واسيني الأعرج يوّقع شهادته في حق مؤلف «حدث في القرية»:

إبراهيم إسحاق خسر العالمية لكنه ربح السودان

نورالدين لعراجي

أوضح الروائي الجزائري واسيني الأعرج في آخر تغريدة له أنه لا يوجد أقسى من موت المنافي المبكرة معلقا على رحيل الروائي السوداني إبراهيم إسحاق حيث توفي ودفن بالولايات المتحدة الأمريكية وتعذر على أهله ودولة السودان دفنه بالأرض التي عشق تربتها وكتب كل أعماله الروائية والقصصية في أرجائها.
تساءل صاحب رواية «رمادة « واسيني الأعرج، ان كان قد غلا على السودان نقل جثمان إبراهيم إلى أرضه الطيبة التي سخّر لها كل حياته الأدبية والثقافية؟ فقد نعته كل الهيئات الثقافية والحكومية بما في ذلك رئيس الوزراء، ووصف إبراهيم بالروائي «الذي لامست كتاباته الوجدان السوداني بلغة غلبت عليها الفرادة والخصوصية «.
أضاف الأعرج بأن القاص والباحث السوداني كان طفلاً نبيلاً، «وفياً لأحجار قريته ودعة، ولأحلام الناس التي لا تنتهي رفض أن يكبر بسهولة، في غضبه وحبه لكل ما يحيط به، فهو حكاء شعبي ماهر، منذ المدرسة  البيئة التي انحدر منها إبراهيم إسحاق، شكلت موضوعة جوهرية في كتابة معظم أعماله الروائية والقصصية، بما في ذلك تجربته الشعرية القصيرة التي لا يعتبرها مهمة في مشروعه الأدبي.
ذكر واسيني بأنه تعرف على إبراهيم اسحاق في نهايات السبعينيات من خلال روايته الأولى «حدث في القرية « قبل أن يلتقيه بالخرطوم، واكتشف شخصية مغرقة في البساطة والجمال، وقال إنه عندما سلمه رواياته وقصصه ودراساته، خجل من ان الفقيد لم يقرأ له إلا روايته الأولى «حدث في القرية « بينما حدثه هو عن «البيت الأندلسي» التي طبعت في السودان، و»شرفات بحر الشمال « و» طوق الياسمين « وغيرها، وساقهما الحديث عن روايته: «نوار اللوز» التي اعتمدت تيمة الرحلة الهلالية، إلى الغوص في الأثر الهلالي في السودان وكان من أجمل ما سمع، وهو ما لا نعرفه للأسف بحسب الأعرج، إذ لا تتخطى معارفنا حول الرحلة لحظة شح الأرض في بلاد نجد، والانطلاق في تغريبة قاسية باتجاه بلدان المغرب الكبير.
استخدام المبدع اسحاق اللهجة العامية في كتاباته ليس تنميقاً، ولكنه جزء من العملية الإبداعية ومن البنية النصية التي اختارها الروائي ليجعل من السودان البسيط وغير المرئي بالنسبة للنخبة المنفصلة عن تاريخها سوداناً حياً بيومياته ولغته. لكن لهذه الخيارات خسارات كبيرة أيضاً، لأن العامية تغلق على النص في مساحاته الثقافية والمحلية، وربما كان هذا الثمن الذي قبل إبراهيم إسحاق دفعه بوعي، مقابل ربح رهانه الشعبي.

مأساوية الأقدار يصنعها الأفراد قبل أن تبلورها الصدف الحياتية

 قال واسيني ان الفقيد نشر أول رواية له «حدث في القرية « سنة 1969، وهي نفس السنة التي نشر فيها الطيب صالح نصه المرجعي الكبير «موسم الهجرة إلى الشمال « الذي حقق عالمية غير مسبوقة، معتقدا «أن الاستعمال الكبير للعامية السودانية قلّل من انتشارها، إذ لم تنل حقها الذي تستحقه عربياً على الأقل ولكن السؤال الكبير»، هل كان إبراهيم إسحاق في تواضعه الصوفي وحبه للجذور الثقافية السودانية المتعددة معنياً بالشهرة والعالمية؟ لا أعتقد. فقد خسرها ربما، لكنه ربح السودان الذي أحبّ».
ختم واسيني توقيعه في حق الكاتب ابراهيم اسحاق قائلا: «بشكل فجائي وفجائعي، غادرنا إسحاق قبل أيام دون تلويحة وداع أو قبلة عابرة كتلك التي كثيراً ما نبعث بها للأصدقاء من بعيد» حيث خرج ولم يعد، إلا أصداء خبر، متسائلا في ذات الصدد «هل مآل كل كاتب عظيم المنافي القاسية؟ عاش في السودان مرتبطاً بشعبه وحكاياته وأساطيره التي سخر حياته كلها لتفكيكها وإدراجها ضمن مخيال الكتابة، وفي النهاية وبصدفة الأقدار والمرض، توفي في أمريكا، في هيوستن دُفِن هناك لأن ابنته شاءت ذلك؟ وهل إبراهيم ملكية عائلية أم ملكية حضارية وثقافية لبلد عظيم كالسودان؟ ماذا كان سيحدث لو دفن العلامة الطيب صالح السوداني الثقافي الكبير في بريطانيا استجابة لما شاءته العائلة ؟ حالة تذكّر بمأساوية الأقدار التي يصنعها الأفراد أولاً قبل أن تبلورها الصدف الحياتية.
للتذكير ولد إبراهيم إسحاق عام 1946 في قرية ودعة، حيث تلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي، وتخرّج من معهد المعلمين العالي في العام 1969 «كلية التربية جامعة الخرطوم» ومعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية في جامعة الخرطوم في العام 1984، سافر عام 1982 الى السعودية واستقر في مدينة الرياض لعدة سنوات، قبل أن يعود في 2006 إلى السودان ويستقر به نهائياً كما انه تقلد مناصب تشريفية عدة، منها رئيس اتحاد الكتاب السودانيين عام 2009 وعضوية مجلس تطوير وترقية اللّغات القومية في السودان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024