منذ إطلاقه يوم الجمعة الماضي، ما فتئ الفيلم القصير «دي زاد ومبي» يحصد علامات الإعجاب والتعليقات الإيجابية على يوتيوب، ناهيك عن مشاركته بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعين، حيث حقّق إلى غاية كتابة هذه السطور قرابة 2.6 مليون مشاهدة وأكثر من 350 ألف إعجاب. تدور أحداث الفيلم في بيئة كارثية، مستقاة من أفلام الزومبي الشهيرة، بحوارات في قالب جزائري محض.
تجري أحداث الفيلم في بيئة أبوكالبتيكية (كارثية) يميزها انتشار الموتى الأحياء، أو ما يُعرف بالزومبي، في مختلف ربوع البلاد. في هذا الوقت، يصارع الرفيقان «غرين» (يؤدي دوره مراد عودية) و«رستم» (يؤدي دوره أركم سلامة)، من أجل البقاء، كما هي الحال في أفلام الزومبي الشهيرة. ويسعى الرفيقان إلى العثور على مدينة ناجين تدعى «زداو»، قبل أن يلتقيا شخصا غريبا. ويجمع الفيلم بين الكوميديا والتشويق.
الفيلم من إخراج «ميستيش» بمشاركة مراد عودية وأركم سلامة، وشارك في التمثيل محمد بارتي (منانوك)، نوميديا لزول، وغيرهما.
الجديد في «دزومبي» أنه، وإن كان يأخذ فكرته من الأفلام السابقة الشهيرة حول هذا الموضوع، إلا أن حواره جاء في قالب جزائري خالص: فالقفشات الكوميدية المستعملة نابعة من الثقافة الشعبية الجزائرية، بلهجات جزائرية (على اختلافها). وقد ارتأينا أن نذكر نقاطا نرى فيها بعضا من مقومات «نجاح» هذا العمل، وإمكانية أن يتحوّل إلى سلسلة افتراضية ناجحة في المستقبل.
العنوان: «دز ومبي Dz’ombie» كلمة تجمع بين «زومبي» و»ديزاد» الدالّة على جنسية العمل الجزائرية.. عنوان بسيط وذكيّ، سهل الحفظ ويعبّر عن المضمون بوضوح.
السيناريو والحوار والتمثيل: على عكس العديد من الأعمال الجزائرية التي ميزها الارتجال والإيقاع الثقيل، بما في ذلك الأفلام الطويلة، جاء إيقاع هذا الفيلم سريعا، بحوارات ممتعة تحضّ المشاهد على مواصلة المتابعة، حوارات بعقلية جزائرية خالصة، لم تسقط في فخّ التقليد الأعمى والمحاكاة، وحتى وإن حصل ذلك في القالب فإنه لم يطل القلب، ناهيك عن التشويق المضمون منذ نهاية الفيلم إلى بدايته. ودون موهبة تمثيلية حقيقية، يتعذّر تجسيد الشخصيات وترجمة النص، مهما كان عبقريا، أمام الكاميرا، لذلك يجدر بنا الإشادة بأداة الممثلين، وهو كتبة النص، أداء عفوي وغير متكلف، شكّل قيمة مضافة للفيلم.
اختيار مواقع التصوير: قد لا يكون في متناول إنتاج سينمائي محدود الميزانية إفراغ شوارع بأكملها لتصوير مشاهد تعبّر عن البيئة الكارثية، ولكن الجزائر بلد قارّة، وأماكن التصوير الطبيعية فيه من الوفرة بحيث يمكن أن تتحول البلاد إلى استوديو عالمي كبير لأهمّ الأعمال السينمائية في العالم، وهو ما لا يتمّ استغلاله «رسميا» للأسف، وهو أيضا ما استغله الشباب الذي أنتج فيلم «دزومبي».
من الشاطئ، إلى محطة البنزين، إلى المسالك الغابية الخالية وما يرافق ذلك من مشاهد طبيعية جميلة، إلى المسكن المحاذي للشلال، إلى المصنع المهجور، إلى المنزل في شارع خالٍ تماما.. كلّ خيارات مواقع التصوير كانت منتقاة برعاية، ومساهمة بشكل كبير في نجاح العمل، وهذا يُحسب لمنتجي الفيلم.
إدارة التصوير والمؤثرات البصرية والتجميل: مرة أخرى، فرضت محدودية الإمكانيات المتوفرة على فريق العمل اللجوء إلى «حيل» لتفادي مشاهد «مُكلّفة»، مرّة باختيار زاوية التصوير مع مونتاج ذكي يوصل المعنى دون رؤية تفاصيله، ومرّات باستعمال مؤثرات بصرية، ناهيك عن التجميل الذي يؤدّي دورا محوريا في مثل هذه الأفلام، المليئة بمخلوقات «الزومبي» أو الأحياء الأموات.
التمويل: يبدو أن العمل حظي بدعم ممول، وهي شركة مشروبات وعصائر جزائرية، وهذا قد يضمن ديمومة العمل واستمراريته، ويمكّن من تقديم مستوى أكبر كونه يوفر إمكانيات أكبر.
الميكساج: قد تكون هذه نقطة القصور الأبرز في الفيلم، حيث تم اللجوء في بعض المشاهد إلى مزج أصوات الممثلين مع الصورة، ولم يكن لذلك أثر جمالي كبير للأسف، كما أن مسألة الموسيقى التصويرية تبقى في نظرنا أكبر نقطة ضعف تعاني منها الأعمال السينمائية الجزائرية، «صغيرها» و»كبيرها»، وهذا منذ سنوات عديدة.
في الأخير، إن شبكات التواصل يبدو أنها قد تحوّلت إلى خزان حقيقي للشاشة، فبعد الفيلم الطويل «يد مريم» الذي أسند أدوار البطولة إلى «اليوتيوبرز»، واعتماد قنوات تلفزيونية كثيرة على ما يُعرف بـ»المؤثرين»، يأتي «دزومبي» ليثير مرة أخرى مسألة القدرات التمثيلية، والكتابية، لروّاد منصات التواصل في الجزائر.. وفي الأخير، تبقى الموهبة هي الفيصل، ويبقى الجمهور هو الحَكَم.