تألّقت على الصّعيد العربي بفكرة إنسانية طيّبة تهدف من خلالها إلى تحسين أوضاع ذوي الإعاقة البصرية، الذين خصّتهم بأول إصدار لها، «إبصار مكفوف»، كتاب كان ثمرة دراسة ميدانية دامت 3 سنوات غيّرت للإعلامية والكاتبة عتيقة علياوي نظرتها لهذه الفئة من المجتمع، وتبنّت مشاكلها وانشغالاتها، وجعلت من نفسها سفيرة لها داخل وخارج الوطن.
- الشعب: من هي عتيقة علياوي؟
الكاتبة عتيقة علياوي: أنا إعلامية وكاتبة جزائرية، مثّلت الجزائر في أكبر برنامج تلفزيوني عربي الموسوم بملكة المسؤولية الاجتماعية بمبادرة إنسانية اجتماعية حول المكفوفين، إلى أن وصلت إلى النهائي وتمّ اختياري من بين 12500 امرأة على مستوى الوطن العربي وصار عددنا 40 امرأة، في رصيدي كتاب عن المكفوفين أسميته «أبصار مكفوف»، تحصّلت على لقب سفيرة الأمل بالجزائر وأفضل امرأة ملهمة في الجزائر لسنة 2019 ــ 2020، تكلّمت عني العديد من وسائل الإعلام الوطنية والدولية منها BBC والمواقع الأمريكية، وعن مبادرتي الخاصة بفئة المكفوفين.
- ماذا يتناول إصدارك «إبصار مكفوف»؟
هو تجربة جميلة لأنّني عشقت عالم المكفوفين، وأصبحت أحاول الغوص أكثر وأكثر في هذا الفضاء المظلم والمضيء في نفس الوقت، مظلم لما يعايشه هؤلاء المكفوفون من فقدان بصر وعتمة وأوضاع مجحفة، ومضيء من خلال ما لمسته منهم بعد احتكاكي بهم وما ينجزونه في حياتهم رغم الإعاقة. تجربتي مع هذه الفئة الحساسة دفعتني لأرفع قلمي وأسخّره لهم من خلال إصداري «إبصار مكفوف». هم حبّبوني في الكتابة وجعلوني أكتب عن كل غيمة ونجمة حلقت في سمائهم، كتبت عنهم بتفاؤل، بحب وفرح، استمدت منهم الطاقة الإيجابية، خاصة حين كانوا يرون في الأمل، فهذا شعور لا يوصف، الكتاب عصارة ما عايشته معهم خلال 03 سنوات.
تطرّقت في الكتاب إلى عدة زوايا ونقاط هامة في حياة المكفوف، فهو يتطرّق إلى واقع المكفوفين في الجزائر خاصة، والوطن العربي عامة، وحياة عمي الضرير أنموذجا. كما تناولت إبداعات هذه الفئة ونتائج الدراسة الميداينة التي قمت بها خلال الاحتكاك بهم، وقد شاركت بهذا الكتاب في المعرض الدولي للكتاب سنة 2019.
- لماذا الكتابة «لـ» وعن فئة المكفوفين خصيصا؟
سأرجع بك إلى 03 سنوات ونصف من الزمن حتى تعرفي أنت وقرّاء جريدة «الشعب» كيف وجدت نفسي في هذا المجال، حقيقة أنا لم أخطّط بتاتا للولوج إلى عالم المكفوفين، كان تدبيرا من الله عز وجل، فقبل أن أكتب لفئة المكفوفين كنت قد مثّلث الجزائر في برنامج تلفزيوني عربي يحمل عنوان
«ملكة المسؤولية الاجتماعية» سنة 2017 بمبادرة إنسانية اجتماعية حول المكفوفين. لماذا بالذات المكفوفين؟ لأنّ عمّي كان ضريرا، هذا ما دفعني للتفكير جليا في هذه الفئة والقيام بشيء تجاههم يغير ما يعيشونه في ظل أوضاعهم الراهنة، وصلت مبادرتي إلى النهائي التي تم اختيارها من بين 12500 امرأة على مستوى الوطن العربي، ومن هناك كانت انطلاقتي في مجال الكتابة والاهتمام بالإعاقة البصرية والتطلع لآفاق وتحديات أكثر، فبدأت بإجراء أبحاثي الميدانية من أجل معرفة خبايا عالم المكفوفين، وركّزت على العوائق والمشاكل التي يعانون منها من أجل الإتيان بالبديل لتسهيل حياتهم اليومية، وأردت من جهة أخرى إثراء مجال الكتابة في موضوع تشح فيه المعلومة والإصدارات المتعلقة بهذه الشريحة من المجتمع.
- هل له نسخة بالبراي؟
ليست له نسخة بالبراي، بالرغم من أن أول ما فكرت به حين انطلقت في هذا المشروع هو إصدار الكتاب ورقيا باللغة العربية وبلغة البراي في مرحلة ثانية، لكن للأسف ندرة ورق البراي بالجزائر وسعره الباهظ بالخارج، جعل تجسيد هذه الفكرة ميدانيا أمرا مستحيلا في هذه المرحلة، لكن لن يهدأ لي بال، حتى ترى الفكرة النور، وأوفر الطبعة الخاصة بالبراي للمكفوفين، فقد تواصلت في هذا الصدد مع مؤسسة ثقافية من المملكة العربية السعودية وأخرى من تركيا.
- هل فكرت في الكتابة للطّفل؟
الكتابة للطفل حلم يراودني منذ مدة لأن معظم مجالات عملي ونشاطاتي مع الطفولة التي أرى فيها روح الصفاء والنقاء، ببراءتهم التي أستمد منها الحيوية والتحفيز، فأمنيتي أن اخصص قلمي لهذه البراءة وأضع بين أيديهم كتابا يليق بمقامهم ومكانتهم عندي.
- تألّقت عربيا بمشروع اجتماعي وسبق وأعلنت عن تجسيده ميدانيا، ما هي فكرة المشروع؟ وما هي تصوراتك لنتائجه وانعكاساته على المجتمع؟
كما ذكرت سابقا مشاركتي في برنامج «ملكة المسؤولية الاجتماعية» من خلال مشروع مركز «إبصار مكفوف»، وهو مشروع خدماتي يقوم على توفير التأهيل النفسي للمكفوف وأسرته وتقديم خدمات اجتماعية في مختلف المجالات منها البيداغوجية، التعليمية، التكوينية، التكنولوجية والتدريبية على استعمال العصا البيضاء والكلاب المرشدة دون أن ننسى الجانب الترفيهي، كما يسمح بإدماج المعاق بصريا داخل المجتمع وتحقيق نوع من الاستقلالية الذاتية. إذا هو مشروع مهم لاقى استحسان الكثير، وتجسيده حلم كل مكفوف، فأنا واقفة على قدم وساق حتى يرى النور، وهو مسؤولية كبيرة ألقيت على عاتقي. دراسة المشروع جاهزة بأكملها، والشروع في التجسيد قد أجّل بسبب تفشي فيروس كورونا وإقرار الحجر المنزلي.
- من إعلامية إلى كاتبة إلى حاملة مشاريع، هل هو حب الاكتشاف وتحدي القدرات والحدود أم البحث عن مجال تفجّرين فيه كل مواهبك؟
حب الاكتشاف وتحدي القدرات والبحث عن مجال أفجر فيه قدراتي، كلها كلمات مترابطة وتصب في سياق واحد وهو حب العطاء وتفجير قدراتي في كل شيء أجيد عمله، لا يوجد شيء صعب بل يوجد بداخلنا الإرادة والعزيمة في عمل الأشياء، فهما يصنعان المعجزات، بداخل كل شخص أشياء يجهلها وهو يستطيع القيام بها، ما عليه فقط البحث في ثنايا شخصيته لتحقيق ما يريده.
- بما أنّك في مجال التّربية، كيف يمكن التوفيق بين متطلّبات الطفل البيداغوجية والثقافية والترفيهية في ظل العصرنة وانتشار استعمال التكنولوجيات الحديثة؟
يمكن التوفيق من خلال الحملات التحسيسية والتحفيزية للطفل من أجل إدراجه للمشاركة في الفعاليات والنشاطات الثقافية والمجتمعية، لابد من تحسيس الطفل بمسؤوليته تجاه مجتمعه في الأعمال المجتمعية والثقافية، وتحسيسه بلذة ما يقوم به، فحبّه للأنشطة يجعله يحب ما يفعل، ويدعو أصدقاءه من نفس سنه لمشاركته النشاطات، وهذا راجع للتحفيزات والتشجيعات التي تقدّم له، وتحسيسه بقيمة إنجازاته، الطفل مستقبل الوطن. وهنا نؤكّد على ضرورة دور الأسرة في دفع أبنائها إلى المشاركة في مثل هاته الأنشطة لتفجير مواهبهم وطاقاتهم، ولا نستطيع عزل الطفل على معايشة عصره، عصر التكنولوجيا ووسائل الاتصال، لكن يستطيع الطفل وطبعا بمساعدة والديه أن يستغل هذه التكنولوجيا في الأشياء الإيجابية من خلال تأثيره ميدانيا على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا أو فتح قنوات خاصة ونشر ما يقوم به ليكون قدوة لجيله.
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
مشاريعي عديدة، أحاول دائما العمل بجد للوصول إلى طموحاتي، والتي تكمن في تجسيد مركز «إبصار مكفوف» على أرض الجزائر، وتعميمه على مستوى الوطن العربي وتكون الانطلاقة من الجزائر، أما في مجال الإعلام أطمح لعمل اسم لي في المشهد العربي.