لم نكد نتجاوز كوفيد وهمومه، حتى بدأت البرقيات تتواتر بأخبار مرض جديد/قديم، قيل إنّ اسمه «جدري القرد»، وأنّه يصيب الانسان بكذا وكيت، ويتسبّب في هذه وتلك، وأنّ عددا من الحالات بدأت تظهر عبر العالم، فيما ينذر بجائحة جديدة، ويتهدّد البشرية بأوجاع أليمة.
والحق أنّنا لا نعرف جائحة أشدّ، ولا وباء أنكى، من هذه «العولمة الغربية»، فهي منذ استقرّت، ومنحت لمن يحسبون أنفسهم كبارا، أدوات التّحكم في العالم، لم نر منها سوى أنفلونزا البقر والدّجاج والخنازير، ولم نعرف سوى قراءات تمتهن الانسان باسم حقوق الانسان، وتقترف أبشع الجرائم باسم القيم الإنسانية العادلة، وهي في كلّ هذا، تتوشّح بأردية المعرفة، ولا تجد متهمين على سطح البسيطة، سوى من تصفهم بـ «المتخلّفين»، دون أن تذكر مطلقا بأنّ «التخلّف» هو نتيجة طبيعية للكولونيالية المقيتة التي اخترعها الغرب نفسه، فانتهك حرمة الأرواح، وسفك الدّماء، بل وأحرق البشر أحياء، في أيام مشهودة سجّلها التاريخ..
ولا نعرف كيف ما يزال الغرب، يصدّق بأنّه يحرص على ما ينفع الإنسانية، بينما لا نرى بالواقع المعيش سوى ما يندى له الجبين من مآس يصطنعها هذا الغرب باسم (حضارته)، والجميل أنّه يسارع – مع كلّ مأساة يدبّج لها سيناريوهاتها – كي يدّعي بأنّ المتسبّب يمثّل (جنسا بشريا أدنى)، كمثل ما فعلت بعض الدّول الغربية التي سارعت، في اليومين الأخيرين، إلى التّرويج بأن الحالات المسجّلة عندها لـ «جدري القرد» جاءت من الخارج، على أساس أنّ البشر في أوروبا وأمريكا يمتلكون من الرّقي ما يمنعهم عن تطوير الفيروسات القاتلة..
يبدو أنّ العالم الحديث يحتاج إلى «عولمة النظافة»، وليرحم الله الشيخ محمد بن شنب الذي وضع واحدا من الكولونياليين الفرنسيين ادّعى عليه بأنه لا يحترم أسباب النّظافة، فأجابه بالصّاعق الماحق، قائلا: «ترى رجلي هاته، أحترمها أكثر ممّا تحترم وجهك، وأغسلها خمس مرات في اليوم»..