يتخذ المحتوى في الفضاء الرقمي أشكالا متعددة.. صور.. فيديوهات نصوص، وأصبح متاحا وينشر عبر البوابات الإلكترونية المدونات المنتديات شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الفضاءات التي تسمح بتبادل هذه المحتويات وإتاحتها للجمهور لتحقيق أهداف متعددة، ومع التطور التكنولوجي وانتشار الوسائط الجديدة وبروز شبكات التواصل الاجتماعي (فايسبوك، أنستغرام، يوتيوب، وغيرها) وتزايد عدد مستخدميها الذين أصبحوا يشاركون محتوياتهم بكل سهولة، برزت صناعة المحتوى في الفضاء الرقمي وما صاحبها من محتويات متنوّعة تتوافق واهتمامات الجمهور المتلقي، وبالتالي أصبحت تنافس المحتويات المعروضة عبر وسائل الإعلام التقليدية.
استفاد صناع المحتويات في الفضاء الرقمي من الخصائص المميزة للوسائط الجديدة من الكونية والتفاعلية واللاتزامنية والآنية، مما ساعد على رواجها وانتشار محتوياتها متخطية في ذلك حدود الزمان والمكان، فصناعة المحتوى، هذه الممارسة الجديدة التي انتشرت في الفضاء الرقمي، فتحت المجال لعرض المحتويات بأشكال مختلفة بين من يسعى إلى تحقيق أرباح مادية في ومن يحرص على نشر قيم ايجابية وتعزيز سلوكات مسؤولة من خلال محتويات بناءة، وعلى هذا تمر صناعة المحتوى الهادف بمجموعة من الخطوات وتعترضها مجموعة من العقبات وتواجه جملة من التحدّيات.. هذا ما نسعى إلى مناقشته وتحليله.
مفهــوم صناعـة المحتـوى
تعددت التعاريف الموضحة لمفهوم صناعة المحتوى، وقبل التطرق إليها، لا بد من تعريف المحتوى الرقمي، فهو يعرّف على أنه الشيء الذي “يمكن التعبير عنه من خلال بعض الوسائط مثل الكلام أو الكتابة أو أي من الفنون المختلفة للتعبير عن الذات”. المحتوى الرقمي أو الالكتروني يتضمن تعاريف متعددة فهو يدمج كل وثيقة رقمية يمكن تخزينها داخل دعامة أو نقلها عبر وسيلة لنقل المعلومة على الخط، هذه المحتويات يمكن أن تكون كتابية أو سمعية بصرية، منظمة داخل قاعدة المعطيات أو غير منظمة.
يعرف المحتوى الرقمي على أنه مصطلح واسع يشمل أي نوع من الوسائط أو وسائل الترفيه التي يمكن الوصول إليها عبر أنترنيت، وهو يشير إلى تسجيلات الفيديو والصوت والنصوص والصور، كما قد يتضمن تسجيلات الموسيقى والتطبيقات والألعاب التفاعلية وصفحات الويب والمواقع الإلكترونية والرسوم المتحركة الرقمية والصور الرمزية. و«صناع المحتوى”، هي صفة تطلق على من يقوم بإنشاء محتوى في مجموعة متنوعة من التنسيقات مثل منشورات المدونة والمقالات وصفحات الويب والكتب الإلكترونية القابلة للتنزيل وتسجيلات الصوت والفيديو والرسوم البيانية والعروض التقديمية الرقمية، يتمتع صانع المحتوى بالمهارات اللازمة لإنشاء محتوى يقدم إلى الجماهير من خلال مجموعة متنوعة من المنصات.
تعرف صناعة المحتوى على أنها: المساهمة في نشر معلومات في سياقات محددة عن طريق وسائط وعلى الأخص وسائط الإعلام الرقمي وذلك لفائدة المستخدم النهائي.. الجمهور”.
وضحّ لبيب محمد شائف أن “مفهوم صناعة المحتوى يتجه ليستقر نحو كل ما يتعلق بالمحتوى الذي تمت معالجته أو عرضه والتعامل معه بصورة رقمية أو عبر وسائط رقمية وتكنولوجية حديثة، وبغرض اقتصادي أو تعليمي أو توعوي بحت، وما عدا ذلك، فهو سيدخل في إطار مفهوم أشمل هو إنتاج المحتوى؛ لأن مفهوم الصناعة أكثر تخصصية ويبنى على نموذج اقتصادي يقوم على دوافع خلق العرض والطلب المنتجات هذه الصناعة”.
بناءً على ما سبق نعرف صناعة المحتوى على أنها معالجة المعلومات وعرضها عبر وسائط الاتصال الرقمي لجماهير مختلفة بغية تحقيق أهداف اقتصادية أو تعليمية أو توعوية.
أهميـة المحتـوى الرقمـي
في ظل التوجه العالمي نحو اقتصاد المعرفة، أصبح المحتوى الرقمي يلعب دورا محوريا في العملية التنموية في مختلف الميادين، وبعد أن تم التركيز على تطوير البنية الأساسية من أجل بناء مجتمع المعلومات، ظهرت أهمية المحتوى الرقمي وتأثيره على كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يشتمل المحتوى الرقمي على النصوص والصور والأفلام وكافة النشاطات السمعية والبصرية بما فيها الإخبارية والتعليمية والترفيهية بالإضافة إلى الوسائل والبرمجيات والتطبيقات الخاصة بها.
المحتوى الرقمي العربي - حسب الاسكوا - هو أي محتوى بالغة العربية بالشكل الرقمي، سواء كان نصا أو صورة أو فيديو، وهو يشمل المحتوى العلمي والاقتصادي والترفيهي والأدبي والإداري على مواقع أنترنيت، كما يشمل البرمجيات وقواعد البيانات ومنتجات المصدر المفتوح الداعمة والأدوات وبرامج معالجة اللغة العربية والمحركات البحثية ومحركات الترجمة.
ممارسة صناعــة المحتـوى
شهدت ممارسات صناعة المحتوى عبر أنترنيت تطورا كبيرا على مدار السنوات العشر الماضية نظرا لظهور منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وأنستغرام، وقبلهما منصة “يوتيوب”، ولقد سيطر على هذه الممارسة الجانب التسويقي، واستخدمتها الشركات والمؤسسات لأغراض تجارية محض، لكنها تحولت تدريجيا إلى ممارسة فردية يقوم بها أشخاص يعرفون اليوم باسم “صناع المحتوى”، وهم أفراد ينتجون المحتوى ويوزعونه على منصات التواصل الاجتماعي، وقد يكونون مراهقين أو مصورين محترفين، ويحتاج جميع منشئي المحتوى إلى هواتف ذكية مزودة بإمكانية الوصول إلى أنترنيت لتحديد الطريقة والمحتوى لمشاركته مع الآخرين.
يحقق العديد من منشئي المحتوى مداخيل من خلال الإعلانات والرعاية، حيث تدفع لهم العلامات التجارية للترويج لمنتجاتهم أو خدماتهم على قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، أدى ذلك إلى إنشاء اقتصاد جديد حول إنشاء المحتوى، يمكن فيه للأفراد كسب المال من خلال إنتاج محتوى يلقى صدى لدى الجمهور.
إن البساطة التي توفرها تطبيقات الانترنت في تنفيذ عملية النشر أتاحت لعدد متزايد من الناس دخول عالم صناعة المحتوى بعد أن كانت مقتصرة على مجموعة معينة، وهذا ما يعزز مفاهيم الديمقراطية وفق مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص من جهة، لكنه - في الوقت نفسه – يمكن أن يحدث فوضى في النشر قد تخرج عن نطاق السيطرة.
خطـوات صناعـة المحتــوى الرقمي
للوصول إلى صناعة محتوى مؤثر وفعال، لا بد أن يتبع صناع المحتوى مجموعة من المراحل تبدأ بتحديد هدف المحتوى مجرد التفكير بصناعة محتوى لا بد من هدف واضح ومحدد، لهذا لا بد من وجود فكرة عامة تصبح كمحرك وروح لهذا المحتوى. ثم تحديد الجمهور المستهلك لهذا المحتوى بعد معرفة أهميته، ولا بد أن يتم توجيهه إلى شريحة معينة من الجمهور الذي يرغب في الاستفادة من هذا المحتوى.
تحديد طبيعة المحتوى المراد تقديمه مهم للغاية، ففي هذه المرحلة يتم العمل على معرفة طبيعة وفحوى المحتوى المراد تقديمه سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الأساليب الأخرى، وهنا لا بد من السعي لاختيار الوسيلة المتاحة والأوسع نطاقا لنشر المحتوى المراد عرضه تبعا للفئة المستفيدة منه، لتحقيق أكبر قدر من التفاعل والمشاهدة.
يبقى الإخراج النهائي للمحتوى، وفي هذه المرحلة، توجه الجهود نحو معالجة المحتوى وترتيبه وتدقيقه بأفضل الطرق للحصول على محتوى ناجح ومتميز عن غيره من المحتويات.
تحدّيـات صناعة المحتـوى الرقمي
توجد مجموعة من العوامل التي تؤثر على صناعة المحتوى الرقمي من أهمها، قلة وجود استراتيجيات أو سياسات تهتم بتطوير المحتوى الرقمي وتؤكد على دوره في العملية التنموية، وعلى هذا، تتبين الحاجة إلى إقناع متخذي القرار بأهمية الإدارة الفعالة للمحتوى الرقمي وبيان الأهمية الاقتصادية لذلك.
هناك تحدّ آخر يتمثل في ضعف نشاطات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مجال المحتوى الرقمي، وعدم توافر برامج بحثية متخصصة في هذا المجال، مما يضعف الابتكار والإبداع. إضافة إلى ندرة الكفاءات البشرية المؤهلة للقيام بنشاطات تطوير صناعات المحتوى وبناء اقتصاد المعرفة، وضعف القدرة والمهارة عند المستخدمين لاستثمار جيد لتعظيم الاستفادة من المحتوى الرقمي، يضاف إلى تدني مستوى الوعي بأهمية حماية الملكية الفكرية ومتابعة الاجراءات المتعلقة بذلك مما يضعف فرص الابتكار والإبداع.
تحدّيـــات تطوير المحتـوى الرقمـي
تسعى المجتمعات العربية إلى تطوير المحتوى الإعلامي الرقمي، وللوصول إلى هذا الهدف فإنها تواجه مجموعة من التحديات أبرزها توفير الرأسمال البشري الملائم، فتطوير المحتوى الرقمي ودعم صناعته يعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري المؤهل الذي يملك مهارة عالية في استخدام تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي تتمتع بمستوى عالمي من حيث الكفاءة والجودة. إضافة إلى دعم المبدعين والرياديين، فهم عماد التغيير في المجتمعات، ومن خلال إبداعاتهم ومنتجاتهم المستحدثة يحدث التقدم والتغيير في أساليب الإدارة والتسويق وأساليب التفاعل بين فئات المجتمع. ففي المجال الرقمي تظهر الحاجة إلى رياديين ليقوموا بالإبداعات لتطوير المجتمعات ولكن هذا يتطلب توفير بيئة مناسبة ترعى المبدعين وتساعد على تطوير الأفكار، كما أن التعاون مطلوب، محليا وإقليميا، في مجالات البحث والتطوير في المواضيع الخاصة بمعالجة اللغة العربية رقميا، وتطوير بعض البرمجيات لتتوافق مع احتياجات اللغة العربية، وكذا بناء قدرات ذات كفاءة عالية في مجال تطوير المحتوى الرقمي العربي وتبادل الخبرات.
الفجـوة الرقميــة
تتمثل الفجوة الرقمية في مجال المحتوى الرقمي العربي بمجموعة من الأمور الرئيسية هي:
الأمية: نسبة الأمية في الوطن العربي تزيد عن 28 بالمائة، وأغلبهم من النساء، وهذا ما يزيد من الأمية المعلوماتية.
النفاذ: ضعف البنية التحتية ومستوى تغطية الانترنت يحد من مستوى نفاذ المستخدمين إلى الانترنت وخاصة في المناطق النائية.
نوعية ومواضيع المحتوى الرقمي: المحتوى الرقمي العربي المتوفر حاليا لا يشجع المواطن العربي على المشاركة والإبداع.
ختــامـا
هنا، نصل إلى القول إن نجاح صناعة المحتوى الرقمي يقتضي توجيه وتوحيد الجهود نحو الارتقاء بهذا المحتوى عن طريق تحديد أطر ومقتضيات هذا الممارسة وأخلقتها، وكذا مواجهة التحديات القائمة في البيئة العربية وكذا الرقمية، وعليه من أهم النتائج المتوصل إليها في هذه الورقة البحثية نذكر:
تعرف صناعة المحتوى على أنها نشر المحتويات المتنوعة عبر الوسائط الرقمية (مدونات صفحات الويب وغيرها) لتحقيق أغراض متعددة تخدم الجماهير المتعرضة لهذه المحتويات.
شهدت ممارسات صناعة المحتوى عبر الانترنت تطورا كبيرا بظهور منصات التواصل الاجتماعي، وقد سيطر على هذه الممارسة في البداية الجانب التسويقي ثم تحولت تدريجيا إلى ممارسة فردية.
صناعة المحتوى الفعال تتطلب المرور بمجموعة من المراحل تبدأ من تحديد هدف المحتوى والجمهور المستهدف ثم التوجه إلى تحديد طبيعة المحتوى المراد تقديمه وصولا إلى تحديد وسائل تعميم ونشر المحتوى وطرحه للجمهور انتهاء بالإخراج النهائي للمحتوى.
تتأثر صناعة المحتوى بمجموعة من العوامل ترتبط بقلة وجود استراتيجيات أو سياسات تهتم بتطوير المحتوى الرقمي، ضعف نشاطات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مجال المحتوى الرقمي ندرة الكفاءات البشرية المؤهلة، وكذا ضعف القدرة والمهارة الكافية عند المستخدمين.
تواجه المجتمعات العربية لتطوير المحتوى الإعلامي الرقمي مجموعة من التحديات ترتبط بتوفير الرأسمال البشري الملائم، دعم المبدعين والرياديين التعاون المحلي والإقليمي وكذا التقليل من الفجوة الرقمية.