لو يتوقف شباك التذاكر العالمي عن تسجيل المداخيل، رغم الظروف الاستثنائية بسبب الأزمة الصحية العالمية، ورغم غياب أكبر الإنتاجات السينمائية التي وعدتنا بها هوليوود، سنة 2020. وفيما فضّل منتجون إطلاق أفلامهم رغم هذه الظروف، وراهن آخرون على المنصات الرقمية بديلا عن قاعات السينما، فرض قطب سينمائي جديد قادم من الشرق نفسه في شباك التذاكر العالمي للسنة المنقضية، وفي سابقة من نوعها، افتكّ المرتبة الأولى من هوليوود.. هذا القطب الجديد هو الصين.
نشير في البداية إلى أن هذا التقييم خاص وفريد من نوعه، تماما مثلما كانت عليه السنة المنقضية. مثلا، بعد أن اعتدنا على الأفلام التي تجاوزت مداخيلها العالمية عتبة المليار دولار (ويبقى فيلم مارفل Avengers Endgame صاحب أكبر نجاح عالمي على الإطلاق) فإن أرقام شباك التذاكر العالمي عام 2020 أقل جنونا بكثير، حيث أنهى صاحب المرتبة الأولى السباق بـ 461 مليون دولار (فقط؟) وهو ليس فيلما أمريكيًا. فيما لا تشارك هوليوود سوى بخمس عناوين فقط في قائمة المراكز العشرة الأولى.
نشر الموقع السينمائي المتخصص «Allocine» ترتيب العشر الأوائل عالميا للسنة الماضية، وننقل لكم هذا الترتيب مدعما بمعلومات وملاحظات من مصادر أخرى، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام غير ثابتة.
المركز العاشر: «التضحية THE SACRIFICE» بـ 161.047.608 دولار
في المرتبة العاشرة نجد فيلم حرب صيني بعنوان: «التضحية» (عنوانه الأصلي «جين غانغ تشوان») من إخراج أربعة مخرجين، هم «خو غوان»، «فرانت غوو»، «يانغ لو»، و»يوشنغ تيان». يعود بنا الفيلم إلى عام 1953، عندما قاربت الحرب الكورية نهايتها بالهجوم على مدينة كومسونغ. صدر الفيلم الخريف الماضي في الصين، وهو مبني على سباق مع الزمن، حيث يسابق الجنود الوقت حينما يسعون إلى إصلاح الجسور التي دمرها قصف الأعداء الذين لم يتوقفوا عن تهديدهم، وذلك من أجل تعزيز جبهة المعركة التي استمرت من 10 إلى 23 جويلية.
المركز التاسع: «بيردز أوف براي BIRDS OF PREY» بـ 201.858.461 دولار
بين جزئين من «فرقة الانتحار»، من إخراج ديفيد آير ثم جيمس غان، يأتي هذا الفيلم، الذي أخرجته كاثي يان، ليخصّ شخصية هارلي كوين، رفيقة «الجوكر» الشهيرة (وتؤدي دورها الممثلة مارغوت روبي) بفيلم منفرد خاص بها، يروي قصة بداياتها. ويعتبر هذا الفيلم أحد أفلام الأبطال الخارقين القليلة التي ظهرت على الشاشة الكبيرة في عام 2020. وشارك في الفيلم ممثلون ذوو شهرة على غرار إيوان ماكغريغور. ورغم الآمال التي كانت معلقة على هذا الفيلم، بالنظر إلى الشخصية التي يتطرق إليها، فإنه، منذ صدوره، شهر فبراير، من السنة الماضية، لم يحقق المداخيل المتوقعة، ولكنه رغم ذلك يحتل مكانة في قائمة الأفلام العشرة الأوائل.
المركز الثامن: «جيانغ زيا JIANG ZIY» بـ 240.651.074 دولار
فيلم صيني آخر يحجز له مكانا في العشر الأوائل، ولكنه هذه المرة من نوع التحريك ثلاثي الأبعاد، وهو جيانغ زيا، وعنوانه الإنجليزي المعتمد رسميا في الصين هو Legend of Deification. تم إصداره في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بداية أكتوبر الماضي، في نفس الوقت مع إصداره في بلده الأصلي، حيث حصل على الجزء الأكبر من المداخيل. وقد تأخر إطلاق الفيلم بسبب جائحة كوفيد19، بعد أن كان من المفترض إطلاقه، شهر جانفي من العام الماضي. يتطرق الفيلم إلى قصة جيانغ زيا، المحارب من عوالم أخرى، الذي نُفي إلى العالم الفاني، والذي يجب عليه هزيمة شيطان للوصول إلى ملكوت السماء، وهو مقتبس من الميثولوجيا الصينية. الفيلم من إخراج «تنغ تشينغ» و»لي واي ران».
المركز السابع: «رحلة الدكتور دوليتل» بـ 245.247.591 دولار
على عكس الدور الذي سبق لإيدي مورفي تأديته، والذي يصوّر الدكتور دوليتل في العصر الحديث، فإن الدكتور القادر على التواصل مع الحيوانات، في نسخة الممثل روبرت داوني جونيور، يروي تفاصيل قصة تدور في زمن مضى. ولعلّ الملاحظ في هذا الترتيب أن روبرت داوني جونيور صاحب دور «آيرون مان» (الرجل الحديدي) متعود على مداخيل المليار دولار، ولم يحقق نفس القدر من النجاح مع هذه النسخة الجديدة من مغامرات الدكتور دوليتل، التي بلغت ميزانيتها 175 مليون دولار. ولعل ما أنقذ الفيلم قليلا هو صدوره، مطلع فبراير الماضي، أي قبل الجائحة وغلق قاعات السينما بقليل، ما سمح له باحتلال المركز السابع عالميا. الفيلم من إخراج ستيفن غاغان، ونجد إلى جانب روبرت داوني جونيور كلا من أنطونيو بانديراس، جيسي باكلي، مايكل شين، وجيم برودبنت.
المركز السادس: «سونيك SONIC» بـ 310.669.856 دولار
قبل عام من صدور الفيلم، لم يكن الرهان كبيرا على مثل هذه النتيجة، بعد نشر مقطع دعائي دفع الفريق المسؤول عن المؤثرات الخاصة لمراجعة تصميم القنفذ الأزرق السريع «سونيك». جمع هذا الفيلم العائلي بين التصوير بمشاهد حقيقية والشخصية التحريكية لسونيك، الذي يواجه الدكتور روبوتنيك (أدى دوره جيم كاري). في نهاية الأمر نجح الفيلم، الذي تم إصداره في 12 فبراير 2020، من تحقيق إيرادات تقارب 311 مليون دولار، مقابل بميزانية إنجاز بلغت 85 مليون دولار. ما دفع إلى التخطيط لإنجاز تتمة للفيلم.
المركز الخامس: «قاتل الشيطان DEMON SLAYER» بـ 318.418.264 دولار
بهذا الفيلم التحريكي»قاتل الشيطان: قطار اللانهاية»، تسجّل اليابان حضورها في شباك التذاكر العالمي. الفيلم مأخوذ من سلسلة تحمل نفس الاسم، وقد استغل هذا الفيلم الأخيرة من عام 2020 ليصبح رسميًا أكبر نجاح في كل الأوقات في شباك التذاكر الياباني، ليتجاوز بذلك فيلم التحريك الطويل الآخر «Le Voyage de Chihiro» الذي احتل العرش، منذ عام 2001. وفي هذا الفيلم، الذي أخرجه «هاروو سوتوزاكي Haruo Sotozaki»، ينهي تانجيرو وفريقه تدريبهم، ويستقلون قطار اللانهاية، يدفعهم إلى ذلك اختفاء أربعين شخصا في ظرف وجيز.
المركز الرابع: «تينيت TENET» بـ 362.629.000 دولار
هذا الفيلم المنتظر لكريستوفر نولان خلق إثارة حتى قبل إطلاقه، حيث لم يكن يُعرف إن كان سيتمّ إطلاقه الصائفة الماضية أم لا، أو إذا كان سيستقطب الجمهور (المتوجس من العودة إلى قاعات العرض في حال فتحها) أم لا. ثم تحوّل الفيلم إلى منقذ محتمل للسينما الهوليودية في ظل الظروف الحالية، وإن كانت ردود الفعل حوله متباينة إلى حدّ كبير.
قد نخص هذا الفيلم بمقال منفصل، لأننا نرى أنه يستحق ذلك، كما أن جميع أعمال كريستوفر نولان، التي نقلت أفلام الخيال العلمي إلى «أفلام الحقيقة العلمية»، لاعتمادها الكبير على مبادئ الفيزياء الكمية، ولكن بغضّ النظر عن عدم فهم بعض الجمهور للفيلم، وبغضّ النظر عن كونه ليس بالضرورة أحسن أعمال نولان (التي يتصدرها فيلم إنتر ستيلار)، ورغم الظروف الحالية التي سببتها الأزمة الصحية، فإن «تينيت» استطاع أن يضمن مركزا مشرفا وكان بإمكانه أن يصنع الحدث في ظروف أقل استثناءً من هذه، لكنها مع ذلك نتيجة لم تطمئن صناعة السينماتوغرافيا التي فضلت الانتظار حتى عام 2021.
يُذكر أن «تينيت» قد صدر في 26 أوت 2020، مدته ساعتان ونصف، ومثلت فيه أسماء منها جون ديفيد واشنطن، وروبرت باتينسون.
المركز الثالث: «شعبي، وطني» بـ 422.384.094 دولار
فيلم صيني آخر يحتل مركزا متقدما في شباك التذاكر العالمي في 2020، هو فيلم «شعبي، وطني MY PEOPLE, MY HOMELAND». يتشكّل الفيلم من 5 قصص قصيرة مختلفة، الأولى هي «أناس بكين الجيدون»، والثانية «يوفو يسقط من السماء»، والثالثة «الدرس الأخير»، والرابعة «الطريق إلى المنزل» (أو الموطن)، أما الخامسة والأخيرة فتحمل عنوان: «ما ليانغ». وعلى الرغم من زيارته لدور السينما الإنجليزية، فقد حقق الفيلم القدر الأكبر من مداخيله في بلده الأصلي، منذ إطلاقه أكتوبر الماضي.
عنوان الفيلم الأصلي هو «وو هي وو دي جيا شيانغ»، ونجد أن اسم المخرج الأول المذكور هو «تشاو دينغ»، ولكن بحثا سريعا في الشابكة يجعلنا نكتشف أن للفيلم 9 مخرجين (8 مخرجين حسب موقع IMDB)، و7 منتجين، و26 مؤلفا، و4 مؤلفي موسيقى.
المركز الثاني: «باد بويز فور لايف Bad Boys For Life» بـ 426.505.244 دولار
سجّل هذا الفيلم عودة ويل سميث ومارتن لورانس إلى التمثيل معا مجددا، ولكن يبدو أن هذه المرة ستكون الأخيرة، حيث اختتمت سلسلة أفلام كوميديا الأكشن الشهيرة «باد بويز». نقول اختتمت إلى حين، وهو على الأقل ما نفهمه من قصة الفيلم، ونلاحظه على مارتن لورنس الذي يبدو أنه تقدم في السن لإنجاز أفلام الحركة.. ولكن، كما هي عادة هوليوود، يُشاع أن مشروع الجزء الرابع من السلسلة قد وُضع على الطاولة، خاصة وأن هذا الجزء الثالث، الذي صدر الفيلم بداية العام الماضي، وبالضبط في 22 جانفي، حقق أكبر نجاح في الثلاثية. كما شهد هذا الجزء استبدال مايكل باي بالثنائي عادل العربي وبلال فلاح في الإخراج، وهو الثنائي الذي لم يفوّت فرصة أول ظهور له في هوليوود.
المركز الأول: «الثمانمائة THE EIGHT HUNDRED» بـ 461.339.528 دولار
وكما بدأنا الترتيب المتصاعد بفيلم الحرب الصيني «التضحية»، فإننا ننهيه بفيلم حرب صيني كذلك، حيث أن المتصدّر لشباك التذاكر العالمي لـ2020 هو فيلم «الثمان مائة».
معلومة هامة أخرى: هذا الفيلم من إخراج خو غوان، الذي هو أيضا أحد مخرجي فيلم «التضحية» صاحب المرتبة العاشرة، كما شارك غوان في كتابة نص الفيلم. والفرق هنا هو المخرج وحده من يتحكم في هذا الإنتاج الضخم، الذي تدور أحداثه عام 1937 حيث يحاول 800 جندي صيني مقاومة الجيش الياباني المحيط بهم، خلال حصار شنغهاي.
ويعتبر هذا الفيلم، عنوانه الأصلي «با باي»، أول فيلم من خارج هوليوود، وغير ناطق بالإنجليزية، يحقق هذه المرتبة، كما يؤرّخ هذا الفيلم للمرة الأولى حيث تفوقت السينما الصينية على الأمريكية في شباك التذاكر العالمي، حتى وإن كان ذلك يُعزى بشكل كبير إلى جائحة كوفيد19.
يُذكر أن الفيلم قد صدر في 21 أوت من العام الماضي، باللغات الصينية، اليابانية والإنجليزية، وقُدّرت ميزانية إنتاجه بـ80 مليون دولار.
خلاصة القول..
صحيح أن الظروف الاستثنائية التي تسببت فيها جائحة كوفيد19، وغلق قاعات السينما في العديد من دول العالم خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، ساعدت على هذا التقدم الملحوظ للأفلام الصينية على مستوى شباك التذاكر العالمي. كما أن هذه الأرقام تتعلق بشباك التذاكر، ولا تعطينا نظرة حقيقية عن نسبة المشاهدة العالمية، خصوصا مع هجرة السينما سنة 2020 إلى المنصات الرقمية، وعلى رأسها «نتفلكس».
ولكن، ليست هذه المرة الأولى التي تحتل فيها أفلام صينية مراكز متقدمة في شباك التذاكر العالمي، على غرار «ذا مارمايد» (المرتبة 14 سنة 2016)، «وولف واريور» (المرتبة 7 سنة 2017) مباشرة وراء فيلم «سبايدرمان هومكومينغ» ومتقدما «حراس المجرة» في جزئه الثاني، «عملية البحر الأحمر» و»محقق تشايناتاون 2» (المرتبتين 13 و14 على التوالي سنة 2018)، مباشرة وراء «ريدي بلاير وان» لستيفن سبيلبرغ، وغيرها من الأمثلة.
من جهة أخرى، فإن هذه الأرقام المحققة تثبت أهمية السوق الداخلي الصيني للصناعة السينمائية، دون أن ننسى عدم استفادة الأفلام الصينية من التوزيع العالمي القوي، وهي اعتبارات تجعل من الصين قطبا سينمائيا جديدا، قد نضيف إليه السينما اليابانية والكورية، وهو ما يجعلنا نتوقع للسينما الآسيوية أدوارا شديدة الأهمية في المستقبل.