دعا الباحث والمؤرخ صادق بخوش، إلى تطهير الجزائر من أسماء الأدباء والفرنسيين الذين كانت لهم مواقف معادية للجزائريين أثناء الفترة الاستعمارية، والتخلص من المعالم الكولونيالية، لأن ما فعلته فرنسا ليس إساءة للجزائر وإنما للإنسانية ككل، مؤكدا على ضرورة مواصلة المطالبة بالأرشيف، وكتابة التاريخ من قبل الباحثين في مختلف التخصصات.
ينطلق الباحث والمؤرخ صادق بخوش، وهو يرد على مضمون التقرير الذي كتبه المؤرخ الفرنسي «ستورا»، من فكرة أنه «على فرنسا أن تطهر لوثتها من نفسها»، وعليها أن تدرك أن الإنسانية تشترك فيه مع غيرها، وأن الجزائريين جزء من الإنسانية، وبالتالي عليها أن تتخلص من نظرية «الاستعلاء»، لأن هذه معادية للآدمية ومعادلة «شيطانية وبربرية»، وهذا ما حاول أن يخفيه المؤرخ الفرنسي ستورا ويقفز عليه، بهدف ذر الرماد في العيون، بذكره لكتاب وأدباء فرنسيين، على غرار «ألبير كامي» و»جاك دريدا، «الذين وهبوا – بحسب ستورا – جائزتين نوبل للجزائر على أساس أنهما ولدا وترعرعا في الجزائر».
قال بخوش، إن فرنسا تتعامل بمنطق ازدواجية المعايير التي أكدها المؤرخ بنجامين ستورا، هذا الأخير لم يترك شيئا في تقريره مما يخص فرنسا ولم يذكر شيئا مما يخص الجزائر. وأضاف، أن هذا المؤرخ يقول إن فرنسا الاستعمارية أعطت للجزائر شهادتي نوبل؛ الأولى للكاتب «جاك دريدا» والثانية للأديب والكاتب «ألبير كامي»، هذا الذي احتقر في كتاباته البلد الذي ولد وترعرع في هذا الوطن، حتى مصطلح «القبائل، التي يقصد بها منطقة جرجرة وبجاية»، من اختراع الجنرال العنصري «هالوتو» في 1884، مشيرا إلى أن هناك آلاف المسائل من هذا النوع التي تقود الى بروز نعرات.
بالرجوع إلى الكاتب «كامي»، قال المؤرخ إنه اتخذ موقفا غير حيادي حول مجازر ماي 1945 التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حيث اعتبر أن ما حدث عنف من قبل الطرفين الجزائريين والفرنسيين، وحتى عند اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، اعتبر هذا الكاتب الفرنسي أن ما قام به الشعب الجزائري تجاه الاستعمار «إرهاب».
وكان للمؤرخ بخوش ما يقوله عن «جاك دريدا»، الذي حصل على جائزة نوبل، والذي يعتبره «فيلسوف التفكيكية» أو ما بعد الحداثة. وقد ذكره بنجامين ستورا في تقريره على أنه فرنسي - جزائري، لكنه لا يعنينا في شيء – يقول المتحدث- ولم يذكر بلدنا قط في كتاباته، لا بالخير ولا بالشر.
ولفت بخوش في هذا السياق، إلى ضرورة الانتباه إلى أن هاتين الجائزين ليستا للجزائر، بل بالعكس فقد سحب الاستعمار من الجزائريين عشرات جوائز نوبل، لأنه منع الدراسة والتعليم على أبناء هذا الشعب الأبي لقرن وربع قرن من الزمن، وهم يتشدقون بأن الفرنسيين هم الذين شيّدوا الطرق والمباني، في حين هناك شهادات من بني جلدتهم تثبت أنهم قاموا بنشر بعض الأوبئة لإبادة الجزائريين في القرن 19، مؤكدا أن هذه المعلومات موثقة.
قائمة الكتاب الذين وقفوا إلى جانب الاحتلال ويطالبون بإبادة الشعب الجزائري طويلة، ذكر بخوش منهم «فكتور هيغو» (الذي يحمل اسمه شارع كبير في القلب العاصمة، موجود بين شارعي ديدوش مراد في الأعلى وحسيبة بن بوعلي في الأسفل)، حيث كان من أكبر المدافعين عن فكرة إبادة الشعب الجزائري، لأن هذا الأخير – بحسب زعمه- « غير قابل للتحضّر، وبالتالي إما أن يُباد أو يَقبل القيم التي تمليها عليه فرنسا» وقد رافع من أجل ذلك في البرلمان الفرنسي الذي كان عضوا فيه».
مدرسة وطنية لكتابة التاريخ
فيما يتعلق بالأرشيف الجزائري الموجود بفرنسا، يرى بخوش أنه على السلطات المختصة أن تسعى، في إطار المسموح به، بالتفاوض للمطالبة بالحق في الوصول إلى مصادر هذا الأرشيف، في إطار ما يسمح به القانون.
استرجاع 24 جمجمة هذا ليس كل ما للجزائر لدى فرنسا في متحف الإنسان، ليضيف إن فرنسا الاستعمارية المجرمة كانت تقتل الإنسان، تنزع رأسه وتضعه في متحف أكثر من قرن، هذا الفعل أقل ما يوصف به «أنه منتهى الهمجية والبربرية، كان المفروض عليهم أن يخلصوا أنفسهم من هذا العار الذي لحق بهم».
في هذا الإطار، يرى أن السلطة الجزائرية من حقها وواجبها، عبر المصالح المختصة، أن تواصل البحث والضغط واعتماد القانون الدولي من أجل الحصول على هذا الأرشيف، الذي لا يسقط بالتقادم ولا بالألاعيب، كون الجزائر في يوم من الأيام كانت فرنسية!. «نحن لسنا فرنسا ولا يمكن أن نكون ولا نريد»، فرنسا احتلت دولة سيدة وهناك اتفاقيات تدل على ذلك، فرنسا سرقت القناطير المقنطرة من الذهب وآثار من أواني تدل على الهوية الجزائرية ومدفع بابا مرزوق.
كما دعا إلى أن يكتب الجميع؛ البسيكولوجي، الأنثروبولوجي، الإثنولوجي، المؤرخ، السوسيولوجي والدبلوماسي...، لافتا إلى أن شهادات من كان في الميدان للمجاهدين والمجاهدات «ليست تاريخا»، لكنها تفيد في كتابة التاريخ، لأن الكثير منها «روايات متواترة»، تحتاج إلى تمحيص وإخضاع إلى «كيمياء كبيرة»، لأن التاريخ مسألة حساسة جدا، وأكد كذلك على أهمية إقامة المدرسة الوطنية لكتابة التاريخ.
وأضاف في هذا الصدد، أنه على المؤرخين والباحثين الجزائريين أن لا ينتظروا من الفرنسيين شيئا، واعتبر انه «من حقنا التاريخي أن نحصل على الأرشيف في حدود الممكن، وأن نعول على أنفسنا، ولدينا أرشيف نأخذه بعين الاعتبار في تركيا، في تونس في المغرب، في لبنان في بلجيكا... و هو موجود في أكثر من مكان.