريقها وهي تحمل معها أحلامها، لتصنع بها اسما في سماء الأدب، مكّنها من افتكاك العديد من الجوائز في عدد من الدول. «الشعب» التقت بالكاتبة والإعلامية جميلة طلباوي إبنة ولاية بشار، وكان لنا معها هذا اللقاء.
- الشعب: جمعت بين الإعلام والكتابة، وصنعت لك اسما في منطقة الساورة، فكيف كانت المهمّة؟
الكاتبة والإعلامية جميلة طلباوي: المهمّة كانت صعبة، ولكن رغم صعوبتها إلا أنّها كانت ممتعة، التعب فيها جعلني ألملم ذاتي الكاتبة بحثا عن مرفأ أدبي أرتاح فيه، والعراقيل شحذت همّتي للمزيد من البذل والعطاء لتحقيق الذات، فكانت الثمار تسع إصدارات بين رواية وقصة قصيرة وحوارات أدبية، وكانت ثلاثين سنة من معانقة الميكرفون وعديد البرامج الأدبية والثقافية والاجتماعية، عشت لحظات التتويج بالجوائز والتكريمات، وما زلت أواصل العمل والاجتهاد من أجل إشاعة المحبّة وخدمة مجتمعي ووطني.
- لو نتحدّث عن مسارك الأدبي، سأسألك هل كتابة الصحراء هي اختيارك أم كانت قدرك؟
الاثنان معا، وقد احتضنتني هذه الصحراء ذات صيف قائظ، فوجدتني أنبت فيها نخلة تمتدّ جذورها فيها مع مرور السنين، ووجدت لرملها حكايات، لطينها روح، ولواحاتها أسرارتقول دهشة الأرض العطشى للماء الذي يستوطن باطنها، فيضرب رجل الصحراء فيها بفأسها لتتفجر العيون وتمدّه الآبار بمياهها، كلّ هذا جعلني أغمس قلمي في سواقيها لأحكي أساطير الرمل، لأقول بأنّ هذه الصحراء فيلسوفة، يكفي أن نرهف السمع إليها كي نستنبط الحكمة، وكي نزرع المحبّة التي نستقيها من صفائها وامتدادها.
- توّجت بعدة جوائز خلال مسارك الأدبي؟
أن ينال الكاتب جائزة، فهذا يعني فرصته للفت انتباه النقاد والقراء لمنجزه الأدبي، وهذا جعل الإقبال على بعض رواياتي مقبولا سواء من طرف الأساتذة النقاد أو الطلبة الذين يختارونها كمواضيع لمذكّرات التخرج عبر مختلف جامعات الوطن الغالي.
الجائزة تشعرك بالمسؤولية أيضا لتقديم الأجود دائما، فبعد حصولي على جائزة يمينة مشاكرة عن روايتي «قلب الإسباني» تريثت في إصدار رواية أخرى، فما زلت أشتغل على رواية أخرى ولم أقدّمها لدار نشر حتى أتأكّد بأنّها لا تقلّ أهمّية عن قلب الإسباني.
- وعن مسارك الإذاعي؟
التحاقي بالإذاعة الوطنية كان من أجمل الأشياء التي حققتها في حياتي، كنت طالبة في السنة أولى جامعي حين تحصلت على الجائزة الأولى في القصة القصيرة في مسابقة نظمتها جمعية أحمد رضا حوحو في مدينة بشار، فوجهت إليّ دعوة لأكون ضيفة على أحد برامجها للحديث عن موهبتي الأدبية، وبعد الانتهاء من التسجيل وجدت مدير إذاعة بشار آنذاك عام 1991، يقول لي أنت مكانك معنا هنا في الإذاعة، يمكنك العمل معنا بالقطعة وأن تواصلي دراستك، وفعلا، إلتحقت بالإذاعة كمتعاونة عام 1991، لأحقق حلم الطفولة في تقديم البرامج الإذاعية، وأنا التي نشأتُ على محبة والدتي للسيدة سامية وبرنامجها «البيت السعيد»، ومحبّة شقيقتي لبرنامج «حظك في الأرقام» للسيدة نوا، وجدتني أنطلق في عالم الأثير الساحر لأقدم البرامج الثقافية والأدبية والاجتماعية، ووجدت العمر يمضي لأعد أكثر من ثلاثين سنة لعشق لا ينتهي للإذاعة.
- للأسرة دور كبير في نجاح الفرد، فهل كان لها تأثير واضح في مسارك؟
هذا أكيد، لحسن حظي أنّني إبنة لمجاهدين، رضعت حبّ الوطن من والدتي المجاهدة التي لاقت من العذاب الشديد في سجن المحتل الفرنسي، ومن حكايات والدي المجاهد عن بطولاته هو ورفاقه رحمهم الله جميعا، ونشأت على حبّ القراءة والمطالعة بفضل أخي الذي خصّص لي منذ طفولتي حيّزا لكتبي الصغيرة التي كانت عبارة عن قصص أطفال اشتراها لي لأكتسب لغة سليمة، فإذا بها تغذي موهبتي في الكتابة، فأكتب الإرهاصات الأولى وأنا لم أتجاوز الإثني عشر ربيعا، وبعد مسار طويل وتراكم المسؤوليات في الحياة، وفي العمل والكتابة وجدت زوجي يسندني ويربّت على أحلامي لتكبر.
- هل حقّقت جميلة كل ما حلمت به؟
لا معنى لحياة الإنسان دون حلم، بل الحلم شريان الحياة، ما زالت أحلامي تكبر في قلبي وتحرّك قلمي ووجداني، تولد على شكل أعمال إذاعية أو كتابات أدبية أو إضافات أخرى في هذه الحياة ليكون الغد أجمل.
- لك الكلمة في نهاية هذا اللقاء.
النّهايات بدايات من نوع آخر، بداية لشيء قد نزرعه في وجدان القارئ، لأثر قد نتركه في هذا البياض. شكرا لجريدة «الشعب» العريقة..شكرا لكم.