تتّجه أنظار شباب ولاية تندوف نحو المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية الموريتانية، التي تحولت من منطقة نائية إلى عامل جذب، ومحط اهتمام الباحثين عن الثروة الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على فرص شغل تنتشلهم من شبح البطالة.
اهتمام الدولة البالغ بتندوف في إطار تنمية مناطق الظل، سيجعل منها ولاية صناعية، من المعبر الحدودي إلى «غار الجبيلات» إلى «قليبات لمها»، ويجمع العديد من شباب الولاية على أن فرص العمل متوفرة، وفرص التقليل من نسب البطالة بالولاية ممكنة إذا ما توافرت التخصصات المطلوبة في قطاع التكوين المهني والمركز الجامعي «علي كافي».
قرار إدراج تندوف ضمن الولايات المعنية بنشاط التنقيب الحرفي عن الذهب، خطوة رفعت من سقف تطلعات المنتخبين، ورفعت معها من مقياس حمى الذهب في المنطقة، ودفعت بشباب الولاية إلى التفاؤل من تبعات هذا القرار.
هو التفاؤل ذاته الذي عبّر عنه رئيس المجلس الشعبي الولائي جمال بوناقة، الذي ثمّن هذا القرار، مؤكداً بأن مشروع التنقيب الحرفي عن الذهب في حال انطلاقه بشكل فعلي، سيشكّل إضافة للولاية، خاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، حيث سيساهم في توفير اليد العاملة المعتبرة، وانتشال 100 شاب على أقل تقدير من شبح البطالة من خلال إنشاء مؤسسات مصغرة عن طريق أناد، كما سيكون بمقدور الشباب التنقيب عن الذهب بصفة شرعية بعيداً عن المغامرة والتهور.
واستطرد المتحدث قائلاً، إنّ تحول الولاية إلى ولاية منجمية مستقبلا سواء من خلال منجم غار جبيلات أو منجمي الذهب، هو بحد ذاته أولى لبنات الطفرة الاقتصادية التي ستضع المنطقة في مصاف الولايات الصناعية والمنجمية، ناهيك عمّا يمكن لهذه المشاريع المساهمة به في الخزينة المحلية للولاية فيما يتعلق بالجباية والرسوم وغير ذلك، مضيفاً بأن إمكانيات الولاية من الذهب «معتبرة»، وعلى مسافة قريبة من سطح الأرض، وهو ما سيعود بالنفع والدخل الوفير للمنقبين من أصحاب المؤسسات المصغرة.
في معرض حديثه لـ «الشعب»، أشار رئيس المجلس الشعبي الولائي، إلى أن التنقيب عن الذهب بولاية تندوف لن يكون بشكل حرفي فقط، كاشفاً النقاب عن وجود شركتين فازتا بمناقصة دولية للتنقيب الصناعي عن الذهب بالولاية نظراً للإمكانيات الهائلة من المعدن الأصفر، وأن الإجراءات الإدارية في مراحلها الأخيرة قبل الشروع بشكل رسمي في عمليات الاستغلال الصناعي للذهب ضمن محيطين محددين داخل إقليم الولاية.
قال رئيس المجلس الشعبي الولائي، «إن الدراسة التقنية أكّدت وجود الذهب في العديد من المحيطات الموزعة عبر إقليم الولاية وبكميات متفاوتة، ولكن تم اعتماد محيطين فقط سيوضعان تحت تصرف 20 مؤسسة مصغرة كبداية أولية لمزاولة هذا النشاط لأول مرة بالولاية»، مؤكّداً سعي المجلس الحالي من خلال لقاءاته الدورية وخرجاته الميدانية إلى حث مديري مركزي التكوين المهني والمركز الجامعي إلى إدراج تخصصات ومناصب بيداغوجية متخصصة في مجال التنقيب، معربا عن أمله في ضم المعهد الوطني المتخصص الذي سيفتح أبوابه قريبا تخصصات في قطاع المناجم حتى تلائم توجهات الدولة الرامية إلى تطوير المنطقة، مبدياً استعداده التدخل من أجل التباحث مع إدارة المركز الجامعي «علي كافي» من أجل إنشاء فروع أو أقسام لتخصص التنقيب عن الذهب تكلل بشهادة جامعية لأبناء الولاية في مجال التنقيب عن الذهب.
جاهزية للانطلاق
من جهته، أكّد مدير الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية «أناد» بوربابة مصطفى، أنّ الوكالة مستعدة للتكفل بالمؤسسات المصغرة التي تُعنى بنشاط التنقيب الحرفي عن الذهب، موضّحاً بأن إستراتيجية العمل المتبعة في إنشاء مؤسسات مصغرة قائمة على مرافقة، تكوين، دعم وتمويل الشباب حاملي المشاريع، بما في ذلك مشاريع التنقيب عن الذهب بالولاية.
أكّد المتحدث التزام وكالة «أناد» بمرافقة الشباب في إطار إنشاء مؤسسات مصغرة والتعريف بالمزايا والامتيازات الضريبية، وكيفية إنشاء مؤسسة مصغرة وأنواع صيغ التمويل، كما سيستفيد أصحاب المؤسسات من العديد من الخدمات غير مالية تشمل تكويناً إدارياً وآخر تقنيا في مجال التنقيب عن الذهب، موضحاً في هذا الإطار أنّ وكالة «أناد» بالتعاون مع قطاع التكوين المهني بالولاية قد أنهت كل التحضيرات اللازمة للشروع في استقبال ملفات حاملي المشاريع في تخصص التنقيب عن الذهب، حيث سيستفيد صاحب المشروع من تكوين مدته 56 ساعة، موزعة على 12 يوما تختتم بمنح شهادة كفاءة في مجال استخراج الذهب.
في معرض رده على سؤال لـ «لشعب»، أكد مدير «أناد» أنّ طاقمه الإداري جاهز للتكفل بمؤسسات التنقيب عن الذهب، وأن التأطير المتخصص في قطاع التكوين المهني لا يطرح إشكالا في الوقت الراهن إلى حين توطين التخصصات في المعهد الوطني المتخصص أو المركز الجامعي لإتاحة الفرصة للجامعيين لولوج هذا النشاط مستقبلا.
طفرة اقتصادية
ترى أستاذة متعاقدة بالمركز الجامعي علي كافي بتندوف، فاطمة الزهراء لعريبي، أن الاستثمار في النشاط المنجمي وخاصة في معدن الذهب له نتائج عديدة على المديين المتوسط والبعيد، ذلك أن التوجه الجديد الذي اتخذته الدولة في سبيل تنويع مصادر الدخل الوطني من خلال الالتفات إلى الثروات المعدنية الباطنية سيساهم في جلب الاستثمار الأجنبي وسيجلب العملة الصعبة للبلاد، بالإضافة إلى استحداث مناصب شغل جديدة، وبالتالي امتصاص قدر كبير من البطالة.
قالت المتحدثة إنّ الاستثمار في النشاط المنجمي ستكون له تبعات هامة في مجال التوظيف المتخصص، حيث ستعزز هذه المشاريع من المستوى المعرفي للإطارات الوطنية وفق المهارات والمتطلبات التكنولوجية الحديثة، ونقل المعارف والمعلومات للإطارات الوطنية العاملة في المجال المنجمي.
أوضحت الأستاذة لعريبي أنّ النشاط المنجمي بولاية تندوف في حال دخوله مرحلة الاستغلال الفعلي سيرفع من رقم التحصيل الجبائي والضرائب في الخزينة المحلية، والتي ستوجه إلى تعزيز البنى التحتية للولاية من قواعد صناعية وسكك حديدية وطرقات، والتي ستساهم هي الأخرى في تغيير النمط المعيشي لسكانها، مشيرةً إلى أن وجود المعبر الحدودي الرابط بين الجزائر وموريتانيا سيشكل همزة وصل بين الدول الإفريقية الغنية بالثروات الباطنية والدول الأجنبية، التي ترى أن الجزائر وعبر المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد ستكون بمثابة بوابة لدخول إفريقيا.
وأكّدت في الوقت ذاته، أن الشروع في الاستثمار المنجمي بالولاية سيمكّننا من تحديد ماهية وكمية الثروات الباطنية على وجه الدقة، وسيكشف طبيعة الثروات الباطنية التي تزخر بها بلادنا، وبالتالي، فإن النشاط المنجمي بولاية تندوف إلى جانب المعبر الحدودي سيضع اسم الولاية في مصاف الولايات الصناعية، التجارية والمنجمية، وسيعزّز من مكانتها في المشهد الاقتصادي العالمي، وسيجعلها قطباً استثماريا بامتياز.
من الذهب ما قتل!
لا تزال الأخبار القادمة من الشريط الحدودي الفاصل بين الجزائر وموريتانيا، تنقل معها أخبار الحوادث المتكررة لشباب راحوا ضحية البحث عن الذهب، فقد شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعاً في وتيرة التنقيب غير الشرعي عن الذهب بالولاية التي تتربع على كميات معتبرة من المعدن الأصفر، دفعت بالسلطات العليا إلى تخصيص محيطين منجميين لشركات كبرى، وعشرات المحيطات الموجهة للتنقيب الحرفي، وينتظر شباب الولاية الإسراع في إجراءات المشروع في ظل شح مناصب الشغل، وتجميد التوظيف في العديد من القطاعات وافتقار الولاية لمنطقة نشاطات ذات بعد تنموي يمكنها انتشالهم من شبح البطالة وفكوك الموت.
وتمكّنت مصالح الحماية المدنية بولاية تندوف، من انتشال جثث ضحايا شباب قضوا نحبهم نتيجة انهيار بئر للتنقيب عن الذهب بالشريط الحدودي الفاصل بين الجزائر وموريتانيا. الحادث الذي وقع الشهر الماضي، هو الثاني من نوعه خلال شهر، حيث سجلت المنطقة في وقت سابق وفاة 5 شبان كانوا يشتغلون على نفس البئر قبل أن ينهار عليهم مودياً بحياتهم على الفور، لينهار ذات البئر مرة أخرى على 09 منقبين غير شرعيين نجا واحد منهم بجروح متفاوتة، في حين لقي 08 آخرون مصرعهم.
شروع الوكالة الوطنية للأنشطة المنجمية في تنظيم أبواب مفتوحة للشباب الراغبين في التنقيب الحرفي عن الذهب، اعتبره كثيرون بصيص أمل على قرب الإفراج عن الملف، ولكن أثار بالمقابل الكثير من التساؤلات حول مقدرة قطاع التكوين المهني والمركز الجامعي في توفير التخصصات والمناصب البيداغوجية المطلوبة لتشغيل المنجمين الصناعيين، خاصة وأن هذا النشاط أصبح يستقطب أعداداً متزايدة من الشباب الباحث عن حياة كريمة وفرص عمل تعود بالنفع العام على المنطقة بدل أرواح مهدورة وثروات مستنزفة.