تعتبر الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب من أهم المؤسسات التي أنشأتها الدولة لمساعدة الشباب البطال على الاندماج في عالم الشغل، رغم أن هذا الجهاز يهدف إلى المرافقة لإنشاء وتوسيع مؤسسات مصغرة في مجال إنتاج السلع والخدمات.
ولا يستطيع الشاب الذي ينخرط في هذا المسعى أن يخطو خطوة واحدة دون موافقة البنوك التي تتولى التمويل، ومن بين شروط التأهيل في الوكالة أن يحوز المستفيد على مؤهلات مهنية لها علاقة بالمشروع الذي يود الاستثمار فيه، ومالك لرصيد مالي يطابق النسبة المحددة.
بعد مرافقتنا لمدير التشغيل لولاية تيارت السيد كبير الحاج ومدير الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب ومدير الوكالة الوطنية للتشغيل ومدير الصندوق الوطني للتامين على البطالة أثناء اليوم اعلامي للتعريف بعمل وبرنامج التشغيل بولاية تيارت، اتّضح أنّ الشباب يعزفون على الخوض في التجربة بسبب جهلهم لدور الوكالات والمزايا المقدمة وكذا التساهل في التعامل مع أموال الدولة، كانت وجهتنا مقرات الوكالات الثلاث، ثم الحديث إلى بعض المستفيدين من قروض وإعانات الوكالات كعينة.
وهكذا زرنا عيادة طبيب شاب يزاول مهنته بوسط مدينة تيارت، والذي أبدى ارتياحه للعمل الذي يمتهنه، حيث استفاد من معدات طبية واثاث، هذا الشاب أقر بأنّه استفاد من هذا المشروع بعد أن درسه كونه إطار وجامعي، حيث بلور الفكرة ثم قام بالتوجه الى وكالة دعم الشباب وبعد المصادقة على مشروعه من طرف اللجنة المختصة التي وافقت على مشروعه، تم تقديم الملف الى البنك الذي قبل الملف لكونه يستوفي الشروط، طبعا صاحب المشروع خضع لتكوين عن مشروعه، وقدّم فكرة عن كيفية التسديد والمرافقة وبعد مزاولة نشاطه هو الان تحت المتابعة لتوجيهه عند الحاجة، وقد أقرّ الطبيب بالتسهيلات التي تلقاها من طرف وكالة دعم وتشغيل الشباب.
حسب المكلفين بمتابعة المشاريع، فإنّ الامتيازات التي يستفيد منها الشباب تتمثل في امتيازات جبائية، أهمّها تطبيق معدل مخفض بنسبة 5 بالمائة من الحقوق الجمركية للتجهيزات المستوردة والاعفاء من دفع رسوم الملكية على الاكتسابات العقارية، وكذا الاعفاء من حقوق التسجيل على عقود المؤسسات المصغرة والاعفاء من الرسم العقاري على البنايات وإضافات البيانات لمدة 3 سنوات، و6 سنوات بالنسبة للقاطنين بالهضاب العليا و10 بالنسبة لقاطني الجنوب.
ومن بين التسهيلات الاعفاء الكلي من الضريبة الجزافية ابتداء من تاريخ الاستغلال لمدة عامين، وعند انتهاء مدة الاعفاء الضريبي بالنسبة للمؤسسات المصغرة يتم التخفيض تدريجيا من 70 إلى 50 إلى 25 خلال السنوات الثلاث الاولى.
الزيارة الثانية كانت لشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة بريف بلدية سيدي الحسني، والذي استفاد من مشروع لتربية الخيول التي تمتاز بها ولاية تيارت، هوالشاب هبارة بن يوسف الذي استفاد من مشروع قدر بقرابة 600 مليون سنتيم، حيث اقتنى أحصنة وقام ببناء اصطبلات صغيرة وجلب المياه بالقرب من مسكنه. وجدنا الشاب يقوم من على كرسيه المتحرك بالاعمال التي تستحق المداومة، ويشغل معه في هذه الورشة إربعة شبان في هذا المشروع، وعند سؤالنا له حول طريقة حصوله على المشروع، أجاب بأنه سعى عدة مرات ولم يعجز إلى أن تحقق حلمه، وأصبح الآن صاحب مشروع ويزوره أشخاص حتى من خارج الولاية للتنزه، وشباب من الولاية للاستفسار عن اعماله ومشروعه وطريق تسيير مزرعته، غير أن التسويق ومواصلة العمل تتطلب مجهودا كبيرا، لاسيما أنّه تسلّم المشروع منذ ما يقارب السنة، وعندما سيحين وقت التسديد فهو يسهر على جمع المال الكافي ليبقى بعيدا عن الضغوطات المادية.
العينة الثالثة هي مشروع البيطري الشاب حديدي قادة، الذي فضّل الاستثمار في مجال البيطرة وطب المواشي، فهو الوحيد في المنطقة من يملك جهاز سكانير للكشف عن الحيوانات، حيث حضرنا لتجربة فحص فوري عن شاة من المزرعة التي يديرها الشاب هبارة بن يوسف، حضرنا كذلك إلى عملية تلقيح فورية بوسائل متطورة للأغنام. وعن استفادته من المشروع قال البيطري «حديدي» أنه لم ييأس للحصول على المشروع الذي لم يكن تسييره سهلا، لاسيما أن منطقة ولاية تيارت تعج بالأطباء والبياطرة، ممّا يصعب التموقع في هذا المجال، ولاسيما في الوسط الريفي.
البيطري الشاب حديدي قادة استفاد من مشروع يقدر بـ 652 مليون سنتيم، ممّا سهل عليه عملية اقتناء المعدات الطبية وسيارة للتنقل بسهولة الى الارياف والكشف عن كثب للمواشي والحيوانات الاليفة من خلال المواعيد والتنقل، واستطاع هذا الشاب أن يشغّل 3 شباب معه وتكوينهم في مجال طب الحيوانات أو البيطرة.
آخر شاب تنقّلنا إليه هو في مقتبل العمر، قام باقتناء سيارات إسعاف لنقل المرضى، هاته السيارات التي وجدناها أمام المؤسسة المصغرة مزودة بأرقام الهاتف وبها سائقين مؤهّلين، وشباب يشتغلون بالإدارة، وقد صرّح هذا الشاب أنه استفاد من قرض مصغر، واجتهد في عمله وطور ورشته، واصبح مشهورا في مجال نقل المرضى بسيارات الاسعاف ولا سيما الذي يتطلب علاجهم التنقل الى ولايات أخرى كالجزائر العاصمة ووهران ومدن أخرى، هذا الشاب استطاع ان يوفر النقل والمرافقة الطبية بالتنسيق مع مديريات أخرى، ورفع الضغط على سيارات الاسعاف العمومية التي أصبحت غير قادرة على تلبية هذه الخدمة نظرا لكثرة المرضى وتنقلهم في آن واحد.
بعد الجولة لبعض الورشات قام مديرو الوكالات المذكورة بتقييم هذا النشاط بمقر وكالة التأمين على البطالة، وقد أقر مدير الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، أن وكالته قامت بإخطار المتخلّفين عن تسديد الديون المتفق عليها في الاتفاق الاولي عدة مرات، وبعد استنفاذ جميع الاجراءات والاتصال المباشر لإيجاد حلول، حيث تمّ تقديم قرابة 80 صاحب مشروع أمام العدالة، ومنهم من وجّهت له جناية كونه قام بتغيير نشاطه أو نقل المعدات إلى مناطق اخرى أو بيع واستعمال المعدات لأغراض غير التي نص عليها دفتر الشروط، ولا سيما أولئك الذي انتهت مدة تسديدهم للديون.
ويبقى المشكل يكمن في جهل الشباب المستفيد من المشاريع من التكوين لا سيما في الأمور القانونية والتسيير رغم التكوينات التي تلقوها من وكالات تشغيل الشباب، ممّا أدّى بهم الى عدم الالتزام بعقود العمل ودفتر الشروط، الذي من المفروض أن يدرسه المستفيد جيدا ويتمعن في بنوده لأنّه لا يعذر بجهل القانون، حسب ما جاء في الدستور.