ترك مشروع تنصيب ورشة إصلاح المسرح، الذي أطلقته وزارة الثقافة مؤخرا، ردودا متباينة بين المهنيين والفرق المسرحية الناشطة، بولاية بومرداس، بين مرحّب بفكرة إعادة تنظيم أركان الفن الرابع وإعطائه ديناميكية جديدة من حيث الإنتاج، التوزيع والتسويق، كصناعة ثقافية تستجيب للتحديات الاقتصادية الراهنة والخروج من تبعية «الإعانة»، أو التمويل العمومي الذي صنع نخبة فنية مستهلكة لا تتوقف عن المطالبة وأخرى اتكالية، وما بين متحفظ على شاكلة أسبقية العربة على الحصان والقصد منها غياب قاعات العروض ومراكز الإنتاج..
تعود فكرة أو مشروع ورشة إصلاح المسرح الوطني إلى مخطط عمل شامل تبنته الحكومة للنهوض بالإنتاج الثقافي ببلادنا وتثمينه اقتصاديا لجعل الفنان أو المنتج والممثل أكثر ايجابية من حيث التغطية المادية والمالية لمختلف الأعمال الفنية والمشاريع، التي تعمل عليها المسارح الجهوية والفرق المحلية الكثيرة النشطة، حيث تحول أغلبها إلى عنصر مستهلك وسلبي معتمد على التمويل العمومي، في وقت كان من الواجب التفكير في آليات بديلة لكسب الرهان الاقتصادي والتوجه نحو الاحترافية وإعطاء الفعل الثقافي بعدا صناعيا على غرار العديد من الدول الرائدة التي اقتحمت المجال مبكرا.
هي فكرة جميلة وواقعية أيضا، لكنها من وجهة نظر النشطين في الميدان صعبة المنال، بالنظر إلى الظروف السيئة التي تعمل فيها الفرق الجهوية كغياب قاعات العروض ومراكز الإنتاج إلى جانب إشكالية تسويق المنتوج والتعريف به الذي يقتصر فقط على المهرجانات الوطنية والمحلية من أبرزها مهرجان مسرح الهواة بمستغانم، بتخصيص جوائز للفرق الفائزة بالمسابقة مع دعم يسير من قبل مديريات الثقافة الذي لا يتعدى تكاليف الطريق والإقامة بحسب تعبير رؤساء فرق مسرحية، بولاية بومرداس، المشاركين في مثل هذه التظاهرات، التي تبقى مناسبة فقط لاكتشاف المواهب دون أبعاد أو آفاق مستقبلية.
استثمار ببعد اقتصادي وسياحي
تحدّيات كسب الرهان الاقتصادي والخروج من دائرة التبعية للتمويل العمومي للفرق المسرحية كانت محل تحليل ونقاش، خلال اليوم الدراسي، الذي احتضنته دار الثقافة لبومرداس قبل أشهر حول موضوع الاستثمار في المهن الثقافية كنقطة أساسية ضمن جدول أعمال مخطط الحكومة للنهوض بالقطاع وتفعليه ماديا، وهو مخطط مبني على محورين، بحسب عرض كاتب الدولة المكلف بالإنتاج الثقافي، الأول يركز على التنمية البشرية والثاني يسعى إلى إعادة إحياء النشاط والذهاب به نحو اقتصاد جديد مبني على منتوج ثقافي معلب كصناعة تعيد بناء هوية الفنان كعنصر ايجابي منتج للثروة بعيدا عن المفهوم السلبي وأزمة الارتباط بالتمويل العمومي..
ويحمل المشروع أيضا جملة من التصوّرات الشاملة الرامية إلى تشجيع المقاولاتية والاستثمار في المنتجات الثقافية والفنية لخلق الثروة من أجل الذهاب بالفعل الثقافي بعيدا نحو استثمار حقيقي وإعطائه بعدا اقتصاديا وسياحيا في إطار ما يعرف بإعادة بناء هوية وديناميكية المدينة وتثمين الفعل الثقافي سياسيا، دبلوماسيا وسياحيا وتعيد للفنان مكانته وترفع عنه تهمة التضامن نحو مشروع جديد عصري مبني على الإنتاج الصناعي والمؤسسة المنتجة.
وكان اللقاء قد خرج بجملة من التصوّرات أيضا والمقترحات الرامية الى تجسيد المخطط ميدانيا بإشراك جميع الفاعلين والشركاء في أجهزة الدعم المحلية كوكالات «أونساج» و»أونجام» المطالبة بدعم وتبني الأفكار المبدعة والمشاريع المبتكرة وتمويلها ماليا بالتعاون مع البنوك، بالإضافة إلى استلهام التجارب الدولية الناجحة، مع التفكير أيضا في تنظيم صالون وطني للمقاولاتية، شهر نوفمبر القادم، لاكتشاف المشاريع الطموحة والمبادرات الشبانية التي تستحق المرافقة والدعم وهذا في حالة إذا حافظ فعلا على موعده بعد إلغاء الورشة الدولية التي كانت مبرمجة، شهر جوان الماضي، حول الملف بسبب جائحة كورونا.