«أدب الأوبئة» ليس جديدا لكنه عاد بعد انقطاع
ينطلق من رصيد ثري عبر مسار طويل من العطاء والتنوع، ليفتح نافذة مضيئة تسمح بتذوق أدب طازج شهي بطعم جنوبنا الأصيل، وبحرارة الصحراء الشاسعة يحمل بين طيات أسطره عنفوان البوح بما يختلجه الوجدان ويكتنزه الذهن من رؤى في لحظات تأمل عميقة، الكاتب بختي ضيف الله، قلم لا يجف مساحاته شاسعة، لا ينقطع عن قارئه رغم بعد المسافات وقسوة الظروف، اقتربت منه «الشعب» لترصد تجربته الإبداعية في خضم الحجر الصحي وتحديات فيروس «كوفيد 19»، وتحدثت معه عن أدب الأوبئة والحياة الثقافية الجزائرية.
- الشعب:هل يمكن أن نفتح للقارئ نافذة على مسارك الإبداعي؟
الكاتب بختي ضيف الله: شاعر وقاص وروائي، من ولاية الجلفة، غازلت كتابة القصة القصيرة والشعر منذ مرحلة شبابي، ونشرت العديد منها على مساحات عدة جرائد عربية من بينها؛ الشعب، الحقيقة، ومجلة الوحدة، مجلة الجيل..وغيرها..علما أنني أنشر حاليا مقالاتي وأشعاري وقصصي في عدة جرائد إلكترونية وورقية، جزائرية وعربية، وعلى سبيل الذكر: «الجمهورية»، «كواليس»، «الموعد».. «الشرق» العراقية، «صوت أسوان»، «الزمان» المصرية، «اللواء العربي»..وغيرها..
وبالإضافة إلى ذلك شاركت في عدة ملتقيات وطنية ودولية داخل الجزائر. حاليا عضو اتحاد الكتّاب الجزائريين، مكتب ولاية الجلفة، صدرت لي مجموعات قصصية وشعرية:
-» قبيل الفجر بقليل» عن الجاحظية لنشر-عنابة، الجزائر..
-»عطر التراب» عن دار النخبة للطباعة والنشر، مصر..
-مجموعة قصصية: «عيون أطبقت على الذبول»، دار شمس..
- مجموعة قصص قصيرة جدا: صور ودبابيس على جدار هش»، دار شمس..
- مجموعة شعرية «مالم تقله الفراشة»، دار شمس.. كما لي تجربة في كتابة الرواية والمسرحية.
منصات التواصل الاجتماعي اختزلت المسافات
- كيف أثر فيروس (كوفيد19) على الإبداع...هل حفز أم جمد الكتابة وجعلها فاترة؟
أعتقد أن الإبداع لا يفتر ولا يتجمد، وما على الكاتب إلا مواصلة مغامرة الكتابة، وتقديم ما لديه من أفكار ومشاعر، لأنه يحمل بين طيات أعماله رسالة نبيلة، ولعل هذه الجائحة (كوفيد 19)، عكست كل ذلك، والرسالة تكون عبر مختلف ألوان الإبداع أو بكتابة المقالات الأدبية في الصحف أو نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي. وأرى أنها فرصة تسمح للمبدع أن يقف أمام نفسه بالكثير من التأمل، ويطلع على إضافاته وقيمة كل ما احترق ليتذوقه الآخر، وشخصيا حاولت أن أقدم ما أستطيع تقديمه لأبناء وطني من نصائح مباشرة، أو في قالب إبداعي من قصص قصيرة جدا أو إبداعات متنوعة تتباين بين المسرح والرواية.
يحضرني منها:
- ابتلاء..
أوقفه (الجيش الأبيض) في كمين .. كشف أمره مسدس عجيب؛ كانت عليه بصمات (الإرهابي المجهول)..
- حَجْر..
استهجن سكان المدينة غياب (رانبو) القوي عن الحرب..
لم يعلموا أنه يفاوض في بيته..
- سوء فهم..
فرّ من حاجز للجيش الأبيض..وجد مختنقا في منتصف الطريق،
يبحث عن أوكسجين محبتهم..
- فأر..
خوفا من الموت جوعا، كدّس غذاءً كثيرا..
نسي أنّه لا يزال في حيز التجربة..»
ومن جهة أخرى قد تعرقل هذه الجائحة، لقاءات المبدعين وملتقياتهم وندواتهم، لكن منصات وسائل التواصل الاجتماعي سهلت تبادل الأفكار ووجهات النظر وقربت المسافات.
- برأيك هل سيكون مستقبلا أدب خاص بالأوبئة..مثلما هناك أدب تحرري وأدب خاص بالأزمات الأمنية؟
بالنسبة لأدب الأوبئة علينا بالرجوع للوراء؛ فهذا الأدب ليس جديدا، يمكن القول أنه قد عاد من جديد، لكن بعنوان جديد:(كورونا-كوفيد 19). ولأننا نجد في الرواية أنّ الكثير من الروائيين العالميين الذين اشتغلوا على تيمة الوباء. أذكر بعضها:
(الطاعون) لألبير كاميو، جزائري المولد، التي نالت جائزة نوبل للأدب، و(الحب في زمن الكوليرا)، الرواية المعروفة عند الكثير من القراء، للكولومبي غابرييل كارسيا ماركيز، وقد نالت أيضا جائزة نوبل، و(العمى) للبرتغالي جوزيه ساراماجو..و(إيبولا) للسوداني أمير تاج السر...وغيرها.
وحتى ضمن الاستشراف والمتخيل العلمي، نجد روايتي (الرجل الأخير) لـ:ماري شيللي، و(عيون الظلام) لـ:دين كونتز، تتحدثان عن وباء سيسود العالم.
حتى في الشعر، نقرأ لسيدة شعر التفعيلة نازك الملائكة قصيدة الكوليرا..
«في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ...
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ..»
لذا أنا جد مقتنع أنه ستتجدد كل هذه التيمات لامحالة، مادامت قلوبنا تنبض بالحياة..وسيبقى أدب التحرر مادامت فلسطين الحبيبة محتلة..
لا منتوج أدبي راق من دون حركة نقـدية
- صعدت في السنوات الأخيرة إلى الواجهة الأدبية أقلام شابة موهوبة، تعكس زخم الإبداع وثراءه..كيف يمكن أن ندفع بها إلى قلب الساحة الثقافية لتحقيق الرقي الثقافي؟
نعم، ظهرت في الآونة الخيرة أقلام، شابة، وأنا معجب بأعمالهم، لأن بعضهم يكتب أحسن من كتاب مخضرمين ذوو شهرة، وأذكر من بين الأقلام الصاعدة التي تبعث على الأمل والفخر، نجد عبد الوهاب عيساوي، محمد بن زخروفة، سعيد خطيبي، سمير قسيمي...وغيرهم...
حان الوقت لدعمهم وتشجيعهم حتى يقدموا الأفضل، سواء من طرف الهيئات الرسمية أو غيرها؛ لأن العديد من الأقلام الشابة، تعاني الإقصاء وتتجرع علقم التهميش وتواجه صعوبات عديدة في النشر والتوزيع بهدف الوصول إلى القارئ، لأن القارئ وحده يمكنه أن يزكي الأفضل، وللأسف الكاتب عندنا لا يسمع باسمه إلا عند افتكاكه لجائزة معتبرة.
أما في الجانب المعنوي، فأقول: إنهم لا يجدون نقادا ليأخذوا أعمالهم إلى (مختبر النقد) ويتفحصوا عباراتهم، ليثمنوها أو يقوموها، على اعتبار أن هذه العملية النقدية في حد ذاتها تقدم خدمة للمبدع. ولكن للأسف مازلنا نفتقد لمدرسة نقدية واضحة، ولهذا ستموت إبداعاتهم في يوم من الأيام؛ لأن لا إبداع دون حركة نقدية واسعة، رغم وجود مجهودات جبارة يقوم بها بعض النقاد مثل: سعيد بوطاجين، مخلوف عامر، محمد الأمين بحري، سعيد موفقي لكنه غير كاف. لذا وجب تشجيعهم، لأن الكتاب ذو أهمية بالغة في حياة الفرد والمجتمع؛ فبالقراءة نرتقي، وتكون لنا مكانة بين الأمم في مختلف مناحي الحياة، وقد أمرنا ديننا الحنيف بها، فنحن أمة (إقرأ).
قال تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) سورة الفلق(1).
- ماهي تحديات الحياة الثقافية الراهنة؟
بهدف النهوض والرقي بجميع المجالات، ومن أجل إطلاق تنمية مستدامة في السياسة والاقتصاد والإعلام، نحتاج إلى حركة ثقافية حقيقية، ترفع في ضمائرنا سقف المسؤولية باتجاه الوطن، وتنظم العلاقة بين أفراده، ليكون كل واحد منا في موقعه الحقيقي. و لنصل إلى ذلك المستوى من الحركة، يجب تحسين المشهد الثقافي، فعلى الهيئات الثقافية إتباع خطة إستراتيجية. وهذا من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة ثقافية مدروسة، تشجع المبدعين والفاعلين في الحقل الثقافي من كتّاب وناشرين وسينمائيين ومنتجين.. وغيرهم، باعتبارهم شركاء في التنمية. وهذا ما يمكن الوقوف عليه لدى العديد من الدول الأوروبية. من خلال ملاحظاتي حول العمل الثقافي، فإن هذا الأخير كان بعيدا نوعا ما عن الكثير من الأهداف المنشودة، فأهدرت الأموال وضيع الوقت في الكثير من الأحيان.