أوضح محدثنا حين تبادر الجزائر باقتراح يوم للعيش معا بسلام على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقره في 16 ماي من كل سنة، فالأمر ليس مجرد إقتراح ليسجل بإسم الجزائر أو فكرة عابرة مرّت بذهن مسؤول في بلاد المليون ونصف المليون شهيد، بل لأن الجزائر راسخة منذ القدم، رسوخ مفهوم الدفاع عن حرية الشعوب في تقرير مصيرها، وشعارنا دوما كان لا بديل عن الحوار، من أجل معالجة القضايا وإن كانت مصيرية، وأن العنف والقوة ليست غاية ولا وسيلة، بل اضطرار لا يكون إلا في حالات خاصة واستثنائية، ربما يظن البعض أن الجزائر قد أسست لهذا الطرح، منذ الاستقلال، وينسى الكثيرون أن المؤسس الأول لدولة الجزائر الأمير عبد القادر كان رمزا للتعايش والتسامح، كيف لا وهو الذي كان يحمي حجيج المسيح في أرض الشام، والجزائر على عهد مؤسسها باقية، منبها بأننا في الجزائر لا نرافع فقط للمفاهيم ونسوقها، بل نطبق قبل أن نتحدث، وما تجربة المصالحة الوطنية، إلا دليل على قوة مفهوم السلام،
ورسوخ معتقد التعايش، وهاهي الأمم تعتبر بنا وتقتدي بنهجنا وتسير على خطانا، في درب التعايش بسلام،
لتقتبس من تجربتنا في الخروج من العشرية الحمراء نهجا لإعادة بناء الدول، الجزائر التي عاشت أكثر من عشر سنوات من الدمار، أصبحت اليوم حمامة سلام في الكثير من النزاعات والصراعات، ترافع بما امتلكت من تجربة لتقول للمتصارعين لا بديل عن الحوار، وكل من كان يعتقد أن الجزائر على خطأ سلم واستسلم وأصبح واعيا بأن لا بديل عن نهج الجزائر، لا بديل عن التعايش بسلام، معتبرا بأن القضية، اليوم، ليست مجرد تجربة مرّ بها الشعب الجزائري، بل أسلوب حياة انعكس على المواطن البسيط قبل المسؤول، والذي آمن أن الحوار أفقيا كان أو عموديا هو السبيل إلى حل المشاكل والخلافات، فتحولت المصالحة من مشروع إلى ثقافة حياة، وغدا التعايش بسلام واقعا لا ينكره إلا جاحد أو حاقد، نعمة تحسد عليها الجزائر شعبا وحكومة، ومع ذلك فإننا نعمل بكل وسعنا من أجل نشرها في العالم حتى يعّم الأمن ربوع العالم الذي أصبح فيه سفك الدماء تقليدا لدى تجار الظلام، فالمجد للراسخين على المبادئ، للمدافعين عن القيم والثوابت، للذين آمنوا بالسلم ويسعون لترسيخه في كل ناد، المجد للجزائر.