وضعت الجزائر أولى لبنات التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية، من خلال إقرارها لترسانة قوانين ومراسيم تؤسّس لتجارة المقايضة مع مالي والنيجر، تستفيد منها ولايات تمنراست، أدرار وتندوف.
الخطوة لقيت إشادة من طرف المهنيّين المنضوين تحت لواء غرفة الصناعة والتجارة “تفقومت”، والتي أكّد رئيسها نوح أبيري، حاجة ولاية تندوف لمثل هذه المساعي التي تهدف إلى النهوض بالولايات الحدودية، وانتشالها من الركود الاقتصادي الذي فرضته عليها الجغرافيا.
قال رئيس غرفة الصناعة والتجارة “تفقومت”، إنّ تجار ولاية تندوف التي أدرجت ضمن قائمة الولايات المستفيدة من تجارة المقايضة، مسموحٌ لهم مقايضة بضائعهم مع تجار مالي والنيجر فقط، وهو ما يترتّب عنه العبور عبر النّطاق الجمركي لولايتي بني عباس وبشار غير المعنيتين بالمقايضة، معرباً عن أمله في أن يتوسّع القرار ليشمل دولاً إفريقية أخرى.
أضاف أبيري أنّ ولاية تندوف لا تربطها حدود مع مالي والنيجر المعنيتين بالمقايضة، وبالتالي، فإنّ تجار الولاية ملزمون بالعبور عبر ولايتي بني عباس وبشار، وهو ما يضعهم أمام عقبات إدارية وجمركية معقّدة، تصل في بعض الأحيان إلى حد الوقوع تحت طائلة “مخالفة القانون”. أشار رئيس غرفة “تفقومت” في معرض حديثه لـ “الشعب ويكاند”، إلى استحالة وجود مقايضة بولاية تندوف في الوضع الحالي، ما لم يتم إدراج موريتانيا ضمن دول المقايضة، أو إنشاء محطات وقود ونقاط استراحة على مستوى طريق الشناشن الرابطة بين تندوف ودائرة تسابيت بولاية أدرار، البالغ طولها 983 كلم من أجل تفادي عبور النطاق الجمركي لولايتي بني عباس وبشار، موضّحاً بأنّ طريق الشناشن الخالية من التجمعات السكنية، ومن أي شكل من أشكال الحياة، تفتقد إلى المنشآت اللوجستية من محطات وقود وغيرها، والتي قد تساعد تجار الولاية على ولوج الأسواق المالية من بوابة أدرار.
دعا أبيري إلى ضرورة تفكير السلطات العليا في البلاد في إيجاد حلول ولو بشكل مؤقت، تمكّن تجّار الولاية من الاستفادة من المقايضة مع مالي والنيجر إلى حين تهيئة طريق الشناشن لتلائم قوافل التجار، مؤكّداً بأنّ العبور عبر ولايتي بني عباس وبشار يرهق التجار الذين يطالبون بتسهيلات جمركية في هاتين الولايتين.
وأردف رئيس غرفة الصناعة والتجارة بولاية تندوف، قائلاً إنّ السّبيل الوحيد لاستفادة الولاية من المقايضة هو دخول منطقة التبادل الحر الأفريقية حيّز التنفيذ، وقبول الجانب الموريتاني التوقيع عليها، وهو إجراء يلزم الدول الموقّعة على الاتفاقية القبول بتجارة المقايضة، وهو ما سيأتي بالنفع على تجار ولاية تندوف.
وأوضح أنّ الاتفاقية المنظمة لمنطقة التبادل الحر الأفريقية، تنص على أنّ كل السلع ذات المنشأ المحلي تسوّق بين الدول الأفريقية الموقّعة عليها دون جمركة، مع إمكانية تحفظ الدول الموقعة على 10 سلع محلية تستثنى من المقايضة تحت حجة “حماية المنتوج الوطني”.
أشار المتحدث إلى وجود اهتمام كبير لدى تجار الولاية بتجارة المقايضة، غير أنّ السلع المتاحة حالياً والمسموح جلبها من دولة مالي في إطار المقايضة هي الإبل فقط، داعياً إلى الإسراع في تمكين المربّين من جلب رؤوس المواشي الأخرى.
واستطرد يقول إنّ موريتانيا سوق واعدة للسلع الجزائرية، وهي بحاجة إلى الكثير من المنتجات الوطنية التي تحظى بسمعة جيدة وبأسعار تنافسية مقارنة بدول الجوار تماماً مثل حاجة السوق المحلية بولاية تندوف للسلع الموريتانية من أزياء تقليدية وبخور وعطور، معرباً عن أمله في أن يتم تحيين قائمة دول المقايضة لتشمل موريتانيا ودول إفريقية أخرى، وأن يشهد المعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد تجارة المقايضة مع موريتانيا خدمةً لسكان المناطق النائية في البلدين.
وتستمر عملية التجارة البينية بين الجزائر وموريتانيا عبر المعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد الرابط بين البلدين، بخطى محتشمة، دون أن تحقّق آمال وتطلّعات تجار المنطقة. وينظر تجار المنطقة إلى الجانب الآخر من الحدود، آملين في فتح أسواق جديدة، ستفتح معها آفاقاً واعدة ما كان لها أن تظهر لولا اهتمام الدولة البالغ بتنمية المناطق الحدودية، وترسانة قوانين مهّدت لتجارة المقايضة التي يعوّل عليها تجار الولاية، كما يعوّلون على تسهيلات جمركية وإجراءات استثنائية قد تصاحب هذه القوانين.
جهود الجزائر في الرفع من وتيرة التجارة البينية بين الدول الإفريقية هي الأبرز بين دول الجوار، فالمعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد بشكله الجديد بمركزيه الثابتين الجزائري والموريتاني، الذي سيكلف من ميزانية الدولة قرابة 350 مليار سنتيم، إلى جانب الطريق العابرة للصّحراء الموريتانية على مسافة 773 كلم، والتي ستتكفّل الجزائر بإنجازها بمؤسّسات وطنية، هي مؤشّرات تثبت حرص الجزائر على تطوير العلاقات التجارية بين دول المنطقة، وسعيها الجاد لإخراج سكان المناطق الحدودية النائية في هذه الدول من عنق زجاجة الفقر والحرمان.
أداة لكبح جماح المهرّبين
كشفت صاحبة مؤسسة تصدير واستيراد “أحلام - ع«، أنّ المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد ما بعد تجسيد تجارة المقايضة مع دول الجوار، سيشكّل طفرة تنموية وتجارية ستشهدها ولاية تندوف لأول مرة منذ افتتاح المعبر شهر أوت من سنة 2018.
واعتبرت المتحدّثة أنّ القوانين التي تم إقرارها في هذا الخصوص “مشجّعة”، وتدفع المهنيين إلى ولوج الأسواق الإفريقية بكل ثقة، خاصة وأنها معفية من تكاليف الجمركة وعراقيل الحسابات البنكية التي تكلف الوقت والجهد، وأداة للحفاظ على العملة الصّعبة للدول.
تابعت المتحدثة القول إنّ تجارة المقايضة يمكنها إحداث فارق مهم في تنويع الصادرات خارج المحروقات، كون السلع الجزائرية قد بلغت من الجودة والتنافسية ما مكنّها من أن تحظى بثقة الأسواق الأفريقية.
ودعت إلى ضرورة العمل على إصلاح المنظومة المالية وإيجاد حلول عقلانية لمشكل التوطين، وأن ترافق البنوك الجزائرية المصدّرين لتسويق منتجاتهم في الأسواق الإفريقية حتى تتماشى القوانين المؤطّرة للنشاط التجاري مع العمل الفعلي في الميدان، ونكون بذلك قد وضعنا قاطرة تنمية المناطق الحدودية على الطريق الصحيح.
عرّجت المتحدّثة في حديثها لـ “الشعب ويكاند” على مسألة تجارة المقايضة كأداة لكبح جماح المهرّبين، وأبعادها الإستراتيجية والأمنية للجزائر ودول الجوار، موضّحةً بأنّ المقاربة الأمنية والاقتصادية التي تبعتها الجزائر أفضت إلى إحداث شلل تام في آلة التهريب في جنوبنا الكبير، وما كانت تشكّله هذه الظاهرة من استنزاف لطاقات وثروات البلاد دون فائدة مرجوة.
وأشارت إلى أنّ تجارة الحدود عزّزت من حضور الجزائر في المشهد الاقتصادي الإفريقي، ومكّنت من فتح أسواق جديدة للمنتجات الوطنية، بالإضافة إلى أن تجارة المقايضة بالرغم من حداثتها - تقول المتحدثة - ساهمت في إعمار المناطق الحدودية، وظهور حركية تجارية غير مسبوقة في هذه المناطق، وهو نفسه الأعمار الذي تخشاه عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.