«اللُّغة العربيّة والتّحدّيات المُعاصرة-معالجة تحليليّة لبعض القضايا المُتصلة بواقعها في بيئتها الاجتماعيّة»، هو عنوان الكتاب الجديد للدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة، الذي صدر عن مؤسسة المكتب العربي للمعارف بالعاصمة المصرية القاهرة. ويحاول بوفلاقة، الباحث والأكاديمي من قسم اللغة العربية بجامعة عنابة، معرفة كيف يُمكن للغة العربية أن تنتفع من التقنيات الحديثة.
يبيّن الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مقدمة الكتاب، الأسباب التي دعته إلى تأليف هذا الكتاب، بالقول: « يكاد يقع الإجماع على أن مستقبل اللغة العربية مرهون بمواكبة تحديات العصر، التي تنضوي تحت لواء امتلاك سلطة المعرفة بمفهومها المعاصر،وقوامها التقنيات الحديثة، وثورة المعلوماتية، والاتصالات بالدرجة الأولى، إذ تزداد أهمية وجود اللغة العربية على الشبكات الحاسوبية مع توجه المجتمع نحو مجتمع المعلومات، والمعرفة، ونحو الاقتصاد الذي أساسه المعرفة، والرقمنة، وهناك مؤشرات توضح المحتوى في أي لغة من اللغات، ومن المسلم به أن اللغة مؤسسة تحقق التأقلم، والتواصل، وتعزّز الذات الإنسانية، وتحدد ملامح الهوية الثقافية، لذا يتوجب علينا أن نتساءل كيف يمكن للغة العربية أن تنتفع من التقنيات الحديثة، وتواجه ما يطرحه عليها راهن الحضارة الإنسانية، ومستقبلها من تحديات، وكيف يتيسر لأبنائها مجاوزة المعضلات، والصعاب الكثيرة التي تمر بها حياة اللغة إبان تعاملها، وتفاعلها مع الوظائف التواصلية، وأثناء انفتاحها على اللغات العالمية، وينبغي التذكير في هذا الصدد بأن احتفال الأمة العربية والعالم باللغة العربية من خلال اليوم الذي حددته اليونسكو في أكتوبر 2012م عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي (18 ديسمبر) من كل سنة يوماً عالمياً للغة العربية لم يأت بشكل اعتباطي، فهو احتفاء له أبعاده، وخلفياته، ودلالاته العميقة، ومعانيه المتعددة، و لا ريب في أنه يؤكد المكانة العالمية التي تحظى بها اللغة العربية، وهو يدفعنا إلى تكثيف الجهود للمحافظة على سمو مكانة اللغة العربية في مواجهة الهجمات الرامية للنيل منها، والتي يجب مواجهتها بالعمل على تطويرها، والحفاظ عليها لاحتواء علوم العصر، والتقنيات الحديثة».
كما ينبه مؤلف الكتاب الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة إلى ما تناوله في هذا الكتاب بدقة، فيقول: « لقد تناولتُ في هذا الكتاب قضايا شائكة، ومتنوعة، ومتعددة، ولكنها تندرج تحت لواء التحديات المُعاصرة التي تُواجه لغتنا العربية، حيث توزعت المباحث الخمسة التي ضمها هذا السفر، على تحليل ومعالجة قضايا متنوعة، ومن بين هذه المباحث:
- اللغة العربية ومُواكبة العصر: الكونية والبقاء وضرورة الإفادة من التقنيات الحديثة: ويتناول هذا المبحث في شقه الأول جملة من القضايا التي تتصل بعالمية اللغة العربية، ويطرح مجموعة من الأفكار المتصلة بالتحديات، والمآزق، والمعضلات التي تحيط بلغتنا العربية، كما يقدم بعض الرؤى المتعلقة بالكونية، والبقاء، ومواكبة العصر، ويُنبه إلى المكانة المرموقة التي تحظى بها اللغة العربية بين لغات العالم، ومدى قدرتها على استيعاب العلوم الحديثة.
أما في شقه الثاني فيدعو إلى ضرورة الإفادة من التقنيات الحديثة، وقد ختم البحث بتقديم مجموعة من النتائج، والتوصيات المقترحة، التي توصلت إليها الدراسة، بعد هذه الجولة العلمية مع ثلة من الأطروحات، والتّحاليل التي تتّصل بعالمية اللغة العربية، وضرورة الإفادة من التقنيات الحديثة.
- السّمات الأساسيَّة للغة الشّباب المعاصر ومستوياتها-مُعالجة لسانيّة اجتماعيّة لنماذج مختارة – : يتوخى البحث رصد ووصف طبيعة اللغة التي يستخدمها الشّباب العربي، عن طريق مقاربة واقع، وخصائص، ومستويات هذه اللّغة، بغرض إبراز السّمات الأساسيّة التي تشكّلت منها، وتبيين مستوياتها المُختلفة، والمتعدّدة، بصفتها خطاباً عصرياً، شكّل ظاهرة تكتسي أهمّية بالغة، نجمت في أغلب جوانبها عن التّقدم التّقني، الذي أقام علاقة وشيجة بين جيل الشّباب، والأجهزة الحديثة التي تُطبّق برامج تواصل للمخاطبة في أشكال متباينة، ونبتغي من خلال دراستنا تحليل نماذج مختلفة من كتابات الشّباب المعاصر في وسائل التّواصل الاجتماعي، فقد حرص التحليل على انتقاء كتابات متنوّعة من حيث المستوى الثّقافي، والعلمي، إذ يهدف البحث إلى رصد مظاهر الخليط اللّغوي، وإيضاح ملامح التّنوع، والثّنائية، والازدواجيّة اللّغوية في لغة الشّباب المعاصر، وذلك من خلال تحليل عدّة نماذج من كتابات الشّباب المعاصر من مستويات مختلفة، ولا يقتصر البحث على إبراز الجوانب السّلبية فحسب، بل إنه يسعى كذلك إلى تحليل البنى العميقة لبعض النصوص الفصيحة الراقيّة التي كتبها بعض الشباب المثقف ثقافة عميقة في وسائل التّواصل الاجتماعي.
- سُبُل تعزيز المُحتوى الرقمي باللّغة العربيّة-تحديات وآفاق وتجارب متميّزة-: يجتهد هذا البحث في رصد قضايا متعددة ومتداخلة، وتكتسي أهمية بالغة في زمننا الراهن، وتتصل بالإشارة إلى بعض التحديات التي تُواجه جهود تعزيز المُحتوى الرقمي العربي،والتنبيه إلى الآفاق المرجوة من بعض الجهود العربية المتميزة،كما يعرض البحث عدة تجارب ناجحة تتصل بهذا الميدان، كما يرمي كذلك إلى إبراز، وتحليل جُملة من القضايا العلمية الجادة، والتي تكتسي أهمية استثنائية، وتتصل بسُبُل تعزيز المُحتوى الرقمي باللّغة العربيّة، والنهوض به إلى آفاق رحبة، وواسعة جداً -في ظل وجود جملة من التحديات، والتساؤلات العلمية، والمعرفية المشروعة-، خدمة للغتنا العربية التي تتسم بقدرتها على استيعاب العلوم الحديثة، وتلبية أغراض الاتصال في الحياة، دون جعلها حكراً على أغراض محددة، وهو ما يُحتم على الدارسين ضرورة مناقشة هذا الموضوع، والنهوض بدعم الجهود المبذولة، والهادفة لاستخدام التقنيات الحديثة بالأبحاث، والدراسات المُتتالية، والعميقة».
وختم الدكتور سيف الإسلام بوفلاقة تقديمه للكتاب بالقول: «وعسى أن تكون هذه المباحث المتنوعة، والتي تتعلق باللغة العربية، والتحديات المُعاصرة، وتتصل بتحليل ظواهر جديدة نتجت عن الثورة الرقمية، بداية لانطلاقة، تتبعها، بإذن الله، خطوات أخرى مماثلة، ولا أرجو في الأخير، إلاّ أن أكون قد وُفقتُ في هذه المباحث المتنوعة، ولو بإضافة عمل جديد في صرح المكتبة الخاصة باللغة العربية، وعلى الله قصد السبيل، إياه أسأل أن ييسر لي ما بدأته، ويتيح لي ما أود تكملته في قادم الأيام، وأن يهيئ لي من أمري رشداً».