في السّبعينيات من القرن الماضي كانت هناك في الجزائر مبادرات جادّة لإنشاء مجلّات خاصّة بالأطفال، بعضها استمرّ لبضع سنوات مثل مجلّة (امقيدش) ومجلّة (ألوان)، وبعضها كان يظهر منه بضعة أعداد وسرعان ما يختفي، مثل مجلّة (الشاطر، رياض ونونو.. وغيرها) وبقيت التجربة تراهن مكانها إلى يومنا هذا.
مقارنة بالمشرق العربي، نجد مجلات كثيرة ظلت تصدر لعقود طويلة من الزّمن، مثل مجلّة (العربي الصّغير) الكويتية والتي تحتوي على أبواب متنوّعة وغنيّة، وتصدر باحترافية كبيرة، وهي تصدر منذ أكثر من ستين سنة، وأيضا مجلّة (ماجد) الإماراتية والتي بلغت في أوّج صدورها أن صارت مجلّة أسبوعيّة، وباحترافية كبيرة، بحيث كانت تركز على القصص المصوّرة التي تعتمد على الحوار السّريع المختصر.
وعندنا تجارب جادة أخرى في الجزائر لا تزال تحاول النّبش بأظفارها للبقاء والاستمراريّة، مثل مجلتي (براعم) ومجلّة ( البسكري الصّغير )، وأيضا مجلّة (غميضة)، وتحتاج إلى دعم جدّي لتواصل رسالتها السّامية، في إعداد جيل يرتبط بوطنه ويتفانى في خدمة شعبه وأمّته.
الطّفل في حاجة ماسة إلى هذا النّوع من الإصدار الثقافي التربوي الذي يحظى في دول كثيرة بأهميّة بالغة، لكننا في الجزائر ما زلنا نفتقر إلى مجلات للطفل بصبغة محترفة، تواكب نشأة الأجيال وتساهم في تربيتهم وتثقيفهم، لاسيما تلك المجلّات التي تعتمد على القصص المصوّرة (الأنيمي) التي تعتمد الحوار السّريع وتبلّغ رسالتها بخفّة وبراعة.
الشائع عندنا نوعان من المجلات، نوع يعتمد التسلية والألعاب والتلوين، وهوفي غالبه تجاريّ أكثر منه تربوي، ثقافي، ونوع آخر يعتمد القصص المطوّلة وبعض الأناشيد الثقيلة على سمع الطّفل وذوقه، فلا تحدث التأثير المطلوب، بل ربّما كان الأثر عكسيّا، بحيث توجه الطّفل دائما إلى البحث عن اللّهو والتسلية وبحسب، وإغفال المطالعة الجادة.
إنّ مجلات الأطفال تواجه تحديّا كبيرا سواء على مستوى البقاء والاستمراريّة، وهذا يحتاج إلى جهد وتفان وتفرّغ ودعم ماديّ ومعنوي، كما تواجه تحديّا على مستوى المنافسة التي تجتذب الطفل بشكل كبير وخطير على مستوى وسائل الإعلام المرئيّة والإلكترونية، التي ينجذب إليها الطّفل، ويكاد يكون مندمجا معها لا ينفصل عنها. وهذا الأمر له عواقبه الخطيرة على المدى البعيد، في بناء شخصيّة الجيل الجديد.
ولكي تنجح مجلات الأطفال وتحقّق أهدافها لابدّ من أن يكون لهم هيئة متخصّصة ومتفرّغة، لها راتب شهري ثابت ومكافآت تحفيزية ليستمر العمل، ويكون دائما وجادا واحترافيّا، لأنّ العمل التّطوعي رغم ما فيه من حماس وتفانٍ، لكنّه سرعان ما تخبو جذوته، ويفتر حماسه، نحتاج إلى عمل مؤسسي دائم ليكون لنا مجلّات خاصّة بالطّفل، تستجيب للمقاييس العلمية والاحترافية العالمية. ولقد أصبح عندنا أرمادة كبيرة من كتّاب أدب الطّفل نساء ورجالا، بعد ما يقارب الستين سنة من الاستقلال، لهم تجربة محترمة في الكتابة للطفل، وهم أيضا يحتاجون إلى مثل هذه المجلات ليبنوا جسور التواصل مع قرّائهم (الأطفال)، ما يحفّزهم على زيادة العطاء والإبداع وصناعة إبداع جديد لجيل جديد يعيش الألفية الثالثة بأفكار مختلفة وحياة مختلفة كذلك، حياة تؤمن بالواقع الافتراضي الذي صار جزءا لا ينفصم عن واقعنا الحقيقي.