استشراف

التغلغل الأمني الإسرائيلي في بنية المجتمع والسلطة الفلسطينية

وليد عبد الحي

تاريخيا، تنفرد الحالة الفلسطينية بين كل ثورات التحرّر في العالم بظاهرة التنسيق الأمني مع عدوها، وتشير الدراسات الاكاديمية والتقارير الصحفية الاسرائيلية إلى أن أجهزة الأمن الاسرائيلية تمكنت بتنسيق «مكتوم» مع سلطة التنسيق الأمني من بناء إدارة أمنية تشرف على شبكة متنوعة من «المتعاونين» مع سلطات الاحتلال، وتتمثل هذه الشبكة في الآتي:
1 - المخبرون (Informant) وهم الذين توكل لهم مهمة محدّدة وهي جمع أسماء ومعلومات وبيانات عن النشطاء السياسيين المعادين لاسرائيل وبخاصة من يحرضون ويشاركون في الاحتجاجات السلمية والانتفاضات الكبرى أو العابرة.
2 - الجواسيس (Infiltrators) وهم الذين يتمكنون من الانتماء لعضوية تنظيمات فلسطينية والعمل على جمع وتقديم المعلومات عن التنظيمات التي يخترقونها.
3 - سماسرة الأرض (Land Dealers) وهم الذين تزودهم اسرائيل بالأموال لشراء الأراضي من الفلسطينيين أو يرشدون سماسرة الأراضي على الأشخاص الذين يقبلون أو هم في حاجة ماسة للمال لبيع أرضهم، وبعد شراء الأرض يقومون ببيعها لإسرائيليين.
4 - الوسطاء (Intermediary)، ومهمة هؤلاء هي أنه في حالة تقديم شخص فلسطيني طلبا للحصول على تصريح عمل في داخل أراضي 1948 أو خدمة صحية أو السفر للخارج للعلاج أو الدراسة أو غيرها، يقوم الوسيط بدراسة وتتبع صاحب الطلب لتقديم المعلومات عنه للجهات الاسرائيلية بهدف دراسة إمكانية تجنيده للعمل مع السلطات الاسرائيلية. ويندرج مع هذا النمط من العملاء العميل بالاسقاط، وهم الاشخاص (ذكورا أو إناثا) الذين تقوم اسرائيل بتوريطهم عبر وسطائها في أعمال غير أخلاقية بخاصة الجنسية ثم يتم ابتزازهم ليصبحوا مخبرين من خلال تهديدهم بكشف فضائحهم.
5 - العميل المسلح (Armed collaborator): ومهمة هؤلاء هي إرشاد المخابرات الاسرائيلية على بيوت المطلوبين الفلسطينيين ليلا أو نهارا والتثبت من شخصيته قبل اغتياله أو اعتقاله، وغالبا يموّه هؤلاء العملاء انفسهم وأحيانا يرتدون ملابس عسكرية اسرائيلية.
6 - العميل الاقتصادي (Economic collaborators) وتتحدّد مهمة هؤلاء في ترويج البضائع والمنتجات الاسرائيلية في داخل فلسطين وفي الأسواق العربية، ويقدمون خبراتهم لكيفية ايصال هذه المنتجات لهذه الاسواق دون عراقيل.
7 - العميل السياسي (Political collaborators) وهم الأفراد الذين يتبوأون مناصب عليا في هيئات صنع القرار السياسي أو في الهيئات الإدارية والخدمية لتوجيه نشاطات هذه المؤسسات لتتسق مع سياسات اسرائيل في الأراضي المحتلة، ويقوم هؤلاء بتقديم المعلومات وتلقي التوجيهات الاسرائيلية تحت ستار «المفاوضات الرسمية»، وغالبا ما استغلت اسرائيل التنافس بين القياديين في هذه الاجهزة لتقديم خدمات ومعلومات أفضل للاجهزة الاسرائيليية التي تعدهم بمساندتهم دبلوماسيا وماليا في الأوساط الدولية بخاصة في مجال صراعاتهم على تولي المناصب العليا في هيئات صنع القرار الفلسطيني. (ويمكن قراءة بعض تصريحات مسؤولي سلطة التنسيق الأمني من هذه الزاوية).
ويشرف على هذه النشاطات جهاز الأمن الاسرائيلي أو ما يعرف بـ»الشين بيت» (وهي الحروف الأولى من اللفظ العبري الخدمة الأمنية)، وتضمّ أربعة أقسام (القسم العربي لمقاومة «الارهاب» العربي أو ما يطلق عليه (HENZA)، وقسم «غير العرب» وهو مختص بالاسرائيليين والأجانب ويتمركز حول دائرة مقاومة التجسّس الأجنبي والتخريب في القطاع اليهودي (وهو القسم الذي اهتزت صورته بعد اغتيال اسحق رابين من قبل متطرف يهودي عام 1995)، وقسم الحماية الأمنية (حماية الشخصيات والمواقع الحساسة). ولا يتبع هذا الجهاز المؤسسة العسكرية منذ 1950، بل يرتبط برئيس الوزراء.
وفي عام 1987، قامت لجنة «لانداو» بتطوير وسائل التجنيد والتحقيق بهدف تطوير أساليبها، وعزّزت الانتفاضة الأولى هذا التوجّه، ويقدم أطباء أعصاب وأساتذة علم نفس وعلم اجتماع وانثروبولوجيون خبراتهم في هذا القسم لتطوير وسائل التجنيد والتحقيق والتعذيب، وتشمل عمليات التجنيد الذكور والإناث ومن مختلف الشرائح، ويتمّ إجراء دراسات على الأفراد والجماعات لتحديد أفضل الطرق لتجنيدهم. وقد تبين للدوائر الاسرائيلية أن الإغراء السلطوي ثم المالي يعطي نتائج أقوى من الاغراءات الجنسية في جلب العميل للمصيدة.
وتمثل المزايا التفضيلية التي تقدمها سلطات الاحتلال لشخصيات سلطة التنسيق الأمني بخاصة في الهيئة العامة للشؤون المدنية في:
أ ـ تسهيل تنقلهم
ب ـ معاملتهم كاشخاص مهمين (VIP)
ت ـ فتح القنوات الدولية لهم لتسهيل تواصلهم مع المجتمع الدولي (بخاصة ممن لا يحملون مؤهلات علمية أو الذين جاءوا من طبقات وسطى أو ممن كانوا هامشين في الحياة اليومية سابقا، أو من يعانون مشاعر النقص من الأصول العشائرية أو الفقر أو.. الخ).
ويبدو من هذه الدراسات أن التجنيد يمرّ بمراحل (خاصة العملاء من أصحاب الـ(VIP)، ويشرف على متابعة هذه المراحل معهد خاص، ويقوم هذا القسم بمراجعة المعلومات أسبوعيا وشهريا:
1 - مرحلة جمع البيانات ودراسة البنية السيكولوجية والاجتماعية للعميل، وتستغرق هذه المرحلة من 5- 7 شهور.
2 - تدريب العميل (نفسيا وتقنيا)، وتستغرق هذه المرحلة ما بين عام ونصف إلى عامين. ويتمّ اختباره بطرق مباشرة وغير مباشره (أي أنه يتمّ امتحانه دون أن يعلم أنه موضع اختبار).
3 - يشمل التدريب دورات لتحسين قدرات العميل على:
أ ـ سبل الاقناع،
ب ـ كيفية إلقاء الخطب
ت ـ لغة الجسد التي تعزّز تقبل المتلقي للخطاب
ث ـ استخدام الدعابة أحيانا ومفردات الشارع أحيانا أخرى للتخفيف من ثقل الحس الرسمي..
 وهدف ذلك كله هو ايصال الرسالة الاسرائيلية من خلال قنوات فلسطينية رسمية.
أخيرا، لا بد للتنظيمات الفلسطينية المقاومة أن تركّز في وسائلها الاعلامية على هذه الجوانب وبطريقة مباشرة وغير مباشرة ومن خلال المتخصّصين لتحصين المجتمع من هذه الكوارث..

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024