شهد قطاع الفلاحة بعاصمة الأوراس باتنة، تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، عكستها النتائج الإيجابية المحققة في ميدان الاكتفاء الغذائي محليا وجهويا في عدة شعب فلاحية، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بالاستهلاك اليومي للمواطن، على غرار شعبة الحليب، الأمر الذي يساهم كثيرا في دفع عجلة التنمية المحلية، خاصة مع التحديات الجديدة التي تواجه الجزائر بعد تراجع أسعار النفط وسياسة الحكومة بضرورة ترقية وتطوير المنتوج المحلي الفلاحي لخلق بدائل ثروة جديدة والتقليل من فاتورة الاستيراد.
وتعتبر ولاية باتنة من بين الولايات لتي خصّصت أغلفة مالية ضخمة لتطوير الإنتاج الفلاحي من خلال اتخاذها لجملة من الإجراءات كتشجيع فرص الاستثمار، حيث استفاد القطاع الفلاحي منذ سنة 2000 من أغلفة مالية ضخمة تتجاوز الـ21 مليار دج، خصصت لمختلف برامج الدعم للنهوض بهذا القطاع الحساس.
وتعمل الولاية من أجل تكوين اقتصاد فلاحي يتميز بالديمومة والنجاعة من خلال الحرص على ضمان نمو سنوي جيد ومستقر في عديد الشعب الفلاحية المعروفة بها وطنيا، حيث كشف مدير المصالح الفلاحية محمد الصغير كمال الدين أن باتنة سجلت خلال الـ5 سنوات المنقضية أعلى النسب في النمو وطنيا بتحقيقها لنسبة 29 بالمائة، ويأتي إنتاج البيض واللحوم البيضاء والحليب من بين أهم الشعب، حيث تحتل حاليا المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج البيض بـ1 مليار و300 مليون بيضة في العام ونسبة مساهمة في الإنتاج الوطني في هذه المادة تقدر بـ28 بالمائة، وتحتل أيضا المرتبة الأولى في إنتاج اللحوم البيضاء بـ435 ألف قنطار في السنة وبنسبة مساهمة تقدر بـ 17 بالمائة في الإنتاج الوطني كذلك تأتي الأولى وطنيا في إنتاج الأعلاف، ونفس الشيء بالنسبة لإنتاج الحليب.
وتعدّ هاته الشعبة التي عرفت تطورا ملحوظا في السنوات الـ10 الأخيرة بولاية باتنة مهمة حولتها إلى حوض كبير لإنتاج هذه المادة الحيوية، حيث برزت مناطق عديدة في هذا المجال على غرار بيطام وسريانة ومروانة وبريكة وباتنة بعد أن كانت قبل هذا التاريخ تقتصر على منطقة المعذر.
وتحصي هذه الولاية حاليا الآلاف من مربي للأبقار الحلوب يتوزعون بشكل خاص على بلديات المعذر، بومية، بولهيلات، الشمرة، بيطام، تيمقاد، زانة البيضاء، سريانة، أولاد سي سليمان، نقاوس، بريكة وغيرها، حسب ما أفادت به مصادر من مديرية المصالح الفلاحية لباتنة.
نجاح كبير للإستثمار الخاص
ويصاحب التطور السريع لشعبة الحليب بباتنة إقبالا ملحوظا للمستثمرين من داخل وخارج الولاية على مشاريع تثمين الإنتاج من جمع وتحويل، فأكدت مديرية المصالح الفلاحية بباتنة، أنه تمّ الشروع العام الماضي في تجسيد مشروع في إطار الاستثمار الخاص بـ1400 بقرة حلوب ببلدية تيمقاد إلى جانب إنجاز ملبنة لإنتاج مسحوق الحليب تعد الأولى من نوعها بالولاية وتهدف إلى المساهمة في توفير هذه المادة الغذائية على الصعيدين الوطني ضمن مساعي الدولة للحد من استيرادها.
وتبذل ذات المصالح مجهودات كبيرة في عملية تلقيح البقر والماشية بصفة عامة ضد الحمى القلاعية لكل الأبقار المتواجدة ببلديات الولاية، حيث سخرت لها كل الإمكانات المادية والبشرية ويشرف أزيد من 276 طبيب بيطري أخصائي وعام لدى المكاتب المنتشرة لحفظ الصحة عبر الدوائر الـ21 بولاية باتنة، حيث تمّ توفير كمية بلغت 63 ألف لقاح يكفي لقطيع الأبقار الذي تتوفر عليه الولاية وهذا قصد اتقاء تفشي المرض.
ويقدر عدد الأبقار الحلوب المعنية بعملية تجميع الحليب بولاية باتنة خلال سنة 2017، أكثر من 11 ألف بقرة حلوب، حيث تنتج هاته الأخيرة أكثر من 140 مليون لتر من الحليب، خلال العشرة أشهر الأخيرة ومن المتوقع أن تصل الكمية المجمعة من الحليب الطازج بولاية باتنة نهاية السنة الجارية إلى 33 مليون لتر أو 35 مليون لتر كأقصى تقدير والوصول إلى المعدل الوطني والمقدر بـ25 بالمائة من إجمالي الكمية المنتجة.
وتجمع عادة الكميات لفائدة 60 مجمعا للحليب يقومون بنقل هذه المادة إلى 9 ملبنات منها 4 تنشط بالولاية تتمثل في واحدة عمومية و3 تابعة للقطاع الخاص و5 ملبنات أخرى خارج ولاية باتنة، نشير إلى تسجيل انخفاض في إنتاج الحليب بسبب قيام العديد من مربي ماشية البقر إلى التخلي عن بعض رؤوس الأبقار وكذا نقص العلف والحشائش بسبب الجفاف.
وتوجد بولاية باتنة حاليا ملبنة الأوراس ذات الطابع العمومي والتابعة لمجمع «جيبلي» بمتوسط إنتاج يقدر بـ 190 ألف لتر من الحليب يوميا إلى جانب 3 وحدات أخرى تابعة للقطاع الخاص واحدة ببلدية المعذر بمتوسط إنتاج يومي يقدر بـ60 ألف لتر يوميا، وأخرى بعين التوتة بمعدل 4500 لتر في الساعة وثالثة بمدينة تيمقاد بمتوسط 500 لتر في الساعة، حسب ما علم من مديرية المصالح الفلاحية.
وأكد وزير الفلاحة والصيد البحري عبد القادر بوعزغي خلال زيارته الأخيرة لولاية باتنة، مواصلة الدولة لمجهوداتها ومساعيها الحثيثة الدولة في التقليل من استيراد مسحوق الحليب في أفق 2019، وتشجيع الإنتاج الوطني والاستثمارات في هذا المجال، الذي أكد بشأنه مدير ملبنة الأوراس أنه سينتهي بالولاية مع آفاق سنة 2018، إن سارت العملية بالحركية المطلوبة.
ويتّفق المنتجون والفلاحون بولاية باتنة، على غرار باقي ولايات الوطن على الحجم الكبير للدعم الذي تقدمه الدولة وتوليه لإعادة بعث شعبة الحليب، من خلال وضع استراتيجية واتخاذ جملة من الإجراءات على المدى المتوسط لوضع حدّ نهائي لمشاكل استيراد هاته المادة الحيوية.
وأشار بعض الفلاحين والمستثمرين الذين التقيناهم إلى تقديم الولاية لتسهيلات كبيرة بهذا الخصوص، خاصة ما تعلّق بتمكين المستثمرين والمربين وحتى الفلاحين من العقار الفلاحي ليتمكنوا من العمل في جومريح ومناسب يجعلهم يطورون شعبة الحليب، وتطمح السلطات العمومية في هذا الإطار إلى تعزيز ودعم إنشاء مزارع عصرية متكاملة ومدمجة لتربية الأبقار الحلوب وإنتاج الحبوب والأعلاف.
وتسعى مصالح مديرية الفلاحة بولاية باتنة، جاهدة لكسب تحدي ورهان تطوير هاته الشعبة خاصة مع الإمكانيات والدعم الكبير الذي تقدمه الدولة للفلاحين.
كما ساهم الاعتماد بشكل أكثر على تقنيات التلقيح الاصطناعي التي تلقى رواجا بين المربين بالمنطقة من خلال التحسين الجيني للسلالات إلى الرفع من مردود البقرة الواحدة، ويصاحب التطور السريع لشعبة الحليب بباتنة ـ حسب مصادر مديرية الفلاحة ـ إقبالا ملحوظا للمستثمرين من داخل وخارج الولاية على مشاريع تثمين الإنتاج من جمع وتحويل خاصة بمناطق تيمقاد، المعذر وسريانة وجرمة، إضافة إلى تخفيف الإجراءات الإدارية لمنح قرض «التحدي»، وصيغ أخرى من القروض الفلاحية، وكذا تعميم التمويل عبر البنوك الأخرى على غرار ما يتم العمل به في بنك البدر.