الكاتب ميلود ولد الصديق يؤثّث المكتبة الأدبية

«نساء يرفضن الرحيل» إصدار جديد ينتصر للمرأة

إيمان كافي

يقدّم الكاتب ميلود ولد الصديق إصدارا جديدا للقراء بعنوان «نساء يرفضن الرحيل» عن دار ميم للنشر، يخوض من خلاله تجربة جديدة في الكتابة للمرأة وعنها ضمن شخوص متعددة، ويعد هذا المُؤَلف ثاني عمل للكاتب الذي صدرت له من قبل رواية «ابن القرية: ميس نتموحت».

يختصر الكاتب ميلود ولد الصديق في رواية من وحي الواقع المرأة المناضلة، العاملة، المعنفة المقهورة، المحبة العاشقة، المظلومة والمسلوبة الحقوق في عنوان جامع «نساء يرفضن الرحيل»، حيث تشترك كل العينات المختارة بدقة، والتي يعج بها المجتمع ويستلهمها الراوي كما هي متصورة في المخيال الشعبي العام، هذا المخيال الذي يُسلب كما ذكر في حديثه لـ «الشعب» العدالة في نظرته للمرأة نتيجة غوائل الدهر وطبيعة المجتمع الذكورية، الذي يدير ظهره في كثير من الأحيان لشقيقة الرجل في صفات المقاومة وقبول التحدي والنضال والصمود التي تشترك كلها في خيط رفيع يجمع بينها.
وقد اختار الروائي أن يكون بداية نصه على وقع مظاهرات شعبية صاخبة تعم أرجاء المدينة، يحمل فيها المتظاهرون شعارات تتحدث عن التغيير والإصلاح تترجم معاناتهم، بينما «ياقوتة» وهي الشخصية المحورية في «نساء يرفضن الرحيل» تمثل في نفس الوقت كل النساء، فهي صاحبة محل وهي المترجمة متعددة اللغات، هي الحرفية، هي الفلاحة والممرضة، هي المواسية وهي المقبورة المدمرة أيضا التي تجتمع فيها مع كل ذلك ألوان المقاومة والعنفوان معا، قابعة بين أربع جدران في مستشفى لا تعرف إحداثياته، نُقِلَتْ إليه إثر كارثة بيئية مدمرة تمثلت في فيضانات أرضية غير متوقعة في واحة صحراوية جميلة غناء جراء فيضانات دمرت القرية (حجارتها وأتربتها وأزقتها التي تمثل عبق التاريخ) ستمثل الحبكة والأزمة التي ستغير عالم القرية من هادئ جميل إلى ركام كأنها لم تكن.
ويقول الكاتب لا تتحمل ياقوتة ألم الأسر لمرتين أسر المستشفى وأسر الجروح العميقة في كل موضع من مواضع جسدها المكلوم جراء الحادث المأساوي، تريد أن تبوح، أن تتكلم، أن تتعرف على من يشاركنها هذه البوتقة الصغيرة، حيث في ثنايا الغرفة هي ونسوة أربع، تمتلك كل واحدة منهن مخزونا لا ينضب من الماضي المضخم بالذكريات المشحوذة بالألم، لكل واحدة منهن حكاية لا تبتدئ بتاريخ ولا تنتهي بوصف، يقع حديث عميق محزن ومأساوي وبعضه يحمل شعاع الأمل، كما تحاكي قصصهن المرأة في بيئات وأزمنة وأماكن مختلفة كأنها اجتمعت لتوثق مسيرة النساء المتشابهة في العمق رغم اختلاف البدايات والنهايات.
تبدأ «ياقوتة» فتتجاذب أطراف الحديث مع الفتاة الشابة التي تجاورها المكان، فتكتشف أنها ضحية تعنيف أسري آثم بطلاه: زوجٌ مصلحي براغماتي، عابث بحقوق المرأة وواجباته تجاهها، جماد في صورة إنسان...وأب عديم العاطفة باع ابنته بثمن بخص مقابل ديون في رقبته، كما تتحدث مع «خيرة» المرأة البدوية التي ارتبطت بالوادي وترعرعت بين ضفتيه..الوادي الذي قاد المودة والحب بينها وبين «صالح» الشاب اليافع المفتول العضلات الذي أنقذها من موت محقق، ذاته الوادي كان سببا في الحادث المأساوي بتهاوي حجارته فدخولها للإنعاش، حيث المستشفى الذي تقبع فيه..تَشَاُركٌ منقطع النظير بين بيئة ياقوتة الصحراوية حيث قريتها المدمرة «تاله» وبادية العوينات حيث دوار «خيرة» و»صالح».
وبين الأحداث المتقلبة ومرويات الرواية، تذكر «زوبيدة» الفتاة الحاضرة الغائبة التي تعبر عن أمل موعود بلا نهايات سعيدة، كانت وحيدة يتيمة بلا أبوين ولاقت تعاطف الجميع، احتضنها المجتمع رغبة في تزويجها وإتمام فرحها، لكن ثمة خطب جلل سيقع دون أن يتحقق حلمها الملائكي زواجها بمحمود.
ثمة ركن آخر، مظلم حالك تشغله «عبير» في هذه الغرفة، عبير تمثل جزءا من التاريخ، من المأساة الوطنية من ضحايا الإرهاب خلال فترة التسعينات من القرن المنصرم..عبير مثالٌ حي للقهر النفسي والبدني جراء ما شهدته بمقلتيها من معاناة، هي وعوائل كثيرة في القرى والمداشر المترامية التي تعرضت للنهب والتخريب والقتل والذبح والغدر..عبير تمثل جانب المأساة المتكررة للوطن الجريح.
على خلافهن جميعا...في الركن المقابل لياقوتة تنام «حليمة»، «حليمة» التي لم يتركها زوجها وحيدة تقاوم..مشهد رومانسي قل نظيره يقع بين أشلاء الألم..في «حليمة» وزوجها «علي» يتجلى الحب في أبهى صوره والوفاء في أصدق تجلياته..الحياة تتجدد ولا تموت هنا، هما مثل شمعة تضيء عالما مليئا بالظلام.
تدخل المستشفى «حورية» المراسلة الصحفية الشخصية العابرة المارة «حورية» التي تمثل نصف الكأس الآخر للمرأة التي تبحث عن المرأة، تبحث عن حقيقتها وأوجاعها عن الظلم والقهر الممارس ضدها..(فهي جزء من المأساة..بنت المجتمع متأثرة بتقلباته) تلتقطه بعدستها لتنسجه في شكل تقارير وريبورتاجات ولتستجمع بقايا أجزاء الصورة المفقودة، ما تواتر من أخبار القرية المدمرة من شفتي ياقوتة المتلعثمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024