أثبتت التجربة والأيام بما لا يدعو للشك أن الإجراءات الإدارية والتنظيمية التي تتّخذها مديرية التجارة كل سنة لمراقبة الأسعار، والحد من التهابها في المناسبات الهامة كشهر رمضان وكذا التطمينات لمسؤولي القطاع المقدمة للمواطن حول القدرة على التحكم في سير المعاملات التجارية وعامل الوفرة، عدم نجاعتها أمام قوة وتأثير البارونات والسماسرة المتحكّمين في رقاب المواطنين وسوق الخضر والفواكه، مستغلين قانون العرض والطلب للتلاعب بالأسعار في غياب بدائل تحمي المستهلك.
كل المؤشّرات والمعطيات الميدانية كانت تشير أن أسعار الخضر والفواكه لا تعرف تحركا كبيرا وارتفاعا جنونيا في لحظات بولاية بومرداس بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل بسبب الوفرة الكبيرة هذه السنة في مختلف الشعب الفلاحية، التي قدمت إنتاجا هاما بفضل الأمطار المعتبرة وطبيعة المناخ السائد، لكن كل هذا التفاؤل تبخّر عشية رمضان بعدما قفزت الأسعار وتضاعفت سريعا دون سابق إنذار، حيث لا تزال في اليوم الخامس من شهر الرحمة كما يسمى أسعار الفاصولياء الخضراء في حدود 250 دينار للكلغ، ونفس الأمر بالنسبة للطماطم التي تحافظ على رقمها القياسي بـ 160 دينار، 140 دينار بالنسبة للكوسة والخس في حين لم تنزل أسعار بعض الفواكه عن 200 دينار وهو ما يوحي أن تحولا عميقا تشهده التعاملات التجارية وأنشطة قطاع التجارة في أسواق الجملة والتجزئة تتطلب إجراءات ملموسة ومدروسة لفهم هذه المتغيرات، والتكيف معها بآليات فعّالة تنظّم السوق وتحمي المستهلك، وليس بتصريحات وتطمينات عابرة وببعض التدابير الروتينية التي لا تقدّم ولا تأخّر في الأمر شيئا.
كما لم تعد تدابير مديرية التجارة من خلال مصلحة الرقابة وقمع الغش تتعدى عملية مراقبة احترام التجار لبعض الممارسات كالإعلان على الأسعار فقط بالنسبة للخضر والفواكه، ولا يهم ارتفاعها أو انخفاضها ما دامت خاضعة لمبدأ قانون العرض والطلب، على عكس المواد الغذائية التي تعرف بعض التسقيف وإمكانية التدخل خاصة بالنسبة للمواد الرئيسية المقننة ذات الاستهلاك الواسع، وعليه يمكن القول أن تدخل مصالح التجارة على المستوى المحلي يبقى محدودا ولا يؤثر في تغيير المعطيات المفروضة على الأرض، وأن القضية تتجاوز هذا المستوى إلى مستويات أعلى، مع ذلك تبقى مبادرة إنشاء أسواق تضامنية بمناسبة شهر رمضان خطوة عقلانية لتشجيع عملية البيع المباشر ما بين المنتج والمستهلك دون المرور على الحلقة السوداء للسماسرة والمضاربين الذين يعتبرون العلة الرئيسية لكل هذه الأزمة والمعاناة اليومية للمواطن، لكن بشرط تعميم العملية على كل البلديات لإعطاء الفرصة للجميع، ولا يقتصر الأمر على عاصمة الولاية والعمل أيضا على تنويع المنتوج والمتعاملين لخلق مزيد من المنافسة التي ستؤثر إيجابا على الأسعار ونوعية ما يعرض من منتجات تنافسية.
نقطة أخرى مهمة ساهمت في تغذية فوضى الأسواق والأسعار بولاية بومرداس، تتعلق بغياب التنسيق بين المصالح المعنية، ففي وقت أعلنت فيه مديرة المصالح الفلاحية عن توقع تسجيل أرقام قياسية في المنتجات الفلاحية بولاية بومرداس هذه السنة منها على سبيل المثال أزيد من 400 ألف قنطار من الحمضيات، حوالي 45 ألف طن من البطاطا الموسمية وغير الموسمية، 13 ألف طن من الطماطم الطازجة، 2200 طن من الكوسة، 8 آلاف طن من الجزر و5 آلاف طن من الخس وغيرها المواد الأخرى إضافة إلى منتوج الفواكه منها 373 طن من المشمش، نسجل التهاب في الأسعار لأسباب تبقى تطرح الكثير من الأسئلة خلال كل مناسبة دينية أو اجتماعية دون إيجاد حلول جذرية للظاهرة التي تتكرر بنفس الأسباب وبنفس النتائج.