منذ إحتلال المغرب للصحراء الغربية (1975) والنظام المغربي يمارس أساليب استعمارية تقليدية في التعامل مع الملف الصحراوي، سواء أثناء الحرب التحررية التي قادتها جبهة البوليزاريو لمدة 16 سنة (1975-1991) أو منذ وقف إطلاق النار (1991). سياسة وأسلوب مغربي يتناقضان مع الموضوعية والحق والواقع والمجال وخاصة قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان والشرعية الدولية المتمثلة في قرارات منظمة الأمم المتحدة منذ سنة 1963.
منظمة الأمم المتحدة أصلا وطبيعيا لا تعكس فقط ميثاقها وهياكلها وقوانينها بل هي تركيبة تعكس إرادة المجتمع الدولي، دولا وشعوبا. وعندما تصطدم دولة ما بمتغير القانون الدولي والفواعل السياسية الدولية تكون قد واجهت إحتمالات الفشل مهما كان مستوى الأداء السياسي وقوة التأثير لوسائل الضغط التي تستعملها، ومع التطور في المراحل تصبح هذه الوسائل غير قادرة على التأثير، وأن التهرب في مواجهة الواقع يصبح سلوكا أو ممارسة بخلفيات ومفهوم ظرفي بعيدا عن الإستمرارية ناهيك عن تحقيق مكاسب ميدانية.
ويمكن هنا ذكر بعض المحطات والمجالات التي تعكس ضعف وفشل الأداء الدبلوماسي المغربي في التكيف مع التطورات الإقليمية والدولية:
1- تقديم المغرب نفسه للغرب على أنه محطة لاحتواء المد الشيوعي أثناء الحرب الباردة، لم يبق له مبرر أو تأثير مع إنهيار المعسكر الإشتراكي.
2- لفترة طويلة منذ استقلال المغرب (1956) و النظام المغربي يعرض نفسه أنه نموذجا لليبيرالية الإقتصادية وهذه أيضا لم تصبح حكرا على المغرب أو أية دولة أخرى، بل كل إفريقيا وتقريبا كل دول العالم لها وبها نفس التوجه يتجاوز حتى المغرب خاصة في التعامل من خلال الشركات الكبرى متعددة الجنسيات. تأتي الجزائر، نيجيريا، أنقولا، النيجر، في مقدمة هذه الدول التي بها ثقل الشركات المتعددة الجنسيات. وتلعب هذه الشركات دورا أساسيا في التأثير على دولها.
3- الأهم بالنسبة للغرب بالمفهوم الإقتصادي هي العلاقة مع الدول الإفريقية الأخرى وليس المغرب. فرنسا وحدها لها مصالح إقتصادية مع دول إفريقيا تتجاوز 50 مليار دولار، وبالمقابل فإن المصالح الإقتصادية لفرنسا مع المغرب لا تتجاوز 03 مليار دولار.
4- المشاكل الإقليمية في إفريقيا التي تهم الغرب من منطلق جيو سياسي لا يشكل المغرب فيه مصدرا للتأثير فيها أو تسويتها مثل أزمة الساحل الإفريقي أو الأزمة في ليبيا. دول الميدان بالنسبة للساحل الإفريقي هي موريتانيا، مالي، النيجر والجزائر. هذه الأخيرة التي لها أكبر حدود مع الساحل الإفريقي (3777كلم). بل أكثر من ذلك، تعتبر المغرب مصدر لإذكاء نار التوتر في المنطقة وخاصة كونها دولة منتجة ومصدرة للمخدرات زيادة على كونها منطقة عبور للمخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية.
5- أية محاولة للمغرب في اتجاه التأثير في المنطقة على أساس مجال حيوي أو جيو سياسي يعني مباشرة السياسة التوسعية المغربية التي تعتبر أن الصحراء الغربية، موريتانيا، شمال السينغال، شمال غرب مالي وأجزاء من اقليم الجزائر المحاذي للحدود المغربية، كلها جزء من المملكة المغربية الكبرى.
6- لا يوجد مبرر موضوعي تاريخي يعكس حق المغرب في السيادة على الصحراء الغربية. وما يوجد حقيقة هي السياسة التوسعية المغربية التي يظهرها في كل ظرف ومرحلة. حيث لم يعترف المغرب بموريتانيا كدولة مستقلة إلا بعد 09 سنوات من استقلالها (1960-1969) وتم هذا الإعتراف بعد ضغوطات دولية. والحقيقة أن النظام المغربي ما زال يعتبر موريتانيا جزء من المملكة المغربية من خلال مواقف لعناصر فاعلة في السلطة وتوجهات أحزاب سياسية موالية للمخزن، مثل حزب الإستقلال.
7- من خلال الممارسات المغربية عمليا يستنتج بأن النظام المغربي يقر بطريقة غير مباشرة وأحيانا مباشرة بأن الصحراء الغربية ليست مغربية:
أ- المغرب حتى سنة 1975 كان رفقة الدول الإفريقية ودول عالم الجنوب ككل يقر بأن الصحراء الغربية هي مستعمرة ويجب أن تخضع لمبدأ تصفية الإستعمار عبر ومن خلال الشرعية الدولية التي يتم بها استقلال الشعوب المستعمرة، ضمن ذلك عمل المغرب قبل سنة 1975 إلى جانب الدول الإفريقية والدول المناهضة للإستعمار للضغط على إسبانيا لتنظيم استفتاء لشعب الصحراء الغربية لتقرير مصيره.
ب- لو كان المغرب يعتبر قطعا وبدون نقاش بأن الصحراء الغربية جزء من أراضيه لما قبل بالإستقلال سنة 1956 بدون صحراء غربية، وقد تم ترسيم حدود المغرب خارج الصحراء الغربية وبالحدود الحالية للمغرب، وقدم الملف إلى الأمم المتحدة كذلك. هذا إقرار وإعتراف من المغرب بأن الصحراء الغربية ليست جزء منه. الجزائر مثلا أجلت استقلالها لمدة أكثر من 4 سنوات بسبب رفض الصحراء عن الأراضي الجزائرية واستمرت الحرب التحررية حتى فرضت جبهة التحرير الوطني على فرنسا استرجاع استقلال الجزائر بكل أراضيها موحدة.
ج- رغم أن اتفاقية مدريد (14 نوفمبر 1975) هي خارج القانون الدولي، لأنها تجاوزت الشرعية الدولية، إضافة إلى أنها لم تشرك المعني بالقضية مباشرة، وهو شعب الصحراء الغربية، فإن وجودها إنتهى بانسحاب موريتانيا سنة 1978 من الجزء الذي احتلته عقب اتفاقية مدريد.
د- إذا كانت الصحراء الغربية بالنسبة للمغرب هي جزء من سيادته، فلماذا اقتسمها مع موريتانيا، وهذا في حد ذاته إقرار بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب.
ه- يعترف المغرب بأن الطرف الثاني في قضية تصفية الإستعمار بالصحراء الغربية هو جبهة البوليزاريو وهو يتعامل معها في هذا الإطار منذ سنة 1991، وحتى قبل ذلك أثناء الحرب بين جبهة البوليزاريو والنظام المغربي، فقد استقبل الملك الحسن الثاني وفدا عن جبهة البوليزاريو سنة 1989.
و- إذا كانت الصحراء الغربية هي للمغرب فلماذا يصر على مشروع الإستقلال الذاتي، ويعلم النظام المغربي مسبقا أن هذا المشروع عبارة عن أسلوب وممارسة تقليدية مارستها الدول الإستعمارية، وفشلت في النهاية، لأن الشعوب المستعمر رفضت أي مشروع ما عدا الإستفتاء والإستقلال .
ز- إذا كان المغرب يصر على أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أراضيه فلماذا يقسمها بحائط بطول 2800 كلم. وهذا اعتراف بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من سيادته وإلا لماذا يأخذ جزءا ويترك جزءا آخر ما وراء الحائط (الأراضي المحررة من طرف جبهة البوليزاريو).
8- العالم كله، دولا وشعوبا بما فيها فرنسا يقر بأن الحل هو في تجسيد الشرعية الدولية عبر استفتاء شعب الصحراء الغربية، فرنسا المحسوبة بدعمها للمغرب بدأت تسير ضمن هذا الإتجاه، على الأقل من خلال المفاهيم والشرعية الدولية. لأول مرة بلسان رئيس الدولة الفرنسية يستعمل مصطلح الصحراء الغربية خلافا للسابق حيث كان يشار إلى ذلك بالصحراء. في خطابه أمام البرلمان المغربي (ديسمبر 2012) وقبل ذلك بالجزائر أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على ضرورة حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره من خلال الشرعية الدولية بالنسبة للمغرب، تعتبر تسمية الصحراء الغربية موقف سياسي مناقض للإحتلال المغربي، النظام المغربي يستعمل مصطلحات مثل : الصحراء المغربية أو الأقاليم الجنوبية. مصطلحات وجدت فشلا في موريتانيا حيث كانت كذلك تعتبر من الأقاليم الجنوبية بالنسبة للمغرب، ولكن في النهاية هذا الأخير خضع للحقيقة وإرادة المجتمع الدولي بأن موريتانيا ليست جزءا من المغرب ويجب إعتراف المغرب بذلك والذي تم سنة 1969. ونفس المصير سوف يواجهه المغرب بالإعتراف بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب، ويجب أن تستقل ضمن ووفق إرادة المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة.
9- العلاقات الفرنسية المغربية لم تمر بأية خلافات منذ استقلال المغرب سنة 1956 إلا في السنتين الأخيرتين حيث بدأت فرنسا تبرز سياسات مختلفة مع النظام المغربي لدرجة انتقاد هذا الأخير لفرنسا، هذه الأخيرة بدأت تبتعد عن التعامل الإيجابي المطلق مع ممثلي النظام المغربي في ملفات متعددة تهم العلاقات الثنائية بين البلدين والسياسة المغربية في المنطقة.
10- الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى التي تتحكم أو تؤثر بقوة في المخرجات الإستراتيجية للقضايا الإقليمية، لا تتعامل مع المغرب من منطلق الإعتراف باحتلاله للصحراء المغربية. فعندما تعقد اتفاقية اقتصادية أو تجارية أو ثقافية مع المغرب ترفض الولايات المتحدة الإمريكية إدخال الصحراء الغربية لأنها تعتبرها قضية تصفية استعمار مطروحة أمام منظمة الأمم المتحدة. بل أكثر من ذلك أن الولايات المتحدة الإمريكية قبل سنتين طرحت موضوع إدراج مراقبة حقوق الإنسان في مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الإستفتاء بالصحراء الغربية (المينورسو-MINURSO). وبسبب فرنسا أساسا لم تضغط الولايات المتحدة لإخراج هذا القرار في مجلس الأمن حتى لا تؤثر على علاقة التحالف بين الولايات المتحدة وفرنسا. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر السلوك السلبي للمغرب في التعامل مع السفير الأمريكي السابق ومبعوث الأمم المتحدة الحالي السيد كريستوفر روس أمرا غير مقبول، لأنه قبل أن يكون مبعوثا للأمم المتحدة فهو أمريكي وسفير أمريكي سابق من الطراز الأول وبالتالي رفض التعامل معه هو مس مباشر بالتمثيل الدبلوماسي الأمريكي.
11- سياسة الهروب إلى الأمام من طرف النظام المغربي لم تصبح مقبولة من طرف حكومات غربية متعددة مثل السويد وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. المغرب تدريجيا يخسر علاقات تقليدية ويمكن أن يصل ذلك حتى إلى الحكومة الاسبانية، هذه الأخيرة التي شعبها أصبح لا يتحمل التناقض الصارخ والسلوك غير الديمقراطي للحكومة الإسبانية المتنافي مع إرادة الشعب الإسباني الداعمة لجبهة البوليزاريو وحق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره. كما أن إسبانيا لا يمكن لها أن تتحمل أللامنطق في علاقاتها الثنائية مع الدول الإفريقية المساندة للجمهورية العربية الصحراوية، اعتبارا للعامل الإقتصادي والتجاري، فعلاقة إسبانيا مثلا مع الجزائر هي الأهم، حيث أن إسبانيا تعتبر من بين الثلاثة دول الأوائل كشريك اقتصادي للجزائر، ونفس الشيء ينطبق على علاقة إسبانيا مع كثير من الدول الإفريقية، مع الأزمة الإقتصادية التي تواجهها يصبح المغرب ليس أولوية في السياسة الإسبانية.
12- وحتى دول عالم الجنوب بما فيها الدول العربية والإسلامية بدأت تقترب من فهم القضية على الأقل من خلال الشرعية الدولية وخاصة داخل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة. ذلك ما عشته شخصيا /1-8- أكتوبر 2014/ باللجنة الرابعة للأمم المتحدة، الخاصة بتصفية الإستعمار حيث عبر مثلا مندوبو الباكستان، اندونيسيا وإيران بضرورة الإسراع بتنظيم استفتاء لشعب الصحراء الغربية كحل وحيد لتنفيذ الشرعية الدولية، ونفس الموقف يوجد بصفة مباشرة أو غير مباشرة لدول عربية مثل مصر واليمن، وأكثر من ذلك، أن الدول العربية التي كانت ترفض التعامل مع شعب الصحراء الغربية تحت أي غطاء فإنها تقدم حاليا مساعدات إنسانية للاجئين الصحراويين، مثل العربية السعودية.
13- من خلال تواجدي داخل منظمة الأمم المتحدة ونقاشي مع ممثلين ومشاركين هناك وجدت هذه المرة مواقف متصاعدة تجاه ضرورة إيجاد آليات جديدة تفرض على المغرب الإمتثال لقرارات الأمم المتحدة، بداية من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد بان كي مون الذي عبر عن ذلك في تقريره لمجلس الأمن (أفريل 2014). بالنسبة للأمين العام، يجب أن تكون 2015 سنة البحث عن وسائل جديدة لتجسيد الشرعية الدولية، و قد بدأ في توصيات اللجنة الرابعة لمنظمة الأمم المتحدة (أكتوبر 2014) التي أكدت على حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره والإستقلال. وظهرت كلمة استقلال لأول مرة بصفة مباشرة في توصيات وقرارات الأمم المتحدة في ما يتعلق بالصحراء الغربية. كلمة استقلال كانت تدرج في موضوع الاختيارات التي تطرح على شعب الصحراء الغربية في الإستفتاء. تحدي المغرب للمجموعة الدولية يجد رد فعل متزايد من طرف الأمم المتحدة، خاصة عند رفض النظام المغربي التعاون مع مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية، السيد كريستوفر روس.
14- العالم الآن يتفهم أكثر قضية تصفية الإستعمار بالصحراء الغربية وتعمل الشعوب في اتجاه الضغط على حكوماتها في التعامل مع الملف بموضوعية وإنسانية انسجاما مع قوة الحق من خلال الشرعية الدولية والبعد الإنساني، ذلك ما يعبر عنه باستمرار في التجمعات الشعبية والتظاهرات الجماهرية والمنظمات غير الحكومية وبرلمانات في العالم وحتى ممثلين رسميين للحكومات والدول في مختلف الندوات والمؤتمرات التي تنظم دوريا، تقريبا في كل أسبوع في منطقة ما في العالم هناك نشاط يتعلق بمساندة تصفية الإستعمار بالصحراء الغربية. في شهر ديسمبر 2014 فقط تم تنظيم 08 ندوات كبرى حول الموضوع، 05 في أوروبا و 02 بأمريكا اللاتينية و01 بالجزائر (حق الشعوب في المقاومة لتقرير المصير: 13 و14/12/2014 بفندق الأوراسي) . شارك في المؤتمر بالجزائر 220 مندوب أجنبي من 54 دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وممثلين رسميين لدول مثل جنوب افريقيا، زيمبابوي، فنزويلا، كوبا، كوريا الشمالية، كينيا، الموزمبيق. في هذا المؤتمر جمع الوفد الأمريكي إمضاءات الحضور لدعم رسالة موجهة للرئيس الأمريكي أوباما تطالبه باستعمال ثقل الولايات المتحدة الأمريكية لإدخال ملف حقوق الإنسان في مهمة المينورسو.
أخيرا وليس آخرا، على المغرب أن يعرف أن الذي يتجسد في النهاية هو الشرعية الدولية لتصفية الإستعمار بالصحراء الغربية عبر الإستفتاء. غير ذلك معناه نهاية منظمة الأمم المتحده التي هي أصلا من خلال ميثاقها وهياكلها وتوصياتها وقوانينها والدول الفاعلة فيها، كلها تقر بحتمية حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها.
على المغرب أن يعرف أنه من مصلحة الشعب المغربي والدولة المغربية الإمتثال للشرعية الدولية وإلا فإنه سيواجه حصارا دبلوماسيا واقتصاديا متزايدا وقد بدأ على مستوى المطالبة بمقاطعة المنتوجات المغربية التي مصدرها الصحراء الغربية، والمناهضة للشركات الأجنبية التي تستثمر بالأراضي المحتلة بالصحراء الغربية إضافة إلى استعمال دول كثيرة للملف الإقتصادي في إطار دعمها للصحراء الغربية، ويتوقع أن يزداد هذا التوجه سنة 2015، على الشعب المغربي أن يعرف أن تصفية الإستعمار بالصحراء الغربية عبر الإستفتاء هو بالدرجة الأولى في صالح المغرب والعلاقات الثنائية المغربية في المنطقة ومن أجل بناء مغرب عربي تحترم فيه إرادة الشعوب.
تصفية الإستعمار بالصحراء الغربية 2014
مكاسب لجبهة البوليزاريو وفشل للدبلوماسية المغربية
أ.د. إسماعيل، دبش كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية - جامعة الجزائر 3.
شوهد:1632 مرة