وأخيرا سكتت الأسلحة واستقبل الفلسطينيون ذلك وهم يرفعون رايات مختلف الفصائل الفلسطينية، وجاء قادة «المقاومة» مساء الثلاثاء 26 أوت لإعلان «النصر». (...) وتفجرت فرحة المواطنين وهم يرون أخيرا حلا للنزاع، هل هذا انتصار لإسرائيل وهي تطلق من الجو ومن البحر قذائف نحو الشيوخ، النساء ونحو أطفال دون دفاع و مهاجمة المدارس والمساجد والمستشفيات، وقتلت 2100 شخص والآلاف من المصابين بعاهات مستدامة في ظل احتلال غير شرعي هل هي نهاية المواجهات بعد 50 يوما من الحرب؟ شروط هذا الاتفاق لاتزال مجهولة.
«نحن، يهود جنوب إفريقيا أصابنا الهجوم على غزة بالذعر والحرج. إننا فخورون بكوننا يهود ونعلم أن كل إنسان يتمتع بنفس الشرف وأن كل الأنفس متساوية، نرفض تعرية الفلسطينيين من إنسانيتهم بهدف التقليل من ثقل موتهم على ضمائرنا.
نداء لخمسة مائة عضو بارز في المجموعة اليهودية لجنوب إفريقيا
«ساوث افريكن سانداي تايمز».
ولكن وحسب مسؤول فلسطيني رفيع فإنه يتضمن «رفع الحصار عن قطاع غزة» الذي فرضته إسرائيل منذ 2006. وهذا المطلب الرئيسي للفلسطينيين وهو الأمر الذي ترفضه الدولة العبرية إلى اليوم.(1)
قادة حماس أكّدوا لسكان غزة أنه سيكون لهم مطار وميناء. وهو أمل مسحه أحد المقربين من الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتناياهو. « لن يكون هناك مطار ولا ميناء ولا يسمح بدخول أي مواد يمكنها أن تستعمل في إنتاج الصواريخ أو لحفر الأنفاق إلى غزة». إنه ليس انتصار إذن.
حصيلة الحرب الثالثة على غزة
ماهي حصيلة هذه العقوبة الثالثة غير العادلة في حقّ شعب لا يطالب بأكثر من العيش فيما تبقى من أرضه الأصلية: فلسطين. فلنتذكر أولا وحشية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي صدمت الكثير من الناس ومن ضمنهم الكثير من اليهود. الاغتيال الأعمى للمدنيين والتحطيم الكبير للمنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والبنى التحتية، هذه الإبادة نابعة من منطق صهيوني ومن المبادئ التي بنيت عليها دولة إسرائيل. (...) وزارة الصحة أعلنت مقتل 2137 فلسطيني (من بينهم 577 طفلا على الأقل و236 امرأة و 102 شيخ) وأكثر من 11100 جريح منهم 3374 طفلا و2288 امرأة و410 شخص مسن.
وهذا دون احتساب الإعاقات المستدامة. وشباب لم يعرفوا الطفولة مرّوا على الحياة مرور الكرام.
جوشوا كيتينغ حلّل بطريقة نقدية هذا الاتفاق وكتب: «لا أعتقد أنه علينا استبعاد العودة إلى المعارك قريبا، ولكن العودة إلى ارتكاب المجازر التي كنّا شاهدين عليها شهر جويلية يبدو غير وارد. هناك حظوظ في تخفيف إسرائيل لحصارها المفروض على تنقل الأشخاص والتجارة في غزة دون رفعه تماما. ومن شأن ذلك أن يفتح معابر على الحدود وبناء ميناء وتوسيع حقوق الصيد، ويسمح بدخول المساعدات الإنسانية وبإطلاق مفاوضات من أجل تحرير المعتقلين.
«يواصل كيتينغ لماذا لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق من قبل؟ لم يكن الاتفاق ممكنا إلا بعد فراغ إسرائيل من مهمة تحطيم أنفاق حماس التي تصل إلى أراضيها، وبعد أن حاربت حماس من الوقت ما يكفي للحصول على حظ تسويق «انتصار المعارضة» للرأي الداخلي الفلسطيني. المفاوضات ستتواصل وستتعقّد وستتخلّلها موجة من العنف مجددا، ولكن الأمور ستعود رويدا إلى وضعها الطبيعي. وبتعبير آخر تعود الأمور إلى وضعية ينعدم فيها التسامح وهي لا تخدم أي من الطرفين على المدى البعيد».(2)
في تحليل مستفيض شرح البلجيكي جون بريكمون أستاذ الفيزياء النظرية مفهوم هذا الانتصار: «من انتصر؟ وللإجابة على هذا السؤال لا يجب أن ننطلق من عدد القتلى. فقتل عدد كبير من المدنيين لا يعني أننا ربحنا الحرب، وإلا اعتبرنا أن ألمانيا انتصرت على الاتحاد السوفياتي وفرنسا انتصرت في الجزائر والأمريكيين في فيتنام. لتقييم من انتصر فعلا يجب الأخذ بعين الاعتبار توازن القوى والأهداف المعلنة في الحرب. أما أن نتهم حماس دون دليل باختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين، وندخل في عملية عسكرية واسعة لقمع حماس على أساس هذه الاتهامات، من الواضح أن إسرائيل هي المسؤولة عن اندلاع المواجهات. ما هو هدفها؟ إنه ليس واضحا بالشكل الكافي، ولكن يبدو أنها تستهدف إضعاف حماس. والفشل من وجهة النظر هذه كامل. حماس والمنظمات الأخرى للمقاومة المسلحة خرجت أكثر قوة بمجرد أنها حافظت على بقائها أمام طوفان النيران الإسرائيلية. الأنفاق سيعاد بناؤها والصواريخ ستصل إلى غزة في آخر المطاف رغم «المراقبة» كما كان الوضع في السابق.(...) من وجهة نظر المقاومة الانتصار كان جزئيا ولكنه صاف: الإسرائيليون أجبروا على التفاوض مع أولئك الذين قالوا إنهم لا تفاوض معهم «أبدا» وقبلوا على الورق رفع الحصار، وهو أفضل مما كان عليه الوضع قبل الحرب. وبكل تأكيد ننتظر إذا كان سيتم تطبيق ما تم التوقيع عليه ولكن مجرد هذا الاعتراف يعتبر تراجعا بالنسبة لهم ويعد انتصارا بالنسبة للفلسطينيين.(...) ولكن لابد من الإشارة أن ذلك انهزام لوسائل إعلامنا ومثقفينا الذين يتكلمون دون توقف عن مسار سلام «غير موجود»، وحوار (غير مجدي مالم تتغير موازين القوى) وعن حلّ الدولتين (الذي لا يرغب فيه الإسرائيليون بكل وضوح)، وهو ممتاز في فن الإرهاب الفكري المسمى « مكافحة اللاسامية». (3)
الناجون من المحرقة يتّهمون إسرائيل بارتكاب مجزرة في غزة
بشكل مثير للفضول لم يرد العالم العربي بعفوية على عدوان غزة بل بمظاهرات « برمجتها الأنظمة». الصرخات الثائرة للناجين من معتقل اوزويتش جاءت لتعطينا الإحساس بالراحة من كون أن المجتمع الإسرائيلي ليس كتلة واحدة. ولهذا «في رسالة نشرت في شكل إعلان السبت في النيويورك تايمز، أكثر من 350 من الناجين من المحرقة النازية نشروا تنديدا شديد اللهجة بـ «إبادة فلسطينيي قطاع غزة وبالاحتلال المستمر لفلسطين.» وتواصل الرسالة انتقاد حكومة الولايات المتحدة على تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية ودول غربية أخرى وفّرت التغطية الدبلوماسية لإسرائيل وحذرت الرسالة من أن «المجزرة ستستمر مادام العالم على صمته» رسالة الناجين من المحرقة سجّلت بقلق التشابه مع النازية في أوساط المجتمع الإسرائيلي وخاصة في «التجريد العنصري للفلسطينيين من إنسانيتهم»، والدعاوى المفتوحة لإبادة أولئك والتي أطلقها «سياسيون وخبراء في السياسة» تثبت أن «إسرائيليي اليمين يعتنقون تعاليم النازيين الجدد»(4)
«دقة هذا التقييم تأكّدت بسرعة في شكل رسائل على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك على يد اليمينيين الإسرائيليين الذين قالوا إن الذين أمضوا على التصريح عليهم «العودة إلى أوزويتش» أين «سيموتون في غرف الغاز» وأبدوا أسفهم على « أن هتلر لم يكمل عمله». الموقّعون على رسالة الناجين من المحرقة أعلنوا «تقززهم و حرجهم من تعسف تاريخهم» ... لتبرير ما هو غير قابل للتبرير» مجزرة غزة.
كما أن الحملة العسكرية الحالية ضد 1.8 مليون فلسطيني يعيشون في غزة تعتبر من بين الأكثر عنجهية والمصحوبة بموجة هيستيرية لليمين وللشوفينية التي تعكس أحيانا سياسة النظام النازي نفسه».(4)
لماذا لا تحاكم الجنائية الدولية الجرائم المرتكبة في غزة
ثمه تواطؤ غربي كبير لكي لا تدرس محكمة الجنايات الدولية جرائم الحرب ضد الإنسانية التي ارتكبها الإسرائيليون في غزة، وإذا أمكننا فهم أن الغرب يضعون العراقيل لذلك فإن اللبس حول عباس كامل، فهو الذي عطّل تقرير غولدستون حتى لا تكون هناك متابعة والآن يماطل رغم استعجال وزرائه له. وهكذا حماس قررت مطالبة الرئيس محمود عباس بإمضاء اتفاقية روما التي تسمح لفلسطين بالحصول على العضوية الكاملة في محكمة العدل الدولية (...) ولكن عباس نفسه متردد بسبب الضغوط الأممية والأوربية الكبيرة الممارسة عليه. في تسجيل سرب مؤخرا نسمع فيه انتقاد عريقات لرفض عباس الانضمام إلى محكمة العدل الدولية.
« إلى حد الآن قاوم عباس الضغوط المتعلقة بالإمضاء على اتفاقية روما لعام 2002 الاتفاقية التي أسست محكمة العدل الدولية تحت وطأة تعريض مجموعات المناضلين الفلسطينيين إلى المتابعات. الاتحاد الأوربي حاول منع ذلك بالقول إن انضمام فلسطين إلى محكمة العدل الدولية سيضع في خطر ندوة الدول المانحة لإعادة إعمار غزة . (...) رئيس المفاوضين لمنظمة التحرير الفلسطينية قال: «لماذا يقبل نتناياهو المشاركة في مفاوضات غير مجدية إن لم يكن الأمر يتعلق ببناء المزيد من المستعمرات؟... أنت أبو مازن لديك إمكانية منع نتانياهو من السفر عبر العالم أجمع ماعدا من مطار بن غوريون إلى نيويورك. إنه مجرم حرب بغيض وممقوت استولى على (كل الأرض) من نهر(الأردن) إلى البحر هل ترك شيئا للسلطة (الفلسطينية)؟ أنت (عباس) لمّا تسافر من رام الله إلى عمان عليك الاتصال بأحد الملازمين (من مكتب تنسيق الجيش الاسرائيلي من الشين بيت وعليك إخباره بعدد السيارات المرافقة لك. إنهم يهينونك».(5)
الآثار النفسية للحرب
على أطفال غزة
أنجزت دراسة شاملة حول الصدمات النفسية للأطفال بعد عملية «الرصاص المصبوب»: «يوم 26 ديسمبر 2008 أطلقت إسرائيل عملية الرصاص المصبوب ، عدوان دمر غزة استمر 22 يوما مخلفا أزمة إنسانية. وبالإضافة إلى الدمار الشامل هناك قتلى وجرحى الهجوم خلف أثارا نفسية عميقة لدى الآلاف من الأطفال (...) التجارب التي تم خلالها الاعتداء على الأماكن أين اعتبر الأطفال في مأمن كانت ضمن الأماكن الأكثر دمارا على الصعيد النفسي. العساكر الإسرائيليون اقتحموا منازل وحشدوا كل أفراد العائلة في غرفة واحدة وأهانوا الأولياء وعنفوهم وتغير بذلك مفهوم إدراك الأبناء للشعور بالأمان داخل المنزل أولئك الذين كانوا إلى غاية تلك اللحظة يشعرون بأنهم تحت حماية أبائهم وجدوا أنفسهم في حالة ضعف تام».(6)
« أن تكون شاهدا على تهديم منزل عن طريق القصف أو بآليات البلدوزر وعليك الفرار لضمان حمايتك يمكن أن يخلف ذلك صدمة. خلال عملية الرصاص المصبوب 69 من المائة من أطفال غزة تركوا منازلهم ولجأوا إلى مكان آخر (...) نسبة مرتفعة من أطفال غزة أصيبوا باضطرابات نفسية منها القلق الحاد الذي يعقب الصدمة، الانهيار العصبي واضطرابات أخرى لها علاقة بالوضعية المرعبة التي يعيشها القطاع.(6)
نرى ذلك صدمات 2006، 2009، 2012 و2014 جعلت جيل بأكمله لا يعرف السلام وسيكون جيلا مضطربا. المجزرة الأخيرة التي أدت إلى مقتل 550 طفلا، ستترك الآلاف من الأطفال الآخرين في حالة اضطراب دائم. وليت الأمر كان يستحق ذلك فمن المحتمل جدا أن لا تحترم شروط وقف إطلاق النار. إنها مهلة في انتظار مجزرة قادمة. نتانياهو فهم جيدا أنه يفلت من العقاب وقرّر الاستيلاء على 400 هكتار من أراضي الضفة الغربية لبناء مستعمرات. في الأثناء الغزّاويون يلملمون جراحهم ومحمود عباس يهمّه التمسك بالسلطة أكثر من اهتمامه بمستقبل شعبه.