أثار الدكتور فيصل الأحمر، أستاذ الأدب العربي بجامعة جيجل، خلال تدخله أول أمس في الملتقى الوطني الأول حول الدراسات المقارنة المعاصرة في الوطن العربي الجوانب المهمة لشخصية «فرانك نشتاين العربي، هجرة الوحش»، حيث تناول عبر عدة محاور الدراسات الثقافية أو ما بعد الأدب المقارن - من الوحش الى المتوحش أو سوسيولوجيا الاختلاف وايديولوجيته - فرانكتاين والمسألة البيو إيطيقية « تحليل طباقي لصورة الوحش بين ماري شيلي وأحمد السعداوي.
أوضح الدكتور فيصل الاحمر خلال تدخله بجامعة يحيى فارس بالمدية عبر تقنية التحاضر عن بعد وعلى أرضية Google meet، بأن موضوع فرانكشتاين بين البيئتين العربية والغربية جاء منها السياق القصصي الذي يروي قصة جسم ميت يتم بعث الحياة فيه بطريقة ما، وقد قام المتدخل بمقارنة بين الوحشين الغربي والعربي، واقفا عند الظلال الدلالية والجمالية وخاصة الإيديولوجية لسير المسارين القصصيين بين القصة الأصلية التي هي من تأليف الانجليزية «ميري شيلي» 1816 وبين النسخة العربية التي انتشرت واشتهرت جيدا وعلى نطاق واسع بعد حصول الرواية على جائزة البوكر سنة 2014؛ والمقصود رواية «فرانكنشتاين في بغداد» لأحمد السعداوي.
قال ذات المتدخل بأنّ الدراسة لم تسر على المسارات التقليدية للأدب المقارن التي تحاول خلق مقارنات بين عملين يملكان جوهرا مشتركا من خلال الوقوف على مواقع الأخذ والحياد عن النص الأصلي من نص جديد يسير على مسارات نص سابق له، وإنما جاءت دراسته محاولة لاستنطاق الأبعاد الدلالية المضمرة لانتقال قصة من بيئة غربية مسيحية علمية تعود إلى زمن الثورة الصناعية، إلى بيئة عربية جريحة تعاني الحرب والعدوان الغربي المتمثل في الاحتلال الأميركي للعراق إثر حرب العراق.
وتنوعت بقية المداخلات بين الدعوة الايجابية إلى أدب مقارن ذي بعد واع بالتحديات المعاصرة للأدب عموما ولعمليات خلق جسور مع الثقافات الأجنبية ونصوصها الإبداعية التي يغلب عليها أن تكون نصوصا بانية لهذه الثقافات.
ومن أهم المحاور التي دارت حولها المناقشات أسئلة المنهج، إلى أية درجة يمكن اعادة إنتاج مناهج وإجراءات تعاد صياغتها منذ اكثر من قرن في الدائرة العربية ومنذ أكثر من قرنين في الغرب؟ كيف نواكب هذه المناهج وهذه الطرق الحيوية في التفكير في الأدب والمقصود به هنا «التفكير في الحياة نفسها» من خلال إثبات حضور الذات العربية في هذه المعادلة المعرفية؟
إدوارد سعيد قدّم دورا حاسما في التنبيه إلى الأبعاد الخطابية الإيديولوجية
يقول الدكتور فيصل الأحمر في حديثه لـ «الشعب»، أن «الأدب المقارن أصبح منذ نصف قرن تقريبا ميدانا لما يسمى بالدراسات الثقافية، وقد لعب الكاتب الفلسطيني الأميركي إدوارد وديع سعيد في هذا المنظور دورا حاسما من خلال التنبيه إلى الأبعاد الخطابية الإيديولوجية الهامة التي تكمن بشكل مضمر عموما في هذه التقابلات المقارنية التي يقوم بها أهل الأدب المقارن، ومن خلال زوايا النظر الجديدة التي ابتكرها ادوارد سعيد من خلال فرضه لطريقة النظر المبنية على خلق طرف مبدع لصورة حول طرف منظور صوبه أو مشاهد يتم وصفه و»تمثيله»».
وتعد إحداثيات «التمثيل representation» حسب ذات المتحدث من أهم الاشياء التي جعلت الآخر يلتفت الى إدوارد سعيد والى أعماله الشهيرة، وهذا واحد من المحاور الهامة للملتقى إضافة إلى الدراسات التطبيقية الكثيرة التي تناولت أعمالا شرقية وأخرى غربية في مقارنات وتقابلات هامة ومثيرة، حيث خلص في الاخير إلى أن تقنيات التحاضر عن بعد قد انتقلت بهم سريعا من محاولة خلق بديل تقني واقعي وفعال لغياب التنقل الكمي للأساتذة بين الجامعات وحضور الفعاليات نتيجة لعام كامل من الحجر الصحي الضروري بهدف مواجهة جائحة الكورونا، إلى خلق بعد جديد لثقافة اليوم.
أضاف في ذات السياق، أن الثقافة تقوم حسبه على تيسير سبل الوصول إلى معرفة تشاركية تسقط البعد الهرمي الأبوي لمعطٍ يملك الحق في إعطاء المعرفة، يقابله متلق سلبي بلا صوت ولا دور في علمية التلقين.
للتذكير، التحاضر عن بعد قد يتحول إلى ثورة فعلية في التعليم من خلال خلق نوع من التوازي المباشر على طريقة champs contre champ المعروفة في التصوير السينمائي، والتي تجعل الدور يتم تقاسمه في تواز إيجابي حي تفاعلي تشاركي من شأنه إحداث ثورة عميقة في عمليات التعلم من خلال تحويل تجارب التلقين المعرفي غلى تجارب لتعاطي معرفة حية في إطار حي حيوي وتفاعلي.