ملتقــــى دولــــي حـــــول السّياســــة الاقتصاديــــة الاستعماريــــة..باحثــــون:

فرنســـــــا أنشـــــــــأت منظومـــــــــــة قانونيـــــة استثنائيــــــة لنهــــــــب خــــــيرات الجزائـــــــــر

البليدة: أحمد حفاف

 

 أجمع أكاديميّون وباحثون في ملتقى دولي نظمته جامعة لونيسي علي بالعفرون نهاية الأسبوع المنقضي، أن السياسة الاقتصادية الاستعمارية الفرنسية أنشأت منظومة قانونية استثنائية تحايلت من خلالها لنهب ثروات الجزائر، وأفضت إلى تجويع الجزائريين.

 أكّد رئيس قسم التاريخ لجامعة العفرون (البليدة 2)، بن يوسف تلمساني، تحايل فرنسا الاستعمارية من خلال سنّ تشريعات غير عادلة فيما يخص إثبات ملكية العقارات لمصادرة أراضي الجزائريين، وذلك بالموازاة مع استعمالها الآلة العسكرية لمصادرة الأراضي والاستيلاء على الأوقاف.
في هذا الشأن صرّح تلمساني: “مباشرة بعد توقيع اتفاقية سلم مع الجزائر سنة 1830، توجّهت فرنسا إلى القصبة بالجزائر العاصمة واستولت على خزينة الدولة والعملات الصعبة والمنقولات التي كانت تملكها الجزائر وحتى ممتلكات الحكام الجزائريين، كما قامت بمصادرة الأوقاف التي كانت منتشرة بكثرة، وعلى أساسها مبني النظامين الاقتصادي والاجتماعي”.
لم تأت الآلة العسكرية أكلها كوسيلة للاستيلاء، بالرغم من قرب المسافة بين الجزائر العاصمة والبليدة التي لا تتجاوز الخمسين كيلومترا، إذ لم تستول فرنسا على سهل المتيجة إلا بعد ثمانية سنوات من المقاومة في ظل تمسك الجزائريين بأرضهم، لذا توجهت إلى سن تشريعات تسمح لها بمصادرة الأراضي لإثبات الملكية وفق القانون الفرنسي، وهذا لتعجيز الجزائريين خاصة بالنسبة للأراضي الشائعة التي ليس لها عقود”.
وتابع الباحث في الحركة الوطنية يقول “كان يكفي أن يتهم شخص بأنه يساعد الأمير أو أية مقاومة لتنتزع منه أرضه، واستمرت هذه الممارسة حتى سنة 1940، ثم تمّ اعتماد سياسة الأرض المحروقة، إذ ينتظر المستعمر وقت جني المحصول ليمركز جيشه في الأرض ويأخذون ما يريدون ويحرقون الباقي، متعمّدين تجويع الجزائريين بهدف بسط سيطرتهم”.
اختلفت محاولات إخضاع الجزائريين وفق ما أوضح تلمساني، بحسب خصوصيات كل منطقة، فمثلا في منطقة السهوب تحكمت فرنسا في مساحات تواجد الكلأ والماء بحكم أنها رعوية، وانتقمت من أولاد نايل الذين شكّلوا مصدرا لمقاومة الأمير عبد القادر، وبفضل سياسة النهب والمصادرة استطاعت لتكون أول مستهلك للحوم في أوروبا، أما في الصحراء فرفعت الضريبة على منتجي التمور، كما قامت بحرق أشجار الزيتون في منطقة القبائل، لأنّها مصدر رزق أغلبية سكان المنطقة وهذا لكي تضعف مقاومة “لالا فاطمة نسومر”.
ختم المتحدث قوله:« لقد عمدت فرنسا على تحويل الإقتصاد الجزائري الذي كان يعتمد على الفلاحة ثم التجارة إلى اقتصاد مبني على التجارة فقط، مع أن الإنتاج لم يكن موجّها للإستهلاك المحلي بل لتموين وتلبية السوق الاوربية، لدرجة أن فرنسا قامت بتحويل أراضي معيشية إلى زراعة الكروم لإنتاج النبيذ”.
مصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادرة الممتلكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات
 من جهته، تطرّق أستاذ التاريخ بجامعة قالمة، رمضان بورغدة، إلى التشريعات غير العادلة التي طبّقتها فرنسا على الجزائريين من أجل مصادرة ممتلكاتهم العقارية والمنقولة، حيث اهتدت إلى القمع بواسطة القانون كوسيلة لإخضاعهم وإفقارهم، وهذا بعدما تأكّدت أنّ الجزائر هي الأرض التقليدية للمقاومة المسلحة، وأنّ القمع العسكري لا يكفي رغم بشاعته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة.
لم يكن نزع الأراضي من أجل المنفعة العامة الذي يتطلّب تعويضات عادلة، بل كانت مصادرة تم تطبيقها في الجزائر لأول مرة، وذلك بداية بقرار أصدره الحاكم الفرنسي في 11 جويلية 1830 - يضيف الأستاذ  بورغدة في مداخلة حول الحرب الاقتصادية الفرنسية في الفترة الممتدة من 1830 إلى 1900 التي تأسست خلال الظاهرة الاستعمارية الفرنسية، بحسب تعبيره.
في هذا الصدد، أوضح الباحث في التاريخ أنّ “مصادرة الأراضي لمجتمع قبلي ريفي كان يعتمد على الأرض بالنسبة للرعي والزراعة التقليدية تسبّبت في تفقيره، وازدادت المصادرة ضراوة وبلغت ذروتها سنة 1871 بعدما أصبحت تطبّق كعقوبة تكميلية على العقوبات المسلطة على الثوار، الذين شاركوا في مقاومة الشيخ الحداد والمقراني، ومن خلال هذه المصادرة تمكن الفرنسيون من الاستيلاء على 500 ألف هكتار من أجود أراضي الجزائر، واستمرت الظاهرة وكانت لها مخاطر كبيرة جدا”.
كما تعتبر غرامة الحرب التي فرضتها فرنسا بشكل جماعي مخالفة للقانون العام الذي يقضي فرض العقوبات بشكل فردي، وبتطبيق هذه الغرامة تم تجريد المشاركين في مقاومة الشيخ الحداد والمقراني بنسبة 92 بالمائة من ممتلكاتهم، بحسب دراسة أجراها بورغدة.
زيادة على ذلك، اعتمدت فرنسا على نظام الملكية الفردية، ولم تعترف بالنظام العقاري الذي كان سائدا في الجزائر، والمستمد من الشريعة الاسلامية ومن الأعراف الاجتماعية، كما ألحقت الأوقاف بممتلكات الدولة وكذا أموال الزكاة والعشور، يضيف المتحدث.
وارتفعت نسبة الضريبة المفروضة على الجزائريين بنسبة 1548 بالمائة بما كانت عليه خلال فترة التواجد العثماني، وبالضبط في سنة 1822 بحسب الدراسة التي أجراها الباحث، وأدت هذه السياسة إلى تأثير واضح على عقلية الإنسان الجزائري، الذي يتهرب من الضريبة كونه يعتبرها عقوبة وليس التزام مواطنة.
وبحسب بورغدة فقد أدّت مصادرة الأراضي إلى تجويع الجزائريين، مستدلا بالمجاعة التي وقعت في سنة 1867، وأدّت إلى وفاة ربع سكان قسنطينة، كما حدث في مناطق أخرى في الوطن، فخلال بضعة أشهر توفي قرابة 500 ألف نسمة بسبب هذه المجاعة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024