أصدر الكاتب كمال مغيش مؤلفا جديدا عنونه بـ «دراجيون في الذاكرة» حديث في الرجال والسير، الكتاب يقع في 184 صفحة من الحجم المتوسط ومقاس 14/20، صادر عن دار خيال للنشر والترجمة، ببرج بوعريريج، حيث حملت صورة الغلاف لوحة للفنان العالمي خالد بوكراع، الذي ينحدر من ربوع منطقة الحضنة.
يتضمّن الكتاب عمليات بحث في سير ذاتية لـ 36 شخصية دراجية «تنتمي إلى عرش أولاد دراج»، الممتد من ربوع ولاية المسيلة الى غاية ولايتي ام البواقي وتبسة شرقا، إلا أن الكاتب كمال مغيش ركز على الأحياء والأموات الذين استوطنوا المنطقة وعرفهم عن قرب وسمع عنهم عن طريق روايات منقولة، وعرج على سير شباب يصنعون التحدي في المنطقة ويواصلون فتوحاتهم في شتى المجالات.
الإصدار مدعّم بـ 33 صورة لأصحاب السير، وهي أول تجربة في تدوين هكذا عمل على مستوى الجهة، ولعلها تكون بارقة أمل في أن تتبع بأعمال أخرى سواء على مستواه، أو على مستوى الكتاب والمؤرخين ومثقفي المنطقة.
قام «كمال مغيش» بعمل نادر واستثنائي من شأنه تكريس فعل جديد غير متعارف عليه في المشهد الثقافي الجزائري، حيث كتب عن رجال مدينته «أولاد دراج» بولاية المسيلة، مستذكرا مآثر بعضهم من حقب قديمة ومستحضرا تجارب الأحياء، الذين قدّموا وجها مشرقا عن «أولاد دراج».
لهذا الكتاب قيمة تاريخية، توثيقية لسير رجال رحلوا، وقيمة راهنية - حضارية تتعلّق بالاعتراف وتثمين الأدوار العلمية والاجتماعية للأفراد المتميزين ضمن فضاء جغرافي محدد، حيث تنوعت الشخصيات التي كتبت عنها، بين المفتي والشهيد، المجاهد والإمام،المربي والقاضي، الإعلامي والأستاذ الجامعي...إلخ.
محمولات روحية، اجتماعية وطقوسية
علّق الأستاذ الجامعي والمؤرخ سيحمدي بركاتي على الإصدار قائلا: «منذ فتحنا عيوننا على الدنيا واستقبلتنا فوق بساطها الفسيح ونحن نتلقى تلك الكلمة وذلك الاسم الباذخ «أولاد دراج» الذي ارتبط في ذواتنا وتشكل به وعينا ونحن صغارا ثم كبارا، هذا الاسم لا يقترن برقعة جغرافية محددة أو بعرق اثنوغرافي يرتبط وجوده بسلالة بشرية تعود إلى قرون خلت، بل أولاد دراج تشكيل لغوي أكثر من اسم، مشبع بمحمولات روحية واجتماعية وطقوسية تعود إلى ممارسات الإنسان الدراجي الأول».
ولعل ما رسخ في ذاكرة الدرارجة هي ناقة أومهري أولاد دراج. الذي كان يجوب بطون والاعراش المشكلة لقبيلة أولاد دراج تتبعه قلوب وأرجل الناس في نشوة طقوسية صوفية يدعون الله الغيث والخير والولد، كما اقترن الاسم بالطيبة والرجولة والشهامة والأنفة والفروسية شأنهم في ذلك شأن القبائل العربية.
في ذات السياق، أوضح الباحث في التاريخ بركاتي سيحمدي أنه «عندما تكتب عن أولاد دراج ومسارات رجالها فهي محاولة جادة فيها الكثير من الشجاعة وشغف الانتماء، وهذا ما حاول أن يبوح به الكاتب كمال مغيش الذي خاض في هذا الكتاب تجربة جميلة، واضعا بذلك لبنة أولى نحو البحث في الذاكرة الشعبية والمخيال الدراجي لكتابة تاريخ هذا العرش الكبير الذي يمتد من الحضنة إلى غاية تبسة وقالمة وغيرها من مدن الشتات الدراجي في الشرق الجزائري».
للإشارة، سبق وأن أصدر كمال مغيش مجموعة شعرية «خفافيش الليل»، وبحوزته باقة من المخطوطات الشعرية والنثرية، وقد خصص للإصدار نقطة بيع بمكتبة أولاد دراج، وهو الجزء الأول من رحلة البحث عن سير الرجال، ويتبع بجزء ثاني حسب ما صرح به الكاتب قريبا.