ذكرت الشّاعرة بوقنة فريدة أنّه بعد مرور ستة أشهر «لا تزال الأيّام تسلّم تفاصيلها لروتين الحدث العالمي جائحة كوفيد 19»، المصطلح المشبوه الذي قفز فجأة إلى قاموسنا اليوميّ، وراح يجرّ خلفه كلّ مرادفات التوجّس والقلق؛ فيروس تدحرج بسرعة فائقة من علوِّ المجهولِ، واستقرّ بيننا كلاجِئٍ مهووسٍ بالعدْوى» ممّا أجبر الجميع على اتّباع إجراءاتٍ وقائيّة قاسية، والاحتماء بحجْرٍ منزليّ مفتوح المدى.
قالت صاحبة المجموعة الشّعرية « قطوف فريدة»، إنّ ستة أشهر كانت كافية لِزلزلة حواسها، وتشْتيت خارطة أولوياتها؛ خاصّة بعد أنْ تحوّلت العطلة الإجبارية إلى فراغ قهريّ يَسعُ كلّ الهزائم النفسيّة الممكنة حسبها، لهذا أصبح من الصعب جدا إسكات صداه بحِيَل المطالعة والكتابة نتيجةَ تراجُع هرمون التركيز.
تساءلت فريدة في غمرة الحجر الصحي عن ماذا يمكن فعله تحت عزلة «كوفيديٍّ» فضفاضٍ؟ وكيف تحرّض الفوضى على طرد هذه الرتابة المتواصلة؟ هل ستعبر بسلام نحو ضفّة تشبه على الأقل ما كانت عليه قبل أن ينزح عالمها الواقعي مُرغَماً نحو قرينه الافتراضي بحثاً عن أجواء حياتية لا تفرض علينا ارتداء كِمامةٍ؟ وأردفت في ذات السياق أنّه «قبل أسابيع كتب القاص عبد الحميد إيزة على صفحته «في البدء كانت الموسيقى؛ بعدها بأيّام زيّنتْ الشاعرة سارة خليفة صفحتها بصورة مؤثّرة للمرحوم الشاب حسني، وبالأمس فضفضتْ الروائية هند جودر «الموسيقى ..الموسيقى» لتصل في الأخير إلى نتيجة أنّه لا أحد يقنعنها بأنّ الموسيقى مؤذية».
أوضحت فريدة بوقنة أنّها كتبتُ على صفحتها الشخصية قبل أكثر من شهرين «الموسيقى هي الحلّ»؛ ما سرّ هذه الوِجْهة الموحّدة؟ وهذا الطابور الطويل أمام بوّابة اليوتيوب؟ لطالما كانت الموسيقى الرّاعي الرسمي لجلسات القراءة الطويلة، والرفيق الوفيّ لمخاض الكتابة العسير؛ فلا غرابة أن تكون ملاذ الكاتب في هذه الظروف الاستثنائية؛ ولا غرابة أن نمنح - نحن الكتّاب - قطيع النوتات مساحاتنا الخضراء.
من جهة أخرى، شرَّع الفراغ باباً للأسئلة الوجودية، أسئلة ما كانت لتقف عند عتبة الممكنات لولا اشتعال الجنائز هنا وهناك، وما كانت لتدقّ باب الجواب لولا تنمّر العادة على هيبة الفقد والفناء.
وفي خضم هذه الاستثناءات المتراكمة تقول فريدة: «من منّا لم يستحضر مواعيده المؤجّلة؟ تلك المواعيد التي كبّلها التردّد أو الخوف، من منّا لم يعْدم خلافاته الصغيرة المموّهة بالكبرياء؟ من منّا لم يفتّتْ غروره المكدّس قوتاً لحَمام السّاحات العامّة؟ من منّا لم يُعانِق أناهُ المكفّن بالأقنعة؟ من منّا لم يلج قبو الندم ليثمل بنبيذ قسوته؟ من منّا لم يحترق بغفران مخبَّئٍ بين الجمرات؟ من منّا لم يغرق في شبر كآبةٍ لولا شِباك الله هكذا تناسلت الأسئلة يداخلنا ليكتفي الجواب بإيماءة حُبْلى بوجود أجمل».
وفي ختام بوحها لـ «مثقّفون في الحجر» قالت الشاعرة بوقنة» لقد منحني «كوفيد 19» عطلة محفوفة بالنّهايات لتفكيك ألغامي الدفينة، وإبطال مفعولها، بشهادة الموسيقى، والكثير الكثير من الأسئلة».