إستشراف

خيـارات طالبـان أحــلاهما مر

وليد عبد الحي

ما هي الخيارات التي ستواجهها طالبان خلال المرحلة الأولى من عودتها للسلطة؟
من الضروري بداية التمييز بين مرحلتي صعود طالبان للسلطة بين عام 1996 إلى 2001 وبين المرحلة الحالية، ففي الأولى كان وصولها للسلطة نتيجة لعوامل ثلاثة :
أ‌- الدعم الدولي بخاصة الغربي لطرد الوجود السوفييتي، فقد كانت افغانستان للسوفييت أشبه بفيتنام للولايات المتحدة في منتصف السبعينات.
ب‌- الدعم الاقليمي بخاصة العربي بالمال و» المجاهدين».
ت‌- سياسات البيريسترويكا التي تبناها غورباتشوف والتي تقوم في أحد جوانبها على التحلل التدريجي من الايديولوجيا أولا والتحلل من الارتباط بالسياسات السوفييتية التقليدية ثانيا.
هذه العوامل شكلت الرافعة التي استندت لها طالبان في انتصارها الأول وتوليها السلطة، لكنها فيما بعد أصبحت مركز تجمع لتيارات التشدد الإسلامي في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهو ما أوقعها في النهاية في المواجهة مع الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر وضرب الأبراج الأمريكية وصولا إلى المواجهة مع أمريكا لمدة تزيد عن 20 سنة.
وها هي طالبان تعود –ضمن هذه الخلفية إلى السلطة من جديد، وهي في مواجهة الاحتمالات التالية:
أولا: تبني سياسات معتدلة لضمان طمأنة القوى الأفغانية السياسية الأخرى والكوادر المهنية والتقنية والأقليات المختلفة، وقد تفتح مثل هذه السياسة الباب أمام مواجهة تيار الاعتدال لتيار التشدد الذي تربى وترعرع في مراحل القتال ضد السوفييت أو في مراحل القتال ضد الأمريكيين وبالتالي تذهب الحركة إلى الانشقاق أو الصراع الداخلي.
ثانيا: أن تتبنى طالبان سياسة تشدد تدفعها إلى مواجهة الانشقاق من قبل التيار المعتدل كذلك أو الحرب الأهلية مع القوى الأخرى ناهيك عن مواجهة ضغوط دولية أو إقليمية لم تعد تقبلها على غرار الفترة من 1996 إلى 2001.
ثالثا: أن تتمكن حركة طالبان من إعادة صياغة النموذج الإيراني في السماح لكل من تيار التشدد والاعتدال بالتواجد في الساحة السياسية والتناوب على السلطة من خلال آلية الانتخاب دون السماح بظهور قوى معادية لطالبان في مجملها على غرار ما هو قائم في إيران.
ويبدو أن الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان والتوجهات الإقليمية والدولية تجاهها لا تقف إلى جانب التيار المتشدد، ولو أن الذاكرة التاريخية الافغانية تغري التيار المتشدد على التمترس في مواقعه استنادا إلى أنهم هزموا بريطانيا في سلسة حروب بين 1839 الى 1880، وهزموا الاتحاد السوفييتي في الفترة من 1979 إلى 1989، ثم هزموا الولايات المتحدة في الفترة من 2001 الى 2021..ناهيك عن طبيعة المنظومة المعرفية الدينية لهذا التيار المتشدد دينيا والتي تجعله أقل تفهما لنزعة الاعتدال.
ذلك يعني أن « وحدة طالبان» قد تكون هي مشكلتها الأولى في الأعوام الثلاث القادمة، فقد تبدأ الخلافات تظهر تدريجيا بين التيارين (المعتدل والمتشدد)، ولكنها قد تأخذ بعض الوقت لتتبلور هذه التيارات، وقد تلتقي أطراف من هذين التيارين مع قوى من خارج كتلة طالبان في المجتمع الافغاني المتنوع عرقيا ومذهبيا.
أما مشكلتها الثانية فهي الوضع الاقتصادي الذي أشرنا لها في مقال سابق، وهو أمر مرتبط بشكل كبير بالتوجهات في المشكلة الأولى، وعليه فهو متغير تابع، فإذا نجح أيّا من التيارين من الامساك بالسلطة ورافق ذلك تحسن تدريجي في الوضع الاقتصادي فإن ذلك يعزز من استمراره في السلطة.
إنّ الواقع المحلي والإقليمي والدولي من ناحية، والإنهاك المجتمعي من الحرب من ناحية ثانية، ثم إن الاتجاه الحالي هو نحو مزيد من التراجع للتيارات الاسلامية من ناحية ثالثة، كلها عوامل أقرب إلى تعزيز التيار المعتدل، لكن التيار المتشدد الذي تربى على أدبيات معينة قد يكون هو المشكلة المستعصية والتي قد تفسد حلاوة النصر...ربما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024