يعد الفن في مختلف صوره شكلا من أشكال الكفاح الثوري ضد المستعمر الفرنسي، فكما ناضل كل من موقعه لأجل نيل الاستقلال، ناضل الفنان بالشعر، الرسم والمسرح للوصول بالقضية الوطنية إلى العالم ونقل ملحمة الثورة الجزائرية إلى الشعوب الأخرى، من هذا المنطلق نناقش هذا الدور مع رئيس الرابطة الوطنية للأدب الشعبي الشاعر عمر بوعزيز، وهو شاعر شعبي من ولاية بسكرة، كتب لعدة مطربين منهم الهادي رجب، المرحومة زوليخة، رابح درياسة والقائمة طويلة من الأغاني لمطربين جزائريين وعرب، ونالت شهرة كبيرة منها أغنية «الممرضة» لرابح درياسة، بالإضافة إلى دور الشعر الشعبي في الترويج للثورة والتعبئة في الوسط الشعبي،وبتحويل كلماته إلى أغانٍ شعبية ظلت راسخة في الأذهان، وردّدتها الألسن جيلا بعد جيل.
- الشعب: هناك عدّة سمات يتوفّر عليها الشّعر الشعبي من بلاغة الكلمة وسهولة فهمها في الأوساط الشعبية، وبالتالي قوة تأثيرها والأكيد أن التغني بالمجاهد وبطولات الثوار ساهمت في توسيع دائرة الالتفاف حول الثورة، كيف كان ذلك؟
الشّاعر عمر بوعزيز: كان ذلك بقوة إيمان المجاهدين بقضيتهم الوطنية الكبرى بالجهاد في سبيل الله والوطن، ومن خلالها التفاف الشعب حولهم من أجل تحرير البلد والعباد من المستعمر الغاشم، وبطولات الثوار كانت تستحق التوثيق والتغني بها، وكتبت في ذلك العديد من قصائد الشعر الثوري لشحذ همم المجاهدين والافتخار ببطولاتهم في المعارك بل هناك من المجاهدين أنفسهم من كتب وغنى للثورة وأثناء المعركة، وهناك أغاني وقصائد غناها وكتبها الشعب على سبيل المثال وليس الحصر: «اسمحيلي يا لميمة اسمحيلي في جهادي»، «الله ينصر حزب الثوار اللي قاموا بالدين جهار»، «في واد المالح سي لخضر بجنودو فارح يقتل ويذبح عسكر هارب في الويدان».
- استقت بعض الأغاني الثّورية كلماتها ومعانيها من تراث الشّعر الشّعبي، لماذا برأيك؟
معظم القصائد الثورية التي حولت إلى أغانٍ كانت تروي محطات مختلفة من الكفاح الثوري في الجزائر، كما أنّ الشّعر الشعبي إذا تغنى أصبح غناءً شعبيا، ومن خلال بلاغة معانيه وبساطة كلماته التي تدخل بسهولة إلى قلب المستمع والمتلقي ساهمت كثيرا في انتشارها بقوة في صفوف المجاهدين لأن أغلب مجاهدي ثورة التحرير من الفلاحين والطبقة الكادحة لم يدخلوا المدارس إلا القلة القليلة، لهذا كانت كل الكتابات والأغاني باللهجة الشعبية أو بالملحون، كما أن غالبية الشعب لم يدخل المدارس وكانت هذه لغته التي يغنيها ويكتب بها.
- أنت أحد قامات الشّعر الشّعبي الثّوري، ما هي أبرز المحطّات التي ساهمت في بلورة تجربتك في هذا المجال؟
في الحقيقة كانت بداياتي الشّعرية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وكأي شاب مبتدئ بدأت بالكتابة في الغزل، وأول مشاركة لي في المهرجان الثقافي الإفريقي كانت سنة 1969 بالعاصمة، وأول قصيدة ثورية كتبتها كانت كلماتها «وحدك يا نوفمبر صنعوك أبطال، تبقى في التاريخ ذكرى نحياها، وحدك يا نوفمبر مضرب لمثال، بحروفك منقوش ذهب محلاها» سنة 1974 في الذكرى العشرين لاندلاع الثورة، كما كانت لي مساهمات ومواكبة الثورات الثلاثة الزراعية، الثقافية والصناعية، ولي قصائد عديدة عن الثورة وعيد الاستقلال، وفي القضايا المجتمعية والغزل.
- كان الشّعر الشعبي ببلاغة كلماته يلامس القلوب ويؤثر في السّامعين، هل مازال يجد مكانته المعهودة بين الجمهور في الوقت الحالي؟
طبعا الشّعر الشّعبي له مستمعين كثر ومحبّين لا تخلو أيّة قرية أو مدينة من الشعر الشعبي، كما أنّه أصبح متداولا بكثرة في الأعراس والمناسبات، خاصة في جنوبنا الشرقي ورقلة، بسكرة والوادي بل يكفيه فخرا أنه أصبح يدرّس في الجامعات كباقي العلوم والفنون الأدبية الأخرى.
- برأيك، هل يحظى الشّعر الشّعبي بالاهتمام الذي يليق به من طرف الهيئات المؤسّسة؟ وما هي أبرز انشغالات الشّعراء المختصّين في الشّعر الشّعبي اليوم؟
مازال الشعر الشعبي في بلادنا مهمّشا من طرف المسؤولين على قطاع الثقافة بل أصبح التعاطي معه مناسباتيا، حيث تبدو الحاجة للشاعر الشعبي إلا في المناسبات فقط، بل ما يحزّ في قلبي هو التقليل من شأنه، إذ في بعض الأحيان يدعى لمهرجان أو مناسبة وطنية أو ثقافية فيذهب على حسابه الخاص، ولا تعوض له أتعابه أو مصاريف التنقل، وفي المقابل نجد اهتماما مبالغا فيه بمغنيين كل مصاريفهم معوّضة، ويتلقون أتعابهم كاملة إزاء إحياء سهرة واحدة، هذا ما يعانيه للأسف شعراء الملحون من تمييز وتهميش من طرف المؤسسات الرسمية. وهنا أشير إلى أن بعض الزملاء والشعراء قد أنشأوا مؤخرا «هاشتاق» تمّ تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو «بصفتي شاعر، لا أشارك في نشاط ثقافي رسمي بدون مقابل»، وأنا أشاطرهم الرأي وأساند موقفهم هذا.