أسماء تتحدّث عن ردود الفعل حول مرض الرئيس

النّخبة تتصدّى للإشاعة وتدعو إلى تعزيز الخطاب الثقافي

أدار الندوة: نور الدين لعراجي

تتحدّث أسماء ثقافية لـ «الشعب» عن دور النخبة والمثقف فيما يجري، وعن ضرورة تواصل هذه النخبة مع المحيط والسياسة، وعن دورها في التصدي لمن يزرع سموما قد تؤثّر على الرأي العام والنسيج الاجتماعي، وعن مرض الرئيس الذي حرّك ردود فعل كثيرة في الأوساط الثقافية، مثلما حصل في الأوساط السياسية..
ردود الفعل حول ظهور رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون صنعت الحدث ليس في الأوساط السياسية فحسب، بل في الساحة الثقافية أيضا، بما فيها نخبة رفضت أية ممارسات أو تصريحات تسبق الأحداث حول مرض الرئيس. لكن في المقابل كانت حجر عثرة للأبواق وأصحاب الإشاعة، لذلك تدعو منذ الحراك الشعبي إلى تجاوز سلوكيات النظام السابق، وحرصت أن يكون الاتصال في مؤسسات الدولة وفق ما تقتضيه الظروف، مع عدم ترك فراغ لتأويلات مجانية. الموضوع طرحته «الشعب» على أسماء وشخصيات في المشهد الثقافي.

البروفيسور ملاحي: المثقّف غير قادر على تفعيل الواقع السياسي

قال البروفيسور علي ملاحي، أستاذ الأدب العربي بجامعة الجزائر 2، إنّ «التعامل مع مصطلح النخبة المثقفة لم يعد يتضمن معنى إيجابيا بالضرورة، لأنّه اختلط بمفاهيم سياسية عطّلت امكاناته وحولته إلى طرف تابع لتيارات وهيئات، فأصبح المثقف بدون هوية وبدون ثقل وبدون إستراتيجية».
أكّد المتحدّث أنّ «الظروف المحيطة المحبطة أنزلته ليكون سلبيا مستلبا، وقد فهمت القمة عقدة النقص التي تعاني منها النخبة المثقفة، فسخرت لهم الفتن الثقافية وقزمتهم وأشعرتهم بعدميتهم الاجتماعية، وهو ما نعيشه على أوسع نطاق وإفراغ النشاط الثقافي من الجدية من أجل تمرير قانون إقصائه وإخضاعه لقاعدة الأمر الواقع». واستبعد الدكتور ملاحي أي دور فاعل لما يسمى بالنخبة المثقفة، مع وجود ثقافة هشة نعيشها على المستوى الواسع بما فيها الإطار الأكاديمي.

بعيدا عن ثقافة هلامية غير مؤسّسة..

 حسب تصوّر ملاحي، المثقف «بكل شرائحه ومنطلقاته غير قادر على تفعيل الواقع السياسي، لأنه مغيب فيه بحكم المعايير التي يعيشها، فهو هش إلى حد الخيبة ولا يمكن المراهنة على مشروعية العلاقة بينه وبين «القمة» لأنّنا باختصار نعيش ثقافة هلامية غير مؤسّسة».
وأوضح الأستاذ ملاحي أنّه «في غياب المؤسسات الثقافية التي تحولت إلى إدارات عمومية محددة المهام والوظائف، لابد من الإقرار أن ما نتج عن هذا الضمور الثقافي هو دخول المثقفين الفعليين في عزلة قهرية ممّا مكّن بعض الطفيليين من الاستيلاء، بل والاستبداد في الحقل الثقافي الذي أهملته القمة باعتباره واجهة لا أكثر يلجأ إليها ساعة في العمر على غرار قراءة قصيدة في حفل، تقديم فاصل موسيقي، عرض لوحة تشكيلية لملء الفراغ، وهو أسلوب تذليل ستكون نتيجته دخول المجتمع في حالة إبهام متواصل، لأن الثقافة التي تبني على فكرة التشهير لا تصنع نخبة». ودعا ملاحي الذين يتعايشون ثقافيا مع هذا الواقع أن يدركوا أن الواقع بكل إحباطاته قد عمّ الى حد التخمة، وحتى تستعيد هذه النخبة فعاليتها، لابد أن يعطى الاعتبار لهذا المثقف الذي فقد مصداقيته.

راضية جراد: الطّبقة المثقّفة التزمت الحياد

أكّدت الباحثة والناقدة راضية جراد، أنّ النخبة المثقّفة لها دور فعّال في الحياة السياسية، «حيث كان لها التأثير البالغ في تسليط الضوء على وحشية الاستعمار في خمسينيات القرن الماضي، وبقي تأثيرها لغاية ما بعد الاستقلال، كافحت وعملت جاهدة لترسيخ الهوية الوطنية بمختلف النشاطات والمشاهد، لكن تراجعت نشاطاتها في العشرية السوداء بسبب استهدافها من جهة، وممارسة الضغوط السياسية عليها من جهة أخرى، مما اضطر الكثير منها إلى الهجرة أو التقوقع والتزام الصمت».
وأضافت الأستاذة جراد، أن الطبقة المثقّفة «تعوّدت الصمت وسياسة النأي بالذات لسنوات طوال بعد العشرية السوداء، وصولا إلى ظهور الحراك الشعبي وتغيّر الظروف اضطرت هذه الاخيرة الى الظهور وإخراج صوتها للعلن وقول كلمتها، بحيث طالبت بمحاسبة كل من طالت أياديهم جيوب الشعب ومؤسسات الدولة، وطالبت علنا ببناء جزائر جديدة منقطعة سياسيا عن الجزائر القديمة». وعن دورها إزاء مرض الرئيس تبون قالت «لقد سادت حالة من الغموض في المشهد السياسي ممّا أتاح الفرصة لإطلاق وابل من الإشاعات، تغذى منها الشعب وتبناها، وهنا لا نلوم الشعب الجزائري الذي عاش سباتا سياسيا لأكثر من عشرين سنة، والذي ثبط فيه وعيه السياسي. أما الطبقة المثقفة فلقد التزمت الحياد في غياب المعلومة الصحيحة، وحيادها ناتج عن وعيها بمدى حساسية الفترة التي نعيشها، والتي تعتبر من اصعب المراحل التي تشهدها الجزائر منذ الاستقلال، فالأعداء يتربّصون بها من كل الجهات».

فضاء تواصل بين الطبقات السياسية والثقافية لمواجهة أي طارئ

في الأخير، أوضحت الباحثة جراد، أن صوت الطبقة المثقفة في هذا الوقت «لا يفهم بالشكل الصحيح وقد يكون رأيها مبهما، وقد يحتمل الخطأ بسبب تذبذب المعلومة وكثرة الأخبار المغلوطة. لذلك وجب خلق فضاء تواصل بين الطبقات السياسية والثقافية مع الشعب لمحاربة كل اوجه الغموض، وبالتي القضاء على كل انواع الاشاعات التي هدفها زعزعة استقرار البلاد».
الرّوائي محمد زتيلي: شح في المعلومة
عاد الكاتب والإعلامي محمد زتيلي إلى المرحلة التي شهدتها الساحة الثقافية، وتعاملها مع مرض الرئيس تبون قائلا «المرض قضاء وقدر، ولأول مرة يكون الوضوح بخصوص مرض الرئيس مخيما بحزنه على معظم الشعب الجزائري، لهذا كان رد الفعل المكثف هو الدعاء والتضرع للمولى عز وجل بعودته معافى. هذا لم يحل دون ظهور بعض الكتابات من ذوي الأحقاد التي تعمي البصيرة، ومثل هذه السلوكيات شيء منتظر. وحسب زتيلي، كان لظهور الرئيس في رسالة متلفزة صوتا وصورة من ألمانيا الأثر الإيجابي، الذي كشف زيف وحقد الإشاعات التي روّجت حول غيابه.

كشف زيف وحقد الإشاعات..

 أوضح الروائي محمد زتيلي، أن «الرأي العام لم تؤثر فيه الإشاعات، ولم يستعجل عدم توقيع قانون المالية لعام 2021 ووثيقة الدستور الجديد، بقدر ما كان قلقه على حالة مرض الرئيس في ظروف تميزت بالتوترات الدولية من صنع أطراف تحاول زعزعة الاستقرار الداخلي».

الكاتب سلوم السعيد: مقاومة الإشاعة والتّصدّي لها

قال الكاتب السعيد سلوم «على النخب المثقّفة اليوم متابعة تسكع المواطن العادي على حسابات التواصل الاجتماعي، وخوضه في إشاعات وسجالات قد تكون محترفة منحرفة، تقوّض الجهود المبذولة، فالجميع ضد الجميع في فضاء ليس أزرق، ولا نهاية لمنحدراته الصخرية التي تسع الكل، وفي قلب قضايا وطنية حسّاسة أو شائكة مثل ما حدث مع مرض الرئيس، حيث لم تستطع الطبقة المثقفة مقاومة الإشاعة والتصدي لها». ودعا القاص سلوم إلى إبداع ثقافة الوحدة والتلاقي حول الأهداف المشتركة الوطنية العامة «وليس الانسياق وراء ثراء ثقافي مزعوم لا طائل منه، هذا إن لم يضاعف من تفرقتهم إلى شيع تحت طائلة غطاء الاختلاف رحمة، وغطاء الديمقراطية والموروث». وأكّد المتحدث أنّ النّخب هي التي أنهت دورها بنفسها، وتركت الجزائر عرضة لنشر السّموم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024