يجمع بين الكتابة الأدبية والعلمية، في رصيده أعمال عديدة في الرواية والقصة والمسرح، وهو رئيس تحرير مجلة المخبر العلمية «أبحاث في اللغة والأدب الجزائري»، التي تصدر بجامعة محمد خيضر، بسكرة، أين يدرس بقسم اللغة والأدب الجزائري.
إنه د - سليم بثقة الذي يكشف لقراء «الشعب» في هذا الحوار بمناسبة آخر إصدار أدبي له مسرحية وقع الأحذية المتعبة، بعضا من مسيرته الأدبية والعلمية ونظرته للمشهد الثقافي.
الشعب: صدرت لك مؤخرا مسرحية «وقع الأحذية المتعبة»، حدّثنا عن محتواها، شخصياتها، من أين استوحت فكرتها؟ وما هو الطابع الغالب على فصولها؟
الكاتب د - سليم بتقة: الإصدار الجديد «وقع الأحذية المتعبة» هو ثاني محاولة في الكتابة المسرحية، بعد الأولى والتي حملت عنوان «التيناسوروس الأخير». يتطرق العمل الفني الجديد للحراك الشعبي المبارك، لكنه لا ينقل حقيقة وعمق الحراك الذي اجتاح عقول الجزائريين، وإنما يحاول أن يقترب من تحقيق أشواق الجمهور المسرحي على اختلاف توجهاته السياسية والحزبية.
سيطرت الحالة السياسية العامة على مضمون العمل، إذ استوحى فصوله من تطور الحياة السياسية التي عصفت بنظام فاسد حكم عشرين عاما، إضافة إلى كيفيات التعاطي مع تلك المرحلة، كما يطرح العمل قضايا اجتماعية ذات صلة بالحالة السياسية، كمشكلة الحريات والسكن ووضع المثقف، إضافة إلى المشاركة الجماعية في الحراك الشعبي، على الرغم من الاختلاف الفكري والتوجهات السلوكية المتعددة. أما أشخاصه فمن أطياف المجتمع، فمنهم المثقف والسياسي والصحفي والبسيط...
وعن فكرة العمل فكما يقول ستيفن كينغ: أفكار...تظهر أدبيا منبثقة من أي مكان، وتسقط عليك من أعلى من سماء خالية. إن مهمة المبدع الحقيقية تكمن في الفرز وتحديد الأفكار المتدفقة تلك التي يمكن تحويلها إلى عمل إبداعي..إذاً المسرحية هي عبارة عن تراجيكوميديا تقع في خمسة فصول، تتسم بالطابع الاجتماعي والسياسي وبأسلوب يجمع بين الخطابية والسخرية. السخرية بحدة من الطبقة الحاكمة التي يمثلها الرئيس المنتهية عهدته وحاشيته، ذلك النظام المتعفن الذي فقد أسباب وجوده مع انتشار الوعي الاجتماعي والسياسي، وانطلاق قاطرة الحراك الشعبي، وأضحى زواله نتيجة مؤكدة وحتمية. والسخرية أيضا من بعض السلوكات الشعبية السلبية في الحراك باستحضار مشاهد فكاهية ولكن برؤية درامية.
* قُدّم إصدارك الجديد في معرض الأعمال المسرحية للمسرح الجهوي بسكرة، والمنظم في إطار الدخول الثقافي 2020 - 2021 تحت شعار: «أعطيني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا»، هل هناك بوادر لينتج المسرح الجهوي مسرحيتك ويعرضها لجمهور الفن الرابع؟
** دعيت من طرف مدير المسرح الجهوي ببسكرة أحمد خوصة مشكورا إلى المشاركة في الأيام المفتوحة على إنتاجات المسرح، بتقديم قراءة لمسرحية «وقع الأحذية المتعبة» من خلال مداخلات لدكاترة من جامعة بسكرة وهم د - لعلى سعادة، د - عبد الرزاق بن دحمان ود - عبد القادر رحيم. وقد أصر المتدخلون على نقل النص من الأدبية إلى المشهدية، لثراء النص وتنوع موضوعاته، وتوافره على الصراع الذي هو روح المسرح، وعلى اللغة الحركية. هذا الكل المركب من جمالية الاشتغال وجمالية الكتابة الدرامية يجعله قابلا للتحول إلى التمسرح أو المشهدية، والنص مهما تميز فنجاحه على الخشبة. فأهم شيء يؤسس للفعل المسرح هو قابليته للمشهدية، وقد كان لي على هامش التظاهرة حديث قصير مع مدير المسرح الجهوي عن إمكانية تبني المسرح الجهوي لبسكرة.
* بين الكتابة في الرواية والقصة والمسرح، أين يجد د - سليم بتقة نفسه أكثر؟
** العمل الإبداعي عمل مراطوني وليس سرعة ضد الزمن، سواء كان قصة أو مسرحا أو شعرا بمعنى أن فعل الكتابة معاناة لذلك فالفعل يكتب (écrire) فيه الصرخة (cri) والضحكة، وهو مغامرة محفوفة بكثير من النكسات والعقبات، ومن شروطها الأساسية القراءة يضاف إلى هذا المثابرة والإرادة والصبر..كل هذا لا يدع العمل الأدبي نتاج صدفة، وإنما هو اختيار فإن الأحداث والسلوكات والشخصيات هي من يخبرني ما إذا كانت بحاجة إلى مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة، وأنا أطيعها عفويًا. أنا أكتب القصة قبل كل شيء جئت إلى المسرح عن طريق الرواية، كانت باكورة أعمالي رواية «جذور وأجنحة» ثم ولجت عالم المسرح عن حب لأني متابع للمسرح العربي منذ كنت طالبا، فكانت محاولتي الأولى «التيرانوسيروس الأخير».
عرضت العمل على البعض من الزملاء النقاد والمتمرسين بالشأن الأدبي والفني، وفوجئت بهم يجيزون العمل ويلحون عليّ الإسراع في طبعه. كان الأمر أشبه بتحقيق حلم تأخر حتى هذا العمر، وكنت حينها سعيدا وقلقا، سعيدا لأنها كانت تتويجا لمحاولات ومعاناة، وقلقا أن أتوقف عند هذا الحد، لأني أعترف أن الكتابة المسرحية من أصعب أنواع الكتابة الإبداعية إن لم تكن أصعبها على الإطلاق، لأنها تتطلب تخطيطا أكثر صرامة، لذلك اتجهت إلى القصة القصيرة من خلال عملين أولهما حمل عنوان «أحلام تحت درجة الصفر»، والثاني صدر منذ أيام حمل عنوان «كونفينيس»، وكنت منذ انطلاق الحراك الشعبي فكرت في كتابة مسرحية من نوع دراما الأوتشرك وهي «وقع الأحذية المتعبة»، وقد تزامن صدورها مع «كونفينيس».
* حدّثنا عن إصدارتك الأخرى؟
** بالنسبة لإصداراتي السابقة، فقد صدرت لي بداية رواية «جذور وأجنحة» سنة 2014 عن دار بن زيد للطباعة والنشر ببسكرة، ثم مسرحية «التيرانوسيروس الأخير» عن نفس الدار سنة 2016، ثم المجموعة القصصية «أحلام تحت درجة الصفر» عن دار الجائزة للطباعة والنشر بالقبة عام 2017، ثم المجموعة القصصية «كونفينيس» عن دار الأمل للطباعة والنشر بتيزي وزو 2020، ومسرحية «وقع الأحذية المتعبة» عن دار المجدد للطباعة والنشر بسطيف 2020. ولدي إصدارات أكاديمية، منها كتاب «الريف في الرواية الجزائرية» عن دار السبيل للطباعة والنشر بالعاصمة 2010، «البعد الأيديولوجي في رواية الحريق لمحمد ديب» عن دار بن زيد ببسكرة 2014، (ترييف السرد الروائي) 2015 عن دار الحامد للطباعة والنشر بالأردن، (أوراق بحثية في النقد والأدب) 2014 عن دار الأمل بتيزي وزو، (بؤس بلاد القبائل) 2016 كتاب مترجم عن نفس الدار أي دار الأمل.
* هل من السّهل الإبحار والانتقال من جنس أدبي لآخر؟
** الانتقال من جنس أدبي إلى آخر ليس أمرا هينا، ربما يحدث هذا بالنسبة للروائي مع النص المسرحي، والكاتب المسرحي مع الرواية لاشتراك الجنسين في كثير من الخصائص، فهناك كتاب مسرحيون مشهورون هم روائيون ناجحون، وهناك روائيون يحبون الكتابة المسرحية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أولا: أن تكون كاتبا أو لا تكون؟ والثاني: أين أكتب؟ وماذا أكتب؟ غير أن الذي يفرض الشكل في اعتقادي هو الموضوع، فإذا كان الكاتب يتعامل مع أزمة عاطفية رومانسية، أو سياسية أو أخلاقية فالأفضل أن يكتب نصا تتناسب مدته مع هذا النوع من الموضوعات.
في المقابل، فإنّ نجاح النص المسرحي يعود إلى بنائه، ثم إن الكاتب يضع في الحسبان المتفرج، لذا عليه أن يكون صارما في: التركيب الدرامي، التقلبات والانعطافات، الذروة، وقبل ذلك الشخصيات لأن المسرح هو مكان التجسيد. في الرواية هناك فسحة من الحرية تسمح بالتعبير عن الحميمية والأفكار والأحلام وأعماق اللاوعي..لا يوجد حد، ولا قاعدة، إلا واحدة، كما في المسرح وهي: الرهان الدرامي.
* أنت رئيس تحرير مجلة «مخبر الأبحاث في اللغة والأدب الجزائري»، العلمية بجامعة محمد خيضر، بسكرة، كيف يمكن الاستفادة من هذه الإصدارات ميدانيا؟ وكيف نخرجها من أسوار الجامعة؟
** أدى تهافت الباحثين في جامعاتنا على نشر بحوثهم إلى تزايد عدد المنشورات الجامعية ممّا أدى إلى كثرة البحوث، وهذه المجلات غير ربحية لا تستفيد منها الجامعة ماديا، وحتى الباحثون ينشرون بحوثهم مجانا، لذلك ظلّت الاستفادة حكرا على الجامعات دون أن تتعداها إلى خارجها، يضاف إلى هذا عديد المشاكل التي تعطّل من حين إلى آخر صدور هذه الأعداد على الرغم من مجهودات المشرفين عليها والذين بدورهم يقومون بهذا العمل تطوعا، كما يسعى الخبراء إلى تطوير النشر الجامعي بالبحث عن إيجاد معايير مختلفة لتصنيف المجلات والرفع من مستوى القابلية للنشر ولوضع حد لبعض الانحرافات في مجال النشر والتي تسيء إلى البحث العلمي، وإلى الجامعة. أما عن الاستفادة من هذه البحوث، فهناك المنصة الوطنية للنشر الالكتروني للمجلات العلمية الجزائرية Asjp، والتي تضم أكثر من ستمائة مجلة، يمكن تصفح مقالاتها والاستفادة منها، خاصة وأن توجه سياسة النشر في الجامعات هو النشر الالكتروني بسبب شح الاعتمادات المالية في الظرف الراهن. ويبقى النشر يعاني من مشاكل جمة لا نرى لها حلا في المدى القريب.
* ما هي نظرتك للمشهد الثقافي الجزائري؟
** الحركية الثقافية عندنا مرتبطة بحركية وديناميكية حياتنا العامة، ولا نقصد ذلك أنه لا توجد حركية على الإطلاق، لكنها لا ترقى إلى أن تشكل فعلا ثقافيا متكاملا، لأنها تفتقر إلى مشروع ثقافي متكامل.
وما هو موجود على الساحة يصنف كجهود غيركافية في بلاد تزخر بالكفاءات والتنوع الثقافي، وأعتقد أن هذا النقص راجع إلى غياب مشروع حضاري، وبالتالي حينما نمتلك مشروعا حضاريا حينها يمكننا الحديث عن حركة تسمى الثقافة. فالمثقف عندنا يعيش أزمة حقيقية جعلته يحيا عزلة تامة، بعيدا عن مشكلات مجتمعه، حيث أصبح خطابه غير مؤثر، ربما لاستخدامه أساليب عفا عنها الزمن لا تشكل خطرا على السلطة الفاسدة. يضاف إلى هذا انزوائه في متابعة التطورات السريعة والكم الهائل من المعارف التي تعرضها التكنولوجيا مما استنزف كل وقته، وحتى المنابر الثقافية التي تملأ القنوات التلفزيونية والوسائط الالكترونية، زادت من اتساع الهوة بينها وبين المجتمع بسبب ضياع الثقة، التي تسببت فيها السلطة حين استعانت بمثقفين مزيفين نصبوا لتشويه صورة المثقف الحقيقي في نظر المجتمع، والنتيجة انهيار للقيم والأخلاق وتدني مستوى التعليم، فقدان الثقة، ذوبان الذات والهوية، وازدياد الصراعات الداخلية، والفتن العرقية.
* كيف كانت انعكاسات أزمة كورونا والحجر الصحي على موهبة د - سليم بتقة؟
** كبقية الناس حاولت قدر الإمكان الالتزام بالحجر الصحي وعلى مضض، أتابع التطورات يوميا عن كثب، ويبدو أن الحجر الصحي الصارم كان مصدر إلهام في هذه الفترة، حيث أنهيت فيه كتابة مجموعة قصصية حول الوباء وسمتها بـ: كونفينيس Confinis. صدرت والحمد لله عن دار الأمل للطباعة والنشر بتيزي وزو.
* ما هي الأعمال الأدبية القادمة؟
** هناك مشروع كتابة رواية تاريخية عن مجازر الأحد الأسود ببسكرة التي حدثت عام 1956، والتي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء. أنا بصدد البحث عن المصادر التي أرخت للحادثة سواء المكتوبة، أو شفوية ممن حضر الأحداث.