انتصر القاص عيسى بن محمود للنص الجزائري واعتبره أنموذجا على الصعيد العربي والقاري، وقال إنه يصنع تميزه على اللغة بطريقة مدهشة مما جعل المشارقة يربطون ذلك بإطلاع الكاتب الجزائري على لغات أخرى، ولعل السعي لإثراء المشهد بمحاولة خلق التميز أو التفرد كانت أيضا من الأسباب التي جعلت رهان الكاتب الجزائري يصل إلى الضفة الأخرى كما وكيفا، وعرج القاص الرحالة بن محمود عيسى في حواره مع «الشعب» إلى مواضيع وقضايا ثقافية وأدبية تهم الراهن.
- الشعب: ما هي قراءتكم للمشهد الثقافي اليوم؟
القاص عيسى بن محمود: في قراءة المشهد الثقافي علينا النظر للصورة الحالية والرهانات الموجودة وربطها بالتراكمات الأدبية الجزائرية، ومن ثم التقييم حتى لا نقول الحكم لها أو عليها وهي فسيفساء بين الإجادة والإبداع والتواضع لكن يجلس الكل في سلة واحدة بسبب محدودية النقد وعدم جديته أحيانا أو محاباته وركوبه على أكتاف البارزين ليبرز بدوره، وتوفر الفضاءات التي تتيح للكل السباحة دون تمحيص الجيد من المتوسط، مما يصعب المراهنة على أسماء بعينها للاستمرارية وخلق التميز.
- خضتم تجربة النص القصصي في أكثر من إصدار، هل السرد هوايتكم المفضلة؟
مع أن البدايات زاوجت بين الشعر والسرد والفن التشكيلي، إلا أن تقسيم الحزمة الإبداعية على عدة فنون يشتت تركيز الجهد، مما جعلني أنتصر مع سبق إصرار للقصة القصيرة تحديدا، ولا بأس من الإقرار إني من خلال قراءتي لجل المدونة الشعرية العربية شعرت أني لا أستطيع أن أضيف للمشهد بينما فكرت أن إضافتي للسرد ممكنة من خلال التعامل مع القصة والتنظير لها داخل النص الإبداعي.
- يلجأ الكثير من القصاصين إلى تجربة المتن الروائي، هل فكرتم في ذلك؟
القصة قريبة من الرواية قريبة من الشعر، ورواد الجنسين معا أغوتهم الرواية ولكل أسبابه ومبرراته، وأرى أني لم أنصف القصة بعد ولم تصبح بدورها أضيق من أن تحتويني، وأرى في الوقت ذاته أن الرواية أقرب ما تكون إلى مشروع مجتمع من حيث التأثيث والأحداث والقاموس، ولا أستبعد العودة إلى مشروع رواية كنت بدأته منذ سنوات، مع أني في كل الحالات لا أذهب إلى الرواية لذاتها ولكن لطبيعة الأحداث والموضوع الذي لا تسعه القصة.
- الكتابة الأدبية الجزائرية الشبابية حققت حضورها النوعي والإبداعي، ما هي العوامل التي ساهمت في بعث النص المحلي؟
مع أنه ليس كل ما يلمع ذهبا سواء في الواجهة الإعلامية أو المسابقات، إلا أن أسماء عديدة سجلت حضورها بتمكن ولكل عوالمه مع الانخراط الواسع في العملية الثقافية عكس ما كان عليه الحال عند الأجيال السابقة وتوفر إمكانيات الإطلاع والمثاقفة، وكذا الشأن للإحتكاك من خلال الملتقيات والمهرجانات والفضاءات الإلكترونية مما صقل التجارب أكثر، ويمكنني أن أزعم أن النص الجزائري حاليا يشكل فارقا جميلا من حيث اشتغاله على اللغة والتجاوز.
- كنتم أحد الأسماء الفاعلة في عاصمة البيبان وإشرافكم على محطات إعلامية وثقافية، هل شعرتم أن العالم الافتراضي أصبح ملزما لأي فعل ثقافي سواء في ظل الجائحة أو غيرها؟
أنتصر للميدان مثلما أنتصر للنص الورقي أكثر من العالم الافتراضي والضوئي، لكن هذه التقنية تتيح التواصل بشكل ايجابي وفعال وواسع مما ساهم في نجاح ونجاعة النشاطات الثقافية التي أقمناها، وساهم في إيصال صداها والتفاعل معها إلى أبعد مما كنا نراهن، وسنصل بعد انقشاع هذا الداء وعودة الحياة إلى مجاريها العادية إلى خلق مزاوجة ايجابية بين النشاط الميداني والعالم الافتراضي.
- ماذا عن مشاريعكم الثقافية والأدبية القادمة؟
على صعيد النشاط الجماعي سيستمر البرج في فضاءاته التي أصبحت تعد محجا للشعراء والكتاب والمهتمين بالشأن الإبداعي والثقافي من خلال منابره العديدة، على الصعيد الشخصي وبعد استراحة المحارب آن لي العودة إلى الاشتغال على مجموعة قصصية رابعة وإفراد كتاب لقراءاتي لإعمال في القصة والشعر والرواية، وكما قلت سابقا لا أستبعد مباشرة الفصول المتبقية من رواية تقاعست عنها لأسباب موضوعية.
- النص الجزائري سواء في الشعر أو النثر تعدى خطوط المحلية نحو الضفة الأخرى عربيا وإقليميا، من خلال الجوائز العربية في الرواية والقصة والشعر والنقد، هل هي علامات التميز وإضافة للموسوعة الوطنية؟
يشتغل النص الجزائري على اللغة بطريقة مدهشة مما جعل الإخوة المشارقة يربطون ذلك بإطلاع الكاتب الجزائري على لغات أخرى، ولعل السعي لإثراء المشهد بمحاولة خلق التميز أو التفرد كانت أيضا من الأسباب التي جعلت رهان الكاتب الجزائري يصل إلى الضفة الأخرى، وهو ما يجعل الموسوعة الوطنية ثرية كما وكيفا.
القاص عيسى بن محمود من مواليد أولاد دحمان 1968 بولاية برج بوعريريج، إلى جانب كتابة القصة فهو فنان تشكيلي أيضا، صدر له العديد من الأعمال الأدبية من بينها:
1 - «الشليطة تغمر المدينة» وهي مجموعة قصصية عن دار الكتاب العربي بالجزائر.
2 - «حزيرانيات» وهي مجموعة إلكترونية عن دار الصداقة للنشر والتوزيع غزة فلسطين.
3 - «رحيل» – قصص عن منشورات الاختلاف – الجزائر.
4 - «روح الأبالسة» مجموعة قصصية - عن دار فضاءات بالأردن.
سبق له أن نشر أعماله السردية والنقدية بعدة جرائد وطنية وعربية، بالإضافة الى انه كاتب عمود صحفي سابقا في احدى الوسائل الاعلامية وعضو فاعل في عديد الملتقيات الأدبية، وهو من مؤسسي بعض الفعاليات المدنية مثل جمعية الهلال الثقافية، الندوة الثقافية أحاديث العشيات، الندوة الثقافية بصمات.
يعتبر عيسى بن محمود من الأعضاء المؤسسين لجبهة كتاب القصة القصيرة في الجزائر، رئيس نادي الجاحظية الجهوي سابقا وعضو المجلس الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين، كما أشرف وقدم عدة أعمال أدبية عربية، عضو تحكيم عديد المسابقات في القصة القصيرة وطنيا وعربيا.