استشراف

دلالات أوّلية لمعركة القدس الحالية

وليد عبد الحي

تكشف الجولة الجديدة من الصراع بين المقاومة الفلسطينية ( الشعبية والمسلحة) وبين اسرائيل عن مجموعة من الدلالات يمكن تلخيصها في الآتي:
1- ان اعتبار القدس عاصمة موحدة لاسرائيل أصابها بعض التشكيك، فهذه الاشتباكات داخل القدس، ووصول الصواريخ الفلسطينية الى مدينة القدس ذاتها مترافقة مع التوجه لاحتفالات إسرائيل بذكرى استكمال احتلالها للقدس، عام 1967، تجعل من اعتبار القدس عاصمة موحدة لاسرائيل أمرا حوله جدل كبير ولم يتم التعامل معه كمسلمة سياسية في اطار الصراع العربي الصهيوني، وقد تظهر آثار هذا التشكيك في مداولات مجلس الأمن وتشتت المواقف الدولية الفاعلة حول موضوع القدس.
2- تكريس التحوّل العربي تدريجيا من طرف في الصراع الى وسيط، لكن قدرة هذا الوسيط على الضغط على المقاومة أكثر من قدرته في الضغط على إسرائيل للوصول الى تسوية، فالأطراف العربية النشطة في محاولات التوسط( خوفا من اتساع دائرة الصراع أو بطلب أمريكي من وراء الستار) أو في سلسلة النشاطات الدبلوماسية لهذه الأطراف يشير الى أن هذا الوسيط لديه امكانيات للضغط على الطرف الفلسطيني (من النواحي المادية والجيوسياسية واللوجستية) أكثر كثيرا من القدرة على الضغط على اسرائيل، وهو ما يعني ان نتائج التوسط إما أنها ستصل للفشل أو أنها ستصل لنقطة لغير صالح الطرف الفلسطيني.
3- أحيت المواجهة فكرة ان جوهر الصراع في المنطقة هو الموضوع الفلسطيني، وان حل هذا الصراع هو أمر جوهري، وهو ما يعني أن محاولة تهميش الموضوع الفلسطيني أمر ليس بالبساطة التي حاولت جهات مختلفة الترويج لها.
4-  وضعت الاشتباكات المدنية والعسكرية دول التطبيع موضع الحرج أمام شعوبها والشعوب العربية بشكل عام، وهو ما اتضح في بياناتها الخجولة جدا، ومحاولاتها المساواة بين طرفي الصراع، وهو الأمر الواضح بشكل جلي في بيان دولة الامارات العربية المتحدة، بينما تنتظر البحرين الموقف السعودي لتنسج على منواله.
5- تكشف المواجهة ان دول التطبيع العربية (القديمة والجديدة) تعتبر التشبث بالعلاقة مع اسرائيل والاعتراف بها له أولوية تعلو على موضوع الاقصى والمقدسات أو الحقوق الفلسطينية، وإنها متشبثة بالعلاقة مع اسرائيل حتى لو مسّ ذلك عمق منظومة القيم الدينية والقومية العربية.
6- احياء البعد الديني للصراع هو أمر لا تريده الأنظمة العربية خوفا من تداعيات هذا الإحياء على أوضاعها الداخلية بخاصة بعد جولات الصراع مع الحركات الدينية التي تعتقد بأنها صاحبة الأولوية في تسنم النظام السياسي العربي، لذا ليست مصادفة ان التطبيع من ناحية وخنق الحركات الدينية من ناحية ثانية سارا جنبا الى جنب خلال العشرية الماضية، لكن المفارقة هي أنه في الوقت الذي تطبق الدول العربية على الوجدان الديني لمجتمعاتها لخنقه، ترخي اسرائيل الحبل على الغارب للوجدان الديني اليهودي وتعززه.
7- تدل المواجهة ان قدرة المقاومة من الناحية العسكرية تحسنت بقدر واضح، لكن ذلك لا ينفي ان ثمن المواجهة لن يكون هينا، لكن متابعة الاعلام الصهيوني يدل بشكل واضح على نوع من «الانهاك النفسي» للمجتمع الاسرائيلي الذي يشعر بأنه يعرف اشتباكا يوميا هنا وهناك منذ أكثر من 54 سنة، بخاصة مع تزايد تراجع تأييد الرأي العام الدولي لاسرائيل حتى في بعض الدول المؤيدة تقليديا لها. وتدل تقارير وزارة الصحة الاسرائيلية ان أعلى معدل انتحار في اسرائيل هو في مستوطنات غلاف غزة، ولا أظن ان ذلك جاء مصادفة بل هو –كما يؤكد علماء النفس الاسرائيليون- نتيجة الانهاك النفسي والقلق النفسي الشديد والمتواصل، ولعل معارك غزة ووصول الصواريخ للقدس وتل أبيب يعمم هذا الانهاك من مستوطنات الغلاف الى لب الكيان الاسرائيلي نفسه.
8- دلت معركة القدس عن العجز المطلق لسلطة التنسيق الامني الفلسطينية، وثبت أن القرار الاستراتيجي في التوجهات الفلسطينية هو بيد غزة وليس رام الله، ولعل ذلك يجعلني أتوقع ان تطرح سلطة التنسيق الأمني مبادرات أو مواقف لتحاول استعادة ما تظنه موقعها في القرار الفلسطيني.
9- دلت المواجهة على ان طاقة الاحتمال لدى المجتمع الفلسطيني طاقة غير عادية، وهو أمر جعل بعض المفكرين الاسرائيليين يطالبون بدراسة هذه الظاهرة والتعامل معها بجدية أكبر، واستقراء تداعياتها المستقبلية.
أخيرا ... أعتقد بضرورة أن تضع المقاومة الفلسطينية هذه الدلالات في حسابها لتحديد الخطوات القادمة لاستراتيجيتها قصيرة الأمد وطويلة... ربما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024