بعد متابعة متواصلة لتقارير مراكز الدراسات الغربية والإسرائيلية وبعض المراكز الآسيوية من ناحية، والتقارير الأولية لبعض الخبراء العسكريّين والدبلوماسيين «غير العرب»، والمنشورة في مواقع أكاديمية من ناحية ثانية، أستطيع أن أؤكّد أنّ أداء المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس كان من حيث التأثير المعنوي مساويا لتأثيرات معركة الكرامة عام 1968.
لكن المرحلة القادمة تنطوي على تحديات في غاية الصعوبة تكشف عنها التّصريحات والتقارير والدراسات والنشاطات الدبلوماسية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية والإقليمية، والتي يمكنني تحديدها في الآتي:
1- محاولة توظيف التّدمير المادي والعسر الاقتصادي والتهديد العسكري، وتضييق الحركة من وإلى قطاع غزة للحصول على مواقف سياسية من قوى المقاومة، وتتمثل هذه المواقف التي يجري العمل للوصول لها في:
أ - اعتبار وقف إطلاق النار هدنة دائمة أو - في أضعف الحدود - هدنة طويلة المدة.
ب - أن يتم تسليم الأموال والمساعدات كلها سواء أكانت أموالا أو مواد إغاثية لسلطة التنسيق الأمني في رام الله، وأن تقوم هذه السلطة بتوزيع هذه المساعدات بعيدا عن حركات المقاومة أو حتى أهالي المقاومين.
ت - العمل على استبعاد حركة حماس والجهاد الاسلامي تحديدا من المشاركة في أية حكومة وحدة وطنية فلسطينية، أو في أضعف الحدود أن لا يتم تسليم أفراد من حركات المقاومة مناصب وزارية هامة.
ث - تنشيط التنسيق الأمني لمنع أي عمليات مقاومة في الضفة الغربية، وستعمل بعض الدول الغربية وإسرائيل على توجيه الجزء الأكبر من المساعدات المالية الى جهاز التنسيق الامني، ولعل عمليات الاعتقالات الواسعة في صفوف أنصار المقاومة في الضفة الغربية بعد الاعلان عن وقف إطلاق النار تنبئ بما بعدها.
ج - العمل على تأجيج الاضطرابات والمظاهرات في قطاع غزة تحت ستار عمليات اغتيال أو إطلاق صواريخ عشوائية بعيدا عن غرفة العمليات المشتركة واتهام حماس بعدم السيطرة على الأوضاع وإشعال فتيل فتنة داخلية.
ح - ستعمل إسرائيل على استغلال أي تقارب بين حماس وسلطة التنسيق الأمني لتسلل عناصر التنسيق الامني الفلسطيني الى غزة عبر ذرائع عديدة.
خ - تعزيز الاتهامات والتشكيك الاعلامي في سياسات حماس والجهاد الاسلامي بخاصة في علاقاتهما مع إيران وحزب الله.
2 - تغطية كل من سياسات التطبيع العربي والتشبث ببقاء السفارات الاسرائيلية في العواصم العربية من خلال انتهاج بعض الدول العربية بعض السياسات المراوغة مثل الاعلان عن تقديم بعض المساعدات المالية للفلسطينيين (وقد يتم الاعلان دون التنفيذ) والتقارب في نفس الوقت مع سوريا لإحراج الدبلوماسية السورية، ومنعها من انتقاد التطبيع في ظل المداهنة العربية لها، أو تغطية الدور الموكل لبعض الدول في نطاق «دبلوماسية الإنابة»، والظهور بمظهر الحريص على المصالح الفلسطينية بينما يتم التوافق مع واشنطن على حدود الدور وطبيعته مسبقا، ونقل المواقف إلى الأطراف التي تتحرج واشنطن من التواصل معهم مباشرة.
3 - يبدو أنّ إدارة بايدن ستعمل على تنظيم مؤتمر دولي خلال الشهور القادمة للعمل على إحياء فكرة حل الدولتين، مع العمل على إبقاء هامش المناورة واسعا للدبلوماسية الاسرائيلية بينما تضييق الخيارات أمام المفاوض الفلسطيني، وقد يتم ذلك من خلال:
أ - التدخل الأمريكي والعربي غير المباشر في تحديد الفريق الفلسطيني المفاوض.
ب - استغلال التنافس الكامن بين فريق أوسلو لخلافة رئيس سلطة التنسيق الأمني لدفعهم لتقديم تنازلات قبل تولي المنصب.
ت - محاولة إدخال حركة حماس في المفاوضات بطريقة أو أخرى مع استغلال رغبة الحركة لتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بها أو على الاقل رفعها من قائمة التنظيمات الارهابية كما جرى مع حركة انصار الله اليمنية، علما أنّ حركة أنصار الله انتزعت هذا الموقف الأمريكي انتزاعا عبر الثبات على الموقف والاداء الميداني الكبير.
ث - محاولة سلطة التنسيق الأمني الربط بين مشاركة حماس في اية حكومة وحدة وطنية وضرورة اخضاع السلاح - بخاصة في غزة - لسلطة تلك الحكومة، وهو هدف استراتيجي لإسرائيل.
ولكي تواجه المقاومة بأطيافها المختلفة هذه الحلقات التآمرية عليها لا بد من:
1 - توسيع دائرة صلاحيات غرفة العمليات المشتركة لتشمل كل ما يتعلق بالعمليات العسكرية والامنية
2 - رفض أي مساعدات لا يخضع توزيعها لمساهمة حركة المقاومة في التوزيع في غزة والضفة.
3- مطالبة إيران وحزب الله بمزيد من الجهد لفك عقدة العلاقات السورية مع حركة حماس، فحماس حاليا ليس لها قاعدة عربية آمنة، وعلى كل القوى من إيران وحزب الله والتنظيمات الفلسطينية وثيقة العلاقة مع دمشق بذل كل الجهود لرتق هذا الفتق في محور المقاومة..ويمكن لحركات المقاومة أن تستثمر الدبلوماسية الجزائرية في هذا الجانب لاسيما ان العلاقات السورية الجزائرية هي علاقات متينة وراسخة يمكن توظيفها في هذا الجانب.
4 - الحذر الشديد والواعي عند التعاطي مع جبهتين: جبهة دبلوماسية الإنابة( القطرية والمصرية والتركية) من ناحية وجبهة سلطة التنسيق الأمني من ناحية ثانية.
5 - توسيع حركات المقاومة علاقاتها مع كل من الصين وروسيا لا سيما في ضوء مواقفهما في جولات مجلس الامن الدولي الأخيرة، وأن لا تبقى العلاقة اسيرة القنوات الرسمية بل عليها أن تفيض باتجاه المجتمع المدني والنخب السياسية والفكرية في هذه المجتمعات.
6 - ضرورة التوازن في الخطاب الإعلامي المقاوم، ويجب عدم الخلط بين التعبئة المعنوية وبين المبالغات التي تضر بمصداقية المقاومة في المستقبل.
7 - مطالبة تنظيمات الإخوان المسلمين في مختلف دول العالم بالضغط على حزبي العدالة والتنمية الحاكمين في كل من المغرب وتركيا لإعادة النظر في علاقاتهما الدبلوماسية والتجارية والاستخبارية مع اسرائيل، أي أن تكون الضغوط والحوار مع هذين الحزبين من خلال قوى إسلامية غير حماس تجنّبا لأيّة تداعيات سياسية على حماس.
8 - استمرار التفكير الهادئ في ايجاد طرق لمزيد من الربط بين قوى المقاومة وفلسطيني 1948، واعتبارهم جزءاً أساسيا من التخطيط الاستراتيجي.
أخيرا..من الأرجح أنّ معارك ما بعد معركة سيف القدس ستكون أقسى، وأنّ قوائم الشّهداء والاستنزاف المادي سيتواصل، لكن تاريخ الاستعمار يؤكّد أنّ إسرائيل ظاهرة استعمارية محكومة بقوانينها لا سيما أنّ العامل الديموغرافي لصالح الفلسطينيين، وكل المستعمرات التي بقي فيها العنصر الوطني أكثر عددا من المستوطنين نالت حريتها في نهاية المطاف...ربما.