يعتقد البروفيسور الباحث في علم الاجتماع بالمركز الجامعي لتيبازة عمار مانع، بأنّ واقع الاقتصاد الجزائري ليس مؤهلا بعد للتصدي لإرهاصات النمو الديموغرا في المتزايد في الجزائر، بحيث يقتضي الأمر اعتماد نموذج استثماري متكامل وواعد في العنصر البشري مع دعم ثقافة الأسرة المنتجة واتباع سياسة انجاب رشيدة للتمكن من توفير قدر أدنى من التوازن والتكامل بين مؤهلات المجتمع وقدراته وتداعيات النمو الديموغرافي. «الشعب» التقته وأجرت معه هذا الحوار.
«الشعب»: في البداية ماهو تعليقكم حول وتيرة النمو الديموغرافي في الجزائر حاليا؟
عمار مانع: لا شك أن النمو الديمغرافي في الجزائر عرف ارتفاعا ملحوظا في العقد الأخير، وقد سجّلت أضعف زيادة ديمغرافية في سنوات التسعينات، إذ انخفض عدد المواليد إلى حوالي 400 ألف نسمة سنويا، في حين نجدها في السنوات الأخيرة بلغت مليون سنويا، وهي زيادة معتبرة تترجم مجموعة متغيرات أهمها؛ فشل سياسة تنظيم الولادات، ورغبة الأسر الجديدة في زيادة عدد الأبناء، التمسك بالقيم التي تدعو إلى زيادة النسل، إضافة إلى ارتفاع مستوى معيشة الأسر وانخفاض عدد الوفيات نتيجة الرعاية الصحية للأمومة والطفولة المتبعة بالجزائر.
● في نظركم، هل الدولة قادرة على تحمّل هذا العبء من حيث توفير هياكل التربية والتعليم والتكوين؟
●● هذا الارتفاع في وتيرة النمو الديمغرافي أدى إلى حدوث ضغط متواصل ونتجت عنه مشكلة حقيقة للتكفل واستيعاب العدد المتزايد من المتمدرسين كل سنة، حيث أنه من خلال الاحصائيات والوقائع المتوفرة فإن الدولة تسعى إلى التكفل بكل هذا الكم الذي تستقبله سنويا على كل المستويات من خلال توفير الهياكل التربوية والتعليمية والتكوينية اللازمة لها، بالرغم من تفاوت هذه الامكانيات من منطقة إلى أخرى.
وهل تكفي الامكانات البشرية المعنية بالتكوين والتأهيل والتربية لمرافقة الوافدين الجدد؟
●● بطبيعة الحال، فإن الإمكانات البشرية تعاني هي الأخرى من هذا الضغط المتزايد في عدد الوافدين، وهذا ما يجعل بعض المؤسسات تعاني من عجز معتبر في التأطير البشري سواء من ناحية الكم أو الكيف.
●هل يؤثر النمو الديموغرافي بشكل مباشر على استقرار العائلة الجزائرية والمجتمع عموما؟
●● العائلة هي أهم المؤسسات الاجتماعية التي تتأثّر بشكل مباشر من النمو الديمغرافي وينعكس ذلك في المشكلات التي تنجر عن الزيادة المفرطة في عدد أفرادها. نحن جميعا نعلم أن المتطلبات التربوية والتكوينية في عصرنا هذا تحتاج إلى إمكانيات معتبرة من حيث التكفل المادي والمعنوي. وهذا ما تفتقر إليه معظم العائلات الجزائرية نتيجة ضعف المداخيل وقلة الموارد.
● بالنسبة للموارد الاقتصادية للبلاد، هل هي كافية لضمان حياة كريمة للوافدين الجدد؟ أم أنه لابد من التفكير في موارد أخرى مكملة؟
●● تسعى الدولة الجزائرية وتسخّر إمكانيات ضخمة في التربية والتعليم والتكوين لكل مواطنيها، وهو مبدأ لم تحِد عنه منذ الاستقلال، إلا أن شحّ الموارد نتيجة المداخيل المحدودة والزيادة المطردة للسكان قد يؤثر على التكفل الجيد بكل المواطنين، وهذا ما أشار إليه الاقتصادي المعروف «توماس مالتوس» بحتمية نقص الموارد في حالة زيادة عدد السكان وكان قد سبقه لذلك المفكر «ابن خلدون» عندما ربط بين الصلة بين المستوى الحضاري للمجتمع وعدد السكان الذي يلعب دورا في تقسيم العمل والنمو. وعليه فإنه من الواجب على الطرفين المعنين أي الدولة والعائلة التفكير بجدية في إيجاد حلول مبتكرة لتنويع الموارد واعتماد ما يعرف بالاقتصاد الأسري أو الأسرة المنتجة ـ مثلا ـ لزيادة مواردها. كما يجب عليها أن تعتمد سياسة إنجابية عقلانية تصبو إلى التركيز على الكيف والامتياز وليس على الكم.
أما بالنسبة للدولة، فإن المطلوب منها أن لا تعتمد على سياسة الكل الاجتماعي فقط بل يجب عليها أن تعمل على توفير مكاتب توجيه للأزواج الجدد وتوعيتهم بأهمية التحكم في الإنجاب لأنه في الحقيقة يرهن مستقبلهم ومستقبل أبناءهم وخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم وحاجة الاقتصاد العالمي لليد العاملة المؤهلة بمستوى عال جدا لكي تحصل على مناصب شغل، وهذا ما توصّلت إليه دولا متطورة كاليابان وألمانيا.
● وما السبيل إذا لتجاوز أزمتي السكن والشغل مستقبلا أم أنهما ستبقيان مطروحتين بحدّة أكبر؟
●● للأسف بالوتيرة الحالية للنمو الديمغرافي لا يمكن تجاوز أزمتي الشغل والسكن، فالضعف الهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد الجزائري وعدم قدرته على الاندماج في الاقتصاد العالمي يجعله يعاني من عدم قدرته على التطور والتوسع، مما يقلص من قدرته على امتصاص الكم الهائل من اليد العاملة المعروضة في السوق والتي في الغالب هي خريجة الجامعات والمدارس، وهذا للأسف مرة أخرى ما يرشحها سواء للهجرة والبحث عن شغل يناسب مؤهلاتها أو يرشحها للانضمام إلى صفوف البطالين، وما يمكن أن ينجرّ عنه من مشكلات نفسية واجتماعية. أما مسألة السكن فهي الأخرى تعاني من ارتفاع الطلب، كون الجزائر تأخرت كثيرا للاستجابة لهذه المشكلة، فبالرغم من العدد الهائل من السكنات المنجزة إلا أنها لم تتمكن من مجاراة النمو الديمغرافي المتزايد والتغير الاجتماعي الذي فرض على كل أسرة جديدة أن تفكر في الحصول على سكن مستقل حتى قبل الزواج.
● ظاهرة العنوسة تبقى أيضا مطروحة على الساحة، فما هي العواقب السلبية التي يمكن أن تنجرّ عنها؟
●● كما سبق وأن ذكرت، فإن معاناة الجزائريين من مشكلتي الشغل والسكن دفع بالكثير منهم في البداية إلى تأخير الزواج، كما أن التمدرس الكثيف للمرأة أدى بها إلى قضاء وقت أطول في الدراسة، مما يجعلها للأسف مرشحة لأن تعاني من العنوسة حتى وإن حصلت أحيانا على عمل وسكن وهذا ما يمكن ملاحظته في مؤسساتنا وجود عدد كبير من العاملات العوانس، وهو ما يطرح في المستقبل مشكلة التكفل بهذه الفئة بعد بلوغها سنّ الشيخوخة وعدم وجود عائلة أو مؤسسات اجتماعية تتكفل بها.
● ما السبيل لضمان توازن أمثل بين النمو الديموغرافي وقدرات المجتمع؟
●● يعيش العالم تقريبا ثلاث تجارب منها دول «تفيض بسكانها» مثل الصين والهند، وهي دول تتطور بسرعة كبيرة، ومنها دول تعاني من مشكلة شيخوخة سكانها وهي الدول المتطورة جدا وتضم أوروبا وأمريكا واليابان، أما الدول السائرة في طريق النمو التي تعاني من مشكلة النمو الديمغرافي السريع كمصر الجزائر نيجيريا اثيوبيا وهي في الواقع من الدول المرشحة لأن تكون قوّة إقليمية بمواردها سواء البشرية أو المادية، فقط على حكومات هذه الدول أن تتبع استراتيجيات تنموية تعتمد على الكفاءة في التسيير والاستعمال الأمثل للموارد، ولن يتأتى ذلك إلا بالاستثمار في المورد البشري تعليما وتكوينا.